لا تزال تمطر أسرارا، ولكل فريق حصته فيها من الحرج والغضب، كلهم مشغولون بترقب ما سيظهر في الصباح التالي، مبتهلين، كما في صلاة الاستسقاء: اللهم حوالينا لا علينا. في هذا الطوفان الشيء الوحيد الذي لا يرقى إلى مستوى الحدث هو عنوانه «ويكيليكس»، أو تسريبات «ويكي».
فنحن أمام فيضان هائل ولا تمكن تسمية آلاف الوثائق المثيرة مجرد تسريبات، ولا يجوز أن يطلق على هذا الحدث الجلل «ويكي»، كما لو كان هرا صغيرا. أتصور أن جوليان أسانج، بطل المعركة، مجرد تقني كومبيوتر لم يعِ حجم الكنز ولا المخاطر المرتبطة به.
لكن في منطقتنا كيف تعامل المهتمون بالحدث؟ بطبيعة الحال وصفت بأنها مؤامرة محبوكة، هذا بالنسبة للمتضررين أو الذين لا تنسجم التسريبات مع توقعاتهم أو تطلعاتهم. لكن اعتبرها البعض دليلا قويا وفاضحا؛ لأنها تنسجم مع مواقفهم، وهذا ما تبادلته الساحة اللبنانية. أحيانا الموقف متناقض، مرة توصف بأنها مكذوبة ومرة برهان مهم بحسب الموقف. لكن أسوا موقف هو النفي؛ لأنه يسلط المزيد من الانتباه، كما سلط الضوء على التعليق المنسوب إلى المسؤول الكويتي بأنهم ليسوا متحمسين لاستعادة المسجونين من مواطنيهم في سجن غوانتانامو.
وبعضها مثير للسخرية، كما نسبت برقية سرية أميركية لفاروق الشرع، نائب الرئيس السوري، قوله: إن ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز سيطلب مساعدة سورية وإيران عند محاكمته بتهمة قتل زوجته الأميرة ديانا. وبعضها مثير للجدل مثل الوثيقة التي كشفت عن مشروع مواجهة حزب الله بقوة عسكرية عربية عندما احتل بيروت الغربية، موقف لم تعكسه البيانات السعودية الباردة آنذاك.
وهناك برقية أثارت الحيرة، وهي تلك التي كشفت عن حادثة في فترة حرب السعودية على المتمردين الحوثيين في اليمن؛ حيث زودهم اليمنيون بإحداثيات مواقع القصف وكانت بينها مناطق سكنية خاطئة، والأخطر كان بينها هدف امتنع الطيار السعودي، قائد المقاتلة، عن قصفه لاشتباهه في صحة الهدف ليكتشفوا لاحقا أنه مقر لقائد القوات اليمنية علي محسن. كان يمكن أن تتغير العلاقة لو نفذ الطيار مهمته!
هل كل ما ورد في البرقيات المنشورة صحيح؟ هذا أمر يُترك للمطلعين والمحللين السياسيين الذين يعلمون ما يكفي لتقييم المعلومات، والوقت كفيل بفرز ما أعلن والتحقيق فيه. إنما بعض المعلومات وكذلك التحليلات كتبها موظفو سفارات قد لا تكون مصادرهم دقيقة، ولا فهمهم للحدث المحلي صحيحا.
كما طرأ دس متعمد قامت به بعض وسائل الإعلام العربية فأضيفت معلومات على الوثائق المنشورة، وأحيانا تم اختلاق وثائق بكاملها؛ لهذا نحن نحرص على قراءة الوثيقة من مصادرها المعتمدة وبنسختها، لا من خلال الملخصات الصحافية. ومعظم ما نشر حتى الآن مثير ومفيد لفهم الحقائق السياسية.