هذه المقالة أرسلت إلى منبر محترم فلم تنشر فأخذت طريقها إلى إيلاف وقد تنشر أو لا، وكان من حرض على توليدها خطاب جاء من أحد شباب حماس من غزة يقول فيها:
في مثل هذا اليوم 29- أغسطس عام 1966 امتدت الأيادي الآثمة بأمر من الطاغوت لتنهي حياة رجل عالم ومفكر لا لشيء إلا لأنه قال ربي الله..
إنه الشهيد المفكر سيد قطب..
سيد قطب الذي بقى شامخا وصامداً أمام تعذيب زبانية جمال عبد الناصر رغم كبر سنه لم تشفع له سنينه الستون التي قضاها ليجلس يوم المحكمة على كرسي بعد أن أهلكه المرض والتعذيب.
رغم ان هناك قانونا يقضي بعدم اعدام كبار السن.
يوم الحكم جاءه شيخ السلطان ليعظه ويقول له كما جرت العادة يا بني قول أشهد أن لا إله إلا الله.. فقال له سيد: أنا من أجلها أموت وبها أنت تأكل الخبز..
لم يأبه سيد بموت لطالما انتظره ولم يرتعش حين جاءه الضابط قبل الإعدام بلحظات وهو يخاطبه بصوت مرتعش:
يا أخي.. يا سيد.. إني قادم إليك بهدية الحياة من الرئيس – الحليم الرحيم!!! – كلمة واحدة تذيلها بتوقيعك، ثم تطلب ما تشاء لك ولإخوانك هؤلاء ولم ينتظر الجواب، وفتح الكراس الذي بيده وهو يقول: اكتب يا أخي هذه العبارة فقط: " لقد كنت مخطئا وإني أعتذر... ".
ورفع سيد عينيه الصافيتين، وقد غمرت وجهه ابتسامة لا قدرة لنا على وصفها.. وقال للضابط في هدوء عجيب: أبدا.. لن أشتري الحياة الزائلة بكذبة لن تزول!
قال الضابط بلهجة يمازجها الحزن: ولكنه الموت يا سيد...
وأجاب سيد: " يا مرحباً بالموت في سبيل الله.. "، الله أكبر!! هكذا تكون العزة الإيمانية، ولم يبق مجال للاستمرار في الحوار، فأشار الضابط بوجوب التنفيذ.
في مثل هذا اليوم أسدل الستار على آخر لحظات صاحب (في ظلال القرآن) سيد قطب في الحياة الدنيا ليبدأ مع حياة جديدة في الفردوس إن شاء الله..
وكان تعليقي عليه هذه المقالة المقتصبة المهمة لحركة التنوير وإيجاد الطريق البديل لأمراض الحقد وانفجارات العنف..
أذكر جيدا ذلك اليوم 29 أوجست 1966م حين تناقلت الأخبار شنق سيد قطب مفسر القرآن في مصر بحكم من محكمة عسكرية صادق عليها رئيس الجمهورية يومها جمال عبد الناصر.
كنا طلاب جامعة يومها وأنا في كلية الطب بعمر 21 عاما نسمع في مسجد المرابط في المهاجرين في دمشق حين وقف يومها جودت سعيد ونعى الرجل للحاضرين، والتفتنا فيمن حولنا هل يحرك مناصروه أي مظاهرة؟ فلم يحدث شيء، بل الكل بكى سرا، والكل لعن عبد الناصر سرا، والكل رضي بالديكتاتورية العسكرية في أرض الكنانة تحت أقدام العجل الناصري، أم بلاد الشام المنكوبة بالطاعون البعثي العبثي.
وبذلك دخل سيد قطب التاريخ في سجل المشنوقين، ونال عبد الناصر لقب العشماوي (العشماوي في اللهجة المصرية هو الجلاد الشانق) ولم يطول عمر عبد الناصر، فقد قاد مصر بعد شنق قطب، إلى شنق نفسه في عالم العرب بهزيمة مدمرة هدته عام 1967م وأعلن استقالته وبكى كما بكى محبو سيد قطب، ومات عن عمر 56 عاما في أزمة قلبية بعد 3 سنين ومات سيد قطب بعمر 65 مقلوب الرقم عن عبد الناصر، فهما اليوم بين يدي العزة يختصمان؟
ماهو حكم التاريخ على إعدام سيد قطب؟ وهل كان من الحكمة لعبد الناصر أن يعلق الرجل على حبل المشنقة؟ وماذا استفاد كل مما جرى فالكل مسحه التاريخ، والكل غيبه في الثرى؟
ربما لو عاش سيد قطب حتى اليوم لاستدعي إلى برنامج شاهد على العصر بدون شهادة وعصر، ولعاش عاديا ومات عاديا، ولكن عبد الناصر خدمه خدمة التاريخ؛ فشنقه وخلده وانتشرت كتبه أكثر من حريق في غابة جافة في صيف قائظ، وربما طبع الظلال حتى اليوم مئات الآلاف من المرات؛ فلم يبق بيت شجر ومدر وحجر إلا دخله، وختم على اسم سيد قطب أنه الشهيد ولم يعد أحد يستطيع مناقشة أفكار الشهيد وهل هي سمية أم مفيدة مثل كل الأدوية والمعالجات؟ فهل كان فعلاً شهيد؟
أنا رجل متتبع لدراما مصر والإخوان منذ عقود وكتبت كتابي في النقد الذاتي في قسم منه حول كارثة المنطقة بالعنف والعنف المضاد؟ تلك التي فصلها كتاب حسن العشماوي (مرة أخرى العشماوي) في حقبة غامضة محفوفة بالأسرار والألغاز بعنوان الإخوان والثورة.
وكان التضارب شديدا في صراع الإخوان والناصرية والاغتيالات والتخطيط للانقلاب العسكري؟ كما في قصة مصرع عثمان ر الخليفة الثالث؟ هل أوعز الخليفة بقتل الثوار حين انصرفوا باتجاه مصر فوقع الكتاب في أيديهم، أو جاء من أوقع ذلك الكتاب المشبوه في أيديهم فرجعوا فقتلوه؟ أم كانت فتنة طامة مدمرة كليل أرخى سدوله ومازال على الحدث الذي مزق الخلافة فلم تلتئم؟
كذلك هي قصة الناصرية والإخوانية والبعثية العبثية في الشرق الأوسط؟
الإخوان ينفون وخصومهم يحاكمونهم ظلما أو عدلا ويتهمونهم بتدبير الاغتيالات والانقلابات ثم يسوقونهم إلى الإعدام؟
هكذا حصل مع دفعة الفرغلي وعودة عام 1956م ثم دفعة هواش وعبد الفتاح إسماعيل وقطب عام 1966م.
في اعتقادي أن النضال الإخواني في مصر لو مشى على قدمين من النضال السلمي والفكر الإنساني المفتوح أكثر من فتحة الجمجمة عند فقهاء العصر العباسي المتوارثين المنطقة حتى اليوم، أقول لربما تغير تاريخ المنطقة، ولكن لا عبد الناصر عنده الفكر الإنساني الديموقراطي خارج الديكتاتورية فكان فرعون مصر يقول أنا ربكم الأعلى، ولا الإخوان عندهم آليات وتدريبات النضال السلمي، مما دفع الفريقين إلى الاحتكام للسيف، وما زالت المنطقة في هذا النفق المسدود حتى إشعار آخر..
إن كل انقلابات المنطقة جاءت من فيروس أمريكي أخطر من الأيدز والسارز، وكل الفرقاء آمنوا بالحل العسكري بأسماء شتى من النضال الثوري والجهاد الإسلامي وثورة طبقة البروليتاريا..
الكل رضع من هذا الثدي المسموم ومن هذا الحليب المسموم ومازال، ظهر ذلك واضحا حتى في مستوى الاتجاه المعاكس الذي تبثه قناة الجزيرة، حين ظهر داعية اللاعنف جودت سعيد محاصرا من كل جانب من الفكر المسموم العنفي وهو يعجز عن حقن المريض الترياق واللقاح..
سيبقى هذا الوضع المريض حقبة إضافية من الزمن حتى يولد جيل جديد يحمل العقلانية والروح السلامية ومعرفة العصر، عندها ربما يولد العالم العربي ولادة سوية؛ فقد ولد جيلنا مشوها أبرصا أعرجا أصما أعمى.. جيل التيه والخوف والديكتاتورية والظلمات والعبث والحريق..
قال الشاب من حركة حماس من غزة حين قرأ كلماتي:
شهادته لا ينفيها أن نختلف مع أفكاره
فالرجل عاش من أجل مبدأ وقدم روحه ليحيا هذا المبدأ ورفض مساومة الطاغوت له ولو بشطر كلمة تنقذه من الموت.فليتنا نكون مثله في هذا الجانب..
وهذا لا يتنافى مع نقد أفكاره وتخطيئها..ولكن ألا يجرمنا شنآن قوم ألا نعدل "اعدلوا هو أقرب للتقوى"..
لا يكفي أن تكون الفكرة صحيحة حتى يؤمن بها الناس، ولكن يجب أن يروا من أصحابها تفانياً وجهاداً في سبيلها، وحين يموت أصحابها في سبيلها تدب فيها الحياة..
وليتنا نجمع إلى جانب وضوح الرؤية وصحة الفكرة هذا الصدق في الانتماء والقدرة على الجود بالنفس، إذاً لقدمنا للأمة المثال النموذجي الذي تنتظره للتحرر..
تحيتي واحترامي
وكان جوابي عليه هل فعلا كان قطب شهيدا؟
قطب كان يخطط لانقلاب عسكري ويدرب الشباب على ذلك، فتسابق هو وعبد الناصر للقتل فسبق أحدهما.
أنا آسف لصدمك بالفكرة..
لذا فقطب وعبد الناصر كان حريصا على قتل صاحبه!!