لا يزال الثاني من آب أغسطس (ذكرى غزو العراق للكويت) هو اليوم الأسوأ في ذاكرة العرب عموما واليمنيين خصوصا، بل هو أسوأ وبما لا يقاس مع ذكرى النكسة 6 حزيران يونيو.. والسبب هو أن سوءه اجتمع من جانبين:
الأول هو أن هذا اليوم يذكرنا بعدوان الذات على نفسها واستخفاف الأخ بأخيه والغرور بالقوة، والجسارة على القريب. لذا فهو يوم مؤلم لدى ذوي الضمائر اليقظة، ومن الواجب ألا تمر ذكراه دونما تأمل وعبرة.
أما الجانب الثاني فيتمثل في المآسي المتلاحقة والمترابطة التي نتجت عن هذا اليوم، بدءا بقدوم القوات الغربية مرورا بالحرب على العراق ثم أوسلو وانعاكاساتها على سياق النزاع العربي الاسرائيلي، ثم حصار العراق ثم احتلاله وإسقاط نظامه وهدم دولته ثم تشريد أهله وتحطيم نسيجه وبناه.
وعلى هامش ذلك تمزق نسيج العرب ودبت القطيعة وحل الارتهان وانفتح مسلسل التنازلات بلا نهاية وكادت تنتهي الأحلام تماما بأي وفاق عربي ناهيك عن طموح التضامن وأمنيات المجد.
وبإضعاف البوابة الشرقية للأمة العربية زاد نهم إيران وتآلب علينا الناس تآلب اللئام على مائدة الأيتام. وبعد أن كسرت هذه البوابة دخلت إلينا كل رياح الطائفية والخرافة والعطش المجنون للفوضى والدماء.
لقد كان قرار الرئيس العراقي صدام حسين بغزو دولة شقيقة مجاورة عملا لا يبرره أي منطق، ولا يسوغه أي خلاف بينه وبين الكويت. صدّق صدام الضوء الأخضر الذي منحته إياه سفيرة واشنطن ببغداد وابتلع الطُعم..
ولقد كان الإصرار المصري والخليجي على حل المشكلة بقوات أجنبية خطأ آخر.. وكلا الطرفين لا يزال يدفع فواتير هذين الخطأين اللذين غيرا تاريخ العرب المعاصر. وبقي الآن أن تدفع إيران والولايات المتحدة ثمن مجازرهم في العراق وهو أمر حتمي وفقا لسنة الله في الخلق.
يكفي أن الثاني من آب أغسطس جعلنا نحاذر من أن نكون أقوياء..
أما بالنسبة لنا في اليمن فلقد دفعنا ثمنا باهظا حتى لكأن صدام غزانا نحن ولم يغزُ الكويت، (حسب مأمون فندي).
قرابة مليون عامل يمني في دول الخليج عادوا إلى اليمن على هامش التبعات، وانقطعت دعومات السعودية والكويت عن الحكومة اليمنية. وبدأ أشقاؤنا يعملون سرا وجهرا على إحداث الوقيعة بين شريكي الوحدة التي استعيدت بين شطري اليمن قبل قرابة 70 يوما من غزو العراق للكويت. وبالفعل حدثت في اليمن أزمة وحرب وعانى اليمن قطيعة لم تزل آثارها كالجروح بادية على الوجوه.
وللثاني من آب أغسطس في كل مآسينا جذر متين: انزاحت البوابة الشرقية فأمكن لإيران أن تقبل علينا لتغذية مشروع الحوثي ذي الحروب الست وآلاف الضحايا.
وبحدوث الخلاف بين محققي الوحدة كانت حرب 1994 التي يمثل الحراك في بعض مناطق الجنوب أحد تداعياتها الواضحة.
وبحلول القوات الأجنبية في جزيرة العرب اندلعت شرارة فكر تنظيم القاعدة الذي بنى جهاده على اطروحة اخراج المشركين من جزيرة العرب.
الآن؛ وبعد مضي 20 عاما على الغزو الكارثي، لا يزال اليمنيون ينفقون للكويت الشقيق أيماناً باهظة بأنهم لم يكونوا مع الغزو لكنهم كانوا ضد مجيء القوات الأجنبية. وهذا فعلا ما حدث.. بيد أن الجرح العميق اعتاش عليه حمقى كثيرون ليس أولهم عبدالله بشارة ولا مسلّم البراك كما أنه ليس آخرهم علي سالم البيض وطارق الفضلي.
لقد أخطأ اليمن حينما كان احتشاده الشعبي والإعلامي المندد بمجيء القوات الأجنبية أكثر حماسا من احتشاده المندد بالغزو العراقي للكويت.. هذه حقيقة ليس من اللائق بعد عشرين عاما أن نكابر عليها كما أنه ليس من المعقول أن يحقد علينا الأشقاء في الكويت طوال العمر جراء سوء التعبير منا وسوء الفهم منهم.
للكويت سلام.. وللعراق دعاؤنا ودموعنا وما نستطيع فعله أملا في تحريره من الغزو الإيراني الأمريكي الذي من الواجب ألا ننسى (ونحن نتحدث عن ذكرى غزو) أنه أيضا غزو.. وأنهم أيضا أشقاؤنا.. فبأي قوات أجنبية نستعين الآن لكي نحرر العراق؟!