قد يحسب من لا يعرف التاريخ جيداً أن ثورة الـ26 من سبتمبر1962 هي الثورة الناجحة الوحيدة التي قام بها اليمنيون ضد مشروع الحكم الإمامي الهادوي الذي حكم اليمن، كله أو أجزاء منه، مراراً على مدى ألف عام..
والصواب هو أن ثورة سبتمبر62 هي آخر هذه الثورات، وليست أولها أو أوحدها، ذلك أن اليمنيين ثاروا أكثر من مرة على مشروع الحكم الهادوي وأقصوه من منصة السيطرة لكنه عاد إلى الحكم مرة أخرى بسبب أخطاء بسيطة تكررت، كلها أو جزء منها، في أكثر من حقبة..
فالرسوليون والصليحيون والطاهريون (على سبيل المثال) جاءوا وثاروا على دولة الإمامة وحكموا عقوداً مديدة من الزمن، ووصل سلطان بعضهم إلى مكة وعمان وضربوا أروع النماذج في التنمية والبناء والوحدة الوطنية، ثم من جديد يعود المشروع الإمامي إلى الحكم.. ذلك أنه مشروع يُبقي نفسه حياً في نفوس أتباعه، بينما يزهد اليمنيون الذين ثاروا على الإمامة وأقصوها في توريث ثقافة الثورة وجعلها حية في نفوس اليمنيين كما يفعل أتباع الإمامة..
لهذا يدب النسيان بعد عقود من الزمن، بل يتحول بعض أحفاد الثورة إلى منتقدين لرموزها وطبولاً في زفة الإمامة العائدة على بساط من التضليل والتأويل.. لذا فأهم أخطاء سبتمبر العظيم في مسيرة تجدده، هو زهد أبنائه عن الاحتفاء به كما ينبغي..
الخطأ الثاني هو حين تتحول الثورة في نفوس بعض أبنائها إلى ما يشبه امتدادا لتاريخ الدوامغ والمهاترات بين العدنانية والقحطانية، بحيث ينحو المجرى الثوري منحى عنصرياً (مضاداً للنزعة العنصرية الإمامية) لدى البعض وهو ما يؤثر على صورته القيمية ونزعته الإنسانية..
أما ثالث الأخطاء فهو ناتج عن ردة فعل عمياء تجاه السربال الديني والثوب اللاهوتي الذي يتلفع به المشروع الهادوي الإمامي، بحيث يفهم البعض المشروع الثوري المناهض له، وكأنه مشروع ضد الدين، وذلك وفقاً لنظر أشخاص لم يتعمقوا جيداً بالدين.. وغالبا ما يسعى الإماميون أنفسهم لتخصيب مثل هذا الرأي ومن ثم جعله مثلبا ينفذون منه لهدم صورة الثورة..
وإلى ذلك يخطئ أبناء وأحفاد سبتمبر العظيم وسواد الشعب العريض المستفيد منه، حينما لا يفطنون إلى كون الإمامة مشروعاً متجدداً لا يتقن إدارة الحكم لكنه يجيد الوصول إليه، والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك.. لذا ينبغي أن لا نقلل من أهمية الاحتفاء بسبتمبر..
في المقابل لا ينبغي أن يغدو الاحتفاء مجرد أضواء ومصابيح نسرجها في الطرقات وعلى أسطح المباني، إذ الأهم هو أن يكون الاحتفاء بإضاءة المصابيح في القلوب، وذلك عن طريق إيضاح الحقائق لهذا الشعب الذي غالباً ما يعتسف المقارنة ويردد أطروحة الغريم المتربص..
في مثل هذا اليوم، علينا أن نعي أن أخطاء إدارة الحكم هي ناتجة أصلاً عن إهمالنا لتثمين الثورة.. ولابد علينا ونحن نحتفل بالذكرى الثامنة والأربعين لثورة سبتمبر العظيم أن نصارح أنفسنا.. لماذا نقع في ذات الأخطاء ونُلدغ من نفس الجُحر..؟!