في العادة؛ المشاكلُ ليست أقوى من الشعب، ولا هي أقوى من قدرته على الحل وخبرته في المعالجة.. لكنها، عادةً، ما تصبح أقوى منه حينما ينعقد قرانُها على منظومة من الخصومات تعمل على الحيلولة دون الاهتداء السريع إلى الحل..
واليمن، اليوم، لا يعاني تحديات فوق طاقته، بقدر ما يعاني أزمة خصوماتٍ لا داعي لها ولا مُوجِب.. وفي ظل أزمة الخصومات هذه "تصبح الحبّة قبّة"، ويبدو الحلُّ وكأنه بعيد المنال.. لذا يتوجّب علينا اليوم في اليمن إطالة التأمل في مداخل المشكلة ومداخل الحل أملاً في أن تترتّب من جديد أوراق اليمن بصورة يسهل فهمُها وحلُّها وفق فهمٍ لا يحتمل تنافر التأويل أو تعدد القراءات..
وفي تقديري أن منظومة الخصومات التي انبنى عليها تعقيد المشكلة اليمنية الراهنة يبدو بعضها مجسداً فيما يلي:
أ. الخصومة بين حزبي المؤتمر الشعبي العام (الحاكم)، والتجمع اليمني للإصلاح (المعارض)، بوصفهما أكبر أحزاب اليمن، وباعتبار أن حصول التوافق، أو الوفاق، بين أكبر حزبين في اليمن كفيل ولا شك بتذليل الصعوبات وتفتيت العراقيل..
وعند التمعن في سبب انعدام الوفاق بين هذين الحزبين نكاد نجد، أن الخلاف ليس أيديولوجياً، ولا هو اجتماعي، بقدر ما هو حصيلة سنوات من الوقيعة.. والبعض اليوم ممن لا ناقة له ولا جمل من هذا الخلاف، يكاد قلبه ينخلع من الخوف حينما تذكر مفردة التوافق أو التقارب بين الحزبين: المؤتمر والإصلاح..
من هنا يتوجب علينا أولاً، تفكيك المخاوف وتعرية الهواجس وفضح الوساوس.. ومن الأجدى لنا في اليمن ألا نكون نسخة مزيفة من النموذج المصري في كل التفاصيل. إذ لاتزال بلادنا دولة في طور التشكُل.
ب. عدم التوافق النفسي (ولن نقول الخصومة)، بين منتسبي الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع.. والأولى يقودها العميد أحمد علي عبدالله صالح، والثانية يقودها، اللواء علي محسن الأحمر.. وعن طريق مشاهدات عدة، يبدو أن ثقافةً نشأت على عاتق خلافٍ، حقيقي أو مفتعل، بين الحرس والفرقة، يضع البلاد كلها على شفا جرفٍ هار.. ونفس الطرف المستفيد في الفقرة السابقة (أ) هو ذاته الطرف المستفيد من بقاء الوضع وتفاقمه في هذه الفقرة..
ج. الخلاف بين التيارين الإخواني والسلفي. هذا الخلاف الذي طال أمده بلا مبرر، وبلا مستفيد سوى القوى التي لا تمت إلى مشروع الشعب بصلة.. وتقع على خندق العداء مع عقيدته وأصالته، وتريد منه أن يكون مرآة مقعرة لكل خلاف ينشأ خارج الحدود، ونحن بدورنا نقتات بلا موجب أو حتى مقابل..
هذا الموضوع – أو جزئية الخلاف هذه- لم تخضع للدراسة والبحث كما يجب، فقط هناك استسلام لتفاقم الآثار السلبية لهذا الخلاف، في ظل حالة أشبه ما تكون بالرضى المتبادل عن وجود حالة الخلاف من أساسها، وعدم الشروع المؤسسي، من قبل كلا الطرفين، باتجاه دراسته ووضع الكوابح أمامه وصولاً إلى المعالجات والحلول..
هذا فيما يتعلق بالخلاف بين التيار الإخواني ويمثله حزب الإصلاح، وبين عموم التيار السلفي الذي له أكثر من ممثل، ولا يزال ينوء أصلاً فيما بينه بأكثر من خلاف..
د. الخصومة بين الأجيال اليمنية الصاعدة وتاريخ اليمن.
من الصعب أن نتلمّس مواضع أقدامنا: أين كنّا، ومن أين جئنا دون العودة إلى التاريخ.. إذ وفقاً للبرفيسور اليمني خالد نشوان ف "إن من لا تؤلمه أشواكُ الماضي لن يسلمَ من لسعات المستقبل"..
واليوم ثمة حربٌ ضارية للحيلولة دون أن تهتدي الأجيال اليمنية لمكامن الضعف، ومداخل الوجع.. ذلك أن مشاكلنا اليوم، ليست مقطوعة من شجرة، ولا هي منبتة من غير أصل، وذوو الأفهام يقرأون ما بين السطور..
ومن الوجيه أن يتساءل البعض: أين ذهبت ببقية المكونات اليمنية؟ أليس لها أهمية في مواقع الحل أو مكامن المشكلة؟.. للحديث بقية إن شاء الله.. ذلك أن ملف الخصومات بين الجهات والأشخاص والتيارات والأحزاب في اليمن بحاجة ألى أن يفتح بشيء من الرفق والوضوح أملاً في إذابة الجليد وتفكيك عوامل التعقيد والتفاقم.
العنوان في الناس: "أخطر أوراق اليمن!!"