مع انتهاء اليوم الحادي عشر من أيام الغضب في مصر, باتت الأمور تتجه تدريجيا نحو حسم وشيك, يطالب به ملايين المتظاهرين هو تنحي الرئيس حسني مبارك عن الحكم, وسط مؤشرات على قرب بزوغ فجر جديد لم يكن أحد, لا في مصر ولا خارجها, يتوقعه على النحو الراهن.
ويمكن من خلال قراءة وقائع اليوم الحادي عشر أو "جمعة الرحيل" أن تتضح الصورة أكثر, حيث تقترب ملامح المشهد الاحتجاجي من الاكتمال, مع احتراق أوراق النظام الواحدة تلو الأخرى.
فاليوم الحادي عشر اختلف كليا عن اليومين العاشر والتاسع, وكان المشهد الأبرز هو احتراق أحد أهم أوراق النظام أو المحسوبة على النظام والتي تمثلت باختفاء البلطجية عن الساحة ليوم كامل, بعد أن فشلوا على مدى يومين متتاليين في طرد المتظاهرين من ميدان التحرير.
ويبدو أن تصرف البلطجية ومن دفعهم إلى استخدام الخيل والجمال والحمير مؤخرا كان ضربة أخرى وجهت للنظام, فسببت له أكبر الضرر من حيث أراد المعتدون على ميدان التحرير أن ينفعوه. فالمتظاهرون ازدادوا استمساكا بمواقعهم, وتعاظم التعاطف معهم خارجيا وداخليا, وصولا إلى اعتذار غير مسبوق من رئيس الحكومة الجديد أحمد شفيق.
وفي محاولة لمحو آثار تلك المعركة التي شاركت فيها الجمال والحمير, وعد الجيش وأصدر قرارات بعدم التصدي للمتظاهرين, وهو ما ساعد بتوسيع الاحتجاجات, وتوفير عنصر الأمان لمن تردد من المصريين على الاحتشاد بميدان التحرير وتشكيل أكبر ضغط على مبارك.
أوراق أخرى تحترق
كما بات لافتا أن إجراءات الحكومة الجديدة بملاحقة المتهمين بالفساد قد أوشكت هي الأخرى على الاحتراق, حيث لم تجد صدى واسعا بالشارع المصري, الذي ربما اعتبر منع القيادي المستقيل من الحزب الوطني أحمد عز من السفر وتجميد أرصدته غير كاف ويأتي في الوقت الضائع.
ورغم أن قرار منع السفر وتجميد الأرصدة شمل أيضا حبيب العادلي وزير الداخلية المقال ورشيد محمد رشيد وزير التجارة المقال أيضا, غير أن الأمر لا زال في مرحلة الاتهام, كما أن الإجراء لا يعني الإدانة, وفقا للقانون.
كما لم تجد تأكيدات عمر سليمان نائب الرئيس بشأن انتهاء خيار التوريث أي صدى, حيث ارتفع سقف المطالب بشكل متسارع وصل إلى حد غياب الثقة فيما يقال.
غياب السلطة
ويلاحظ المتابع للمشهد المصري غيابا واضحا للحكومة والسلطة في اليوم الحادي عشر, حيث اختفت بيانات الجيش المعتادة, واقتصر الأمر على ظهور رمزي لوزير الدفاع حسين طنطاوي في ميدان التحرير لتفقد بعض المواقع, وهو الأمر الذي صب في مصلحة المحتجين وزاد من ثقتهم بقرب ساعة الرحيل مع التيقن من حياد المؤسسة العسكرية.
أما الغياب الأبرز فكان للحزب الوطني الذي حاول بعض عناصره على استحياء تسيير مظاهرات مؤيدة لمبارك بميدان مصطفى محمود بمنطقة المهندسين, وهو التحرك الذي لم يجد تجاوبا من الشارع المصري. وقد اعتبر غياب الحزب الوطني بمثابة الخزي الأكبر لمبارك, رغم أن عدد أعضائه بالملايين. وكان احتراق ورقة الحزب الوطني الذي لا يزال مبارك يتزعمه خطوة أخرى على طريق الرحيل.
كما أوشكت ورقة أخرى على الاحتراق بشكل كامل وهي ورقة الحوار, التي لاقت رفضا فوريا من غالبية القوى الرئيسية, إلا بعد الرحيل. ولم يتحرك الحوار أي خطوة, ولا سيما أن من قبلوا به ليس لهم من تأثير واضح في حركة الشارع.
كما أن إصرار الملايين على الاحتشاد بكل أرجاء مصر يؤكد تجاوز أيام الغضب لكل هذه الأوراق وغيرها.
ولم تستطع بعض التهديدات أن تمنع أحد أبرز عناصر المشهد من الظهور, وهو ذلك المتعلق بتواجد كاميرات الفضائيات, التي نقلت الحدث ومثلت انتصارا لحق الناس في المعرفة وتحديا لدعاة التضييق.
يضاف إلى هذا ضغط تمثله الأغلبية الصامتة من أبناء الشعب المصري لم تشارك في المظاهرات, ربما بانتظار ساعة الحسم, حتى يتمكنوا من العودة سريعا لممارسة حياتهم العادية، فالرواتب والأجور لعدة ملايين لا تزال معلقة, والأوضاع المعيشية تزاداد تدهورا, وتمثل معاناة هؤلاء ضغطا من نوع آخر, رغم أنه ما زال صامتا حتى اللحظة.
الموقف الدولي
وإلى جانب تأزم الوضع الداخلي لمبارك بات لافتا أن الموقف الدولي آخذ في التشدد, حيث تصاعد سقف المطالبات وصراحتها بانتقال "فوري" للسلطة, وهو ما يعني مطالبة مبارك بالرحيل اليوم قبل الغد. وقد بدا ذلك واضحا في مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي, وهي مواقف يلاحظ أنها استخدمت نفس اللهجة وأصدرت تحذيرات أقل ما توصف به أنها متناغمة.
ولم يخرج عن السياق سوى إسرائيل التي تتابع الموقف بعيون أخرى لم تستطع أن تخفي شعورا بالهلع على مستقبل السلام والحدود مع مصر الجديدة... مصر ما بعد 25 يناير.
كل تلك المؤشرات التي ميزت اليوم الحادي عشر من أيام الغضب تدفع إلى توقعات متسارعة بقرب ساعة الرحيل, وهي ساعة لا يستطيع أحد التكهن بما وراءها.