أعرف جيداً الزميل العزيز عبدالإله حيدر شائع، وعرفته قبل أن يعرف كلانا الصحافة، وذلك في العطلة النصفية في الصف الأول الثانوي، وأعجبت بشخصه الكريم، وتواضعه الجم، واطلاعه الواسع.. وتوسمت من يومها أن لهذا الاسم شأنا..
وبالفعل أصبح عبدالإله حيدر شايع متخصصاً بملف القاعدة، في بلد من أخطر ثلاثة بلدان تنوء بهذا التنظيم الإرهابي العالمي العريض.. وكباحث في شؤون هذه الجماعة، كان من الطبيعي له أن يبحث عن المداخل التي تؤدي به إلى معرفة ما لا يعرفه الآخرون عن هذا التنظيم الغامض.. وكذلك قراءة الكثير والكثير من منشورات هذا التنظيم أو مما يكتب عنه.. والسعي للالتقاء بأعضاء وقيادات من التنظيم وتسنى له ذلك بالطريقة الخاصة لتنظيم القاعدة.. أي أخذه مربوط العينين، من غير موعد، والسير ساعات طوال إلى مكان لا يعرفه.. ثم ربط عينيه مرة أخرى وإعادته إلى حيث كان..
ومن الطبيعي أن تسعى أخطر الأجهزة الاستخباراتية العالمية للتنصت على تواصلات شائع، سواء التلفونية، أو عبر الانترنت.. ويبدو أن الأجهزة الأمنية اليمنية ضمن احتشادها الأخير لمتابعة القاعدة، رأت أن استجواب شائع قد يوصلها إلى بعض الخيوط والدلالات، فقامت باعتقال الرجل مرتين، رغم أن الأمر لم يكن يحتاج اعتقالاً بواسطة عشرات الجنود بل استدعاء..
وفي المرة الثانية، وإسكاتا، لحملة المطالبات بإطلاق سراحه، تلك التي ارتفعت بسبب اعتقاله مع صديقه اعتقال الرسام الكاريكاتوري كمال شرف.. لإسكات هذه الحملة، وفق تقديري، حاول أشخاص كثر في أكثر من موقع، دمغه بالانتماء لتنظيم القاعدة.. ومثل هكذا تهمة إن صحت، وتوفرت أدلتها لدى الأجهزة الأمنية، فإنها تستوجب إجراء واحداً لا غير، وهو إحالته للمحاكمة.. لكن المقصود، كما أسلفنا، يبدو غير ذلك، خصوصاً وأن الدولة إلى اليوم لم تقل بشكل صريح أن التهمة التي اعتقل بسببها شائع هي انتماؤه للقاعدة!
فقط أريد أن أقول هنا، إن الزميل شايع شخص مستقيم، والقاعدة عادة لا تستهدف شخصاً مستقيماً.
كما أن شائع عاش طفولة خالية من الأزمات النفسية والمشاكل الأسرية وانعدام التوازن.. والقاعدة لا تستهدف إلا الأشخاص المعوقين نفسياً أصحاب العقد والعاهات والسوابق المؤلمة..
كذلك عبدالإله حيدر شايع شخص نابه وذكي، يُعمل عقله فيما يصل إليه، والقاعدة لا تستهدف إلا الأشخاص الذين تحركهم العواطف وينقادون لأمرائهم دونما تفكير أو اعتراض..
بالتالي من الصعب موضوعياً انطباق صفات عضو القاعدة على الصحفي عبدالإله حيدر شائع.. وعليه فإن اتهام شائع بالانضمام للقاعدة هو تلميع للقاعدة.. إذ لو كان مثل هذا التنظيم يضم أمثال عبدالإله حيدر، لما تردد الكثيرون في الانضمام إليه والاعجاب به.
والأكثر مدعاة للسخرية أنه إذا كان ذنب شائع أنه باحث في شؤون القاعدة، فذنب الزميل كمال شرف هو أنه صديق لشخص باحث في شؤون القاعدة!
وأختم هنا باستشهاد أخير، من كلام أخي عبدالإله حيدر شائع نفسه، إذ جمعتني به إحدى الندوات قبل أقل من عامين وكان كلانا مشتركاً بأوراق عمل حول موقف التيارات والجماعات الإسلامية من الأزمة في جنوب اليمن.. ويومها تحدث شائع بتفصيل تأصيلي قوي عن أن انفصال جنوب اليمن يصب في صلب إستراتيجية القاعدة ويتوائم مع طريقة تفكيرها من أجل انشاء جيش "عدن أبين" الإسلامي، وبالتالي فهم سيشجعون ولاشك أية نزعات انفصالية في الجنوب وسيعملون على زيادة التوتر والقلاقل الأمنية، لأن هذا من شأنه أن يخلق وضعاً أمنياً منفلتاً يسهل معه تقاطر أعضاء القاعدة إلى جنوب اليمن من جميع أنحاء العالم، بحيث تكون هي المشروع الحقيقي الذي سيسطر على الجنوب أو جزء منه، في ظل مزيد من التدهور..
باعتقادي أن مثل هذا الكلام لا يمكن أن يقوله شخص منتم لتنظيم القاعدة..
ولعل المؤسف هو أن تضطرنا التبريرات المتدوالة لأخطاء الأجهزة الأمنية إلى الدفاع عن هذا الشخص أنه ليس في القاعدة..
وزبدة القول أن أجهزتنا الأمنية، على ما يبدو، تحتاج بين الحين والآخر لاستجواب شخص ما للحصول على مزيد من المعلومات، لكنها تخطئ الوسيلة.. تماماً كما يفعل تنظيم القاعدة الذي يزعم أنه يريد تحرير الأمة من هيمنة الغرب، لكنه يخطئ الوسيلة..