في أول شهر ديسمبر (كانون الأول) الداخل ستعقد قمة دول الخليج في عاصمة الإمارات المتحدة، أبوظبي، وبالشهر نفسه يقام منتدى المنامة المخصص لتناول قضايا الأمن الاستراتيجي للإقليم والمنطقة.
شهر حافل لأهل الخليج إذن، يفترض أن يكون مفيدا لأهالي هذه الدول المطلة على حوض الخليج «الناري» من سخونة النفط، وجمر التوتر السياسي والطائفي، ويفترض أن يسكب اللقاءان ماء وينثرا ثلجا على لهيب الأزمات الآخذة برقاب بعضها.
تعقد قمة دول الخليج في ظل ظروف بالغة الصعوبة (متى انتهت هذه الظروف أصلا؟!)، على ضفة الخليج الشرقية، إيران تحتشد لمواجهة العالم كله، متسلحة بفيالق الحرس الثوري، وبضعة صواريخ، ومشروع قنبلة نووية «خداج» وبشيء من «معجزات» أحمدي نجاد وأنوار غائب آخر الزمان، وطبعا بأعلام حزب الله الصفراء وحماس الخضراء.
على رأس هذا الخليج يعاني العراق ما يعانيه، بلد لم يخرج بعدُ من غرفة العمليات، ولم تتضح معالم نظامه السياسي حتى الآن، وأين يمكن أن تقف عربة الدولة العراقية، إن كان لها مكابح أصلا؟!
وعند مدخل الخليج الصعب تجول أسماك القرش الدولية حول مضيق هرمز، تراقب بتحفز حركة الدلافين الإيرانية المشاغبة. وبحارة الخليج فوق قواربهم يرون المشهد من دون أن ينزلوا الماء.. حتى الآن.
في الركن الجنوبي الغربي من جزيرة العرب، حيث اليمن، الدولة الوحيدة من دول الجزيرة العربية خارج منظومة الخليج السياسية بسبب أن ماء الخليج لم يلامس جلد اليمن الترابي. يعاني هذا البلد إرهاب «القاعدة» وخطر الانفصال الجنوبي، وفي الشمال حلم الإمارة الأمامية الزيدية بنكهة خمينية، أما في صنعاء فإزعاج المعارضة الشمالية «اللقاء المشترك»، ف«ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي..؟» كما قال معري اليمن، الشاعر عبد الله البردوني.
هذه الأخطار كلها ذات صبغة «خارجية» وأمنية استراتيجية بالدرجة الأولى، لم نتحدث عن خطر الأمن المائي، وهو خطر يمس دول الخليج الفقيرة بموارد المياه الطبيعية، والماء أصل الحياة، وإذا قررت هذه الدول تأمين نفسها مائيا، فلا مناص لها من الحديث مع دول الجوار أو ما وراء الجوار أيضا.
لم نتحدث عن خطر الأمن الغذائي، بالذات في المواد الأساسية مثل القمح والأرز، فهذه الدول الخليجية أيضا فقيرة جدا في إنتاج هذا النوع من الحبوب الأساسية، بسبب المناخ وفقر المياه، وإن كانت بعض المشاريع السعودية بدأت تتجه صوب القرن الأفريقي وجواره للاستفادة من المزايا النسبية فيها (يد عاملة، قرب النقل، قياسا بالهند البعيدة) لكن حتى الآن لم يتم التوجه بشكل «استراتيجي» جماعي لمعالجة هذه المسألة الأساسية.
لاحظوا أننا نتحدث عن قضايا لا مجال للاختلاف الفكري أو السياسي حولها: ماء وغذاء. ومع ذلك لم نجد حتى الآن توجها خليجيا جماعيا للبدء بمشروع قومي ضخم تتشارك فيه دول الخليج للاستفادة سوية، بشكل يوزع التكاليف ويعود بالفائدة على الجميع، حسبما تمليه الدراسات والمصالح.
في الأساس وُلد مجلس التعاون الخليجي بسبب الحاجة إلى تكثيف الجهود لدى الدول الست لمواجهة أخطار مشتركة.
أنشئ المجلس في مايو (أيار) عام 1981، مع بداية الحرب العراقية - الإيرانية، وبعد نحو سنتين من قيام الثورة الإسلامية في إيران.
أي في ظرف حافل بالشعور الأمني الجامع لهذه الدول ذات البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتشابهة بشكل كبير، للدرجة التي تكونت معها بعد مرور 3 عقود على ولادته، هوية جامعة لسكان هذا الإقليم اسمها الهوية الخليجية، وصلت إلى التناول الشعبي العربي، كما نسمع لدى المصريين تسمية جامعة لسكان الخليج «خلايجة».
مجموعة إقليمية تملك عناصر قوة وتفرد، يكفي أن هذه الدول تمتلك نصف احتياطي العالم من النفط تقريبا. وتحظى بمستوى كبير من الاستقرار الأمني والسياسي والمجتمعي.
صحيح أن وتائر التقدم والحركة متفاوتة من دولة لدولة، حسب طبيعة النظام السياسي (برلماني أو شوروي) وحسب نسبة السكان والمساحة والاعتبارات الخاصة لكل دولة على حدة.
لكن هناك إطارا جامعا لها يميزها عن بقية الدول العربية المجاورة.
ربما أثقل كاهل القمة الخليجية بكثرة المطالبات والآمال من شعوب الخليج، وربما يرى أصحاب القرار من قادة الخليج أن دول الخليج تستنزف سياسيا وماديا بسبب كثرة المشكلات والأزمات المحيطة بحدود الخليج من كل جانب.. ربما.
القصة ليست محصورة بهذه القمة، السنوية التشاورية، أو حتى اللقاءات الوزارية، فهناك أطر أخرى ربما يكون من المناسب طرح قضايا الأمن بمفهومه الكبير فيها، وكذلك التنمية، بمفهومها الشامل، من أجل الخروج برؤى محددة ومنضجة بالنقاش والدرس، ثم ترويج هذه الأفكار من أجل تفعيلها على الأرض.
هناك فقر في اللقاءات والندوات وجلسات العصف الذهني فيما بين مثقفي الخليج وباحثيه، دعك من الندوات الاحتفالية التي يغلب عليها طابع «العلاقات العامة» أو الكلام المكرر، فما نريده لقاءات يكون فيها بحث ودرس صارم.
منتدى المنامة في جولته السابعة للحوار التي ستنطلق أول ديسمبر المقبل، لمدة 3 أيام، هو مؤتمر سنوي بشراكة أجنبية، ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن منذ عام 2004 في البحرين وهو بمثابة قمة غير رسمية للأمن الإقليمي في المنطقة بحضور مسؤولين من وزارات الخارجية والدفاع والداخلية لـ30 بلدا لتبادل الأفكار حول التحديات في المنطقة.
يحضر المؤتمر، بالإضافة لممثلي دول مجلس التعاون الخليجي، ممثلون من إيران والعراق واليمن والأردن ومصر، وكذلك من أميركا وبريطانيا وفرنسا وأستراليا وروسيا والصين والهند واليابان وتركيا، ودول أخرى لها دور في أمن المنطقة.
حسب الأخبار، فإن القضية النووية الإيرانية، الملف الساخن، لن تكون القضية الوحيدة المطروحة للنقاش «ف(القاعدة) في اليمن والوضع في السودان والعراق ملفات تفرض نفسها بقوة نظرا لخطورتها إقليميا».
هذا شيء جيد، ومشاركة مفيدة، ولكن لماذا لا يبادر أهل الخليج لإقامة حوارات من هذا النوع فيمن بينهم، بين أهل الدار؟! لقاءات يوفَّر لها دعم مالي ولوجيستي، لمساعدة صناع القرار في التفكير، ولتنوير المواطن الخليجي، فنحن محاطون بمخاطر حقيقية لا يجوز التهاون فيها، يكفي فقط التذكير بما قاله مؤخرا رئيس أركان الجيوش الأميركية المشتركة الأميرال مايكل مولن من أن تهديد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمواصلة هجماته على الولايات المتحدة «جدي جدا».
وقال، في حديث بثته إحدى القنوات الأميركية الكبرى تعليقا على تبني «القاعدة» هجمات الطرود المفخخة: «أصدق ما يقولونه.. لقد عززوا صفوفهم، هذا خطير، واليمن مكان علينا أن نركز عليه».
«اليمن مكان علينا أن نركز عليه».. هذا ما يقوله قائد الأركان الأميركي، فماذا يقول أصحاب القرار في الخليج عن جارهم العربي الأقرب من الجميع؟! خصوصا أن دول الخليج تقيم الآن دورة كروية في عدن، على أمل أن تظل عدن هي «جنة عدن» ولو خلال أيام البطولة الكروية!
كيف يهتم البعيد باليمن ويدعو إلى التركيز عليه، ونحن، الأكثر تضررا من نار اليمن والاستفادة من جنته، لا نرى دول الخليج تنجز رؤية مشتركة لمعالجة المسألة اليمنية بحزم وصدق وعقل؟
أليس من الأجدى إقامة مؤتمر، على مستوى المثقفين الخليجيين، مع زملائهم اليمنيين، لبحث العلاقات اليمنية - الخليجية، وكيفية مساعدة اليمن، وقبل ذلك كيفية فهمه؟!
جيد أن تستمر المنظومة الخليجية هذه السنين كلها، ولكن الأجود هو أن تثمر الشجرة بعد أن ضربت جذورها في الأرض، ليس أن تثمر فقط، بل أن تتحول من شجرة إلى أشجار وحقول خضراء تمتد بظلها وثمرها إلى الجيران.