آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الرئيس بين المبادرة والمغادرة والمناورة!

لا بأسَ إذا قلنا أنَّ الثورات لها قوانينها- وربما يتفق معي الكثيرون إنْ لم يخِبْ ظني. الثورة بالمعنى المجرد تعني الخروج عن المألوف. والمألوف هو ما تعارف عليه الناس على أنَّهُ واقعٌ موضوعي تمَّ الإستسلام إليه ومِنْ ثمَّتَ وقع في النفس على أنَّهُ واقع يستلزم التعامل معه.

والواقعُ الموضوعي الذي قَبَلَهُ الناس لزمنٍ طويل في اليمن، ومصر، وتونس الخضراء، وبقية البلاد العربية هو سلامة الخنوع، وأمان الهون، وسكينةُ الذل. وهدئة الإستسلام . وعلى هذا الأساس يحمل مصطلح كلمة الثورة معنى الخروج عنِ المألوف. والخروج عنِ المألوف يعني الأبداع. والإبداعُ في أغنى صُورهِ يعني الثورة على واقعٍ رَثٍّ مُرَقَّعٍ متردي وآيلٍ للسقوط؛ وفي أقلِّ صورها، ربما تعني إعادة ترتيب الكتب في رفوف مكتبة بيتك ترتيباً حسناً جميلاً وموفقاً، أو إلتقاط صورةٍ جميلةٍ في يوم عيدٍ مع أُسرتك وأهلك، أو مع صديق حميم. والثورة هي دعوةٌ لتغيير نظامٍ؛ وليس دعوة لإصلاحات وترقيعات ضمنَ نظام.

لهذا كان ما حدث في تونس، وفي مصر هو خروج عما ألِفهُ الناس لإجيال وسنين. ولهذا كانت ثورة بكل المعايير والمقاييس، وبكل ما تحمله المُفردة من معنى من الجلل والمهابة وجلال الشهادة. ولهذا كانت إبداعاً مهيباً، وعملاً خلَّاقاً.

وعلى ما سلف أزعم الإستطاعةَ بالقول - مُعيداً ومُكرراً - والتقرير، أنَّ ما يحدث الآن في مصر، وتونس، هو حالة إبداع في رسم حالة الإنسان العربي، بشروط جديدة، وواقع جديد له أرضياته وفرضياته، ونفسية مختلفة،بكل المعاني الواسعة والكبيرة لهذه الكلمات. هذا الذي يحدث، هو ثورة في المفاهيم، والتصورات، والتفكير، ورؤية الأشياءالتي تحملها الإنسان العربي على بحر أربعين عاماً من الخنوع، والضنك، والهون، والذل. حالةٌ فريدةٌ يشهدها التاريخ، ويشهد لها التاريخ. والتاريخ يحترم صُنَّاعَهُ لا ضُيَّاعَه! ربما نتفق على ذلك جميعاً بلا استثناء، إلا مَنْ أتى الله بقلبٍ غير سليم.

وهذه الشروط الجديدة نفسها هي التي دفعتْ الرئيس صالح بالخروج عن صمته السَّاخر بكل الواقع، والحاقر بكل للناس؛ ليعلن في خطاب ركيك - لغوياً - عن عدم ترشيح نفسه، وعدم توريث العرش لحمادة، وعدم تصفير العداد، كما اعتاد اليمنيون أنْ يسخروا منه، ويتندروا به في القيلولة؛ ليمضغوه مع القات.

شخصياً؛ لم أكن أتصور أنْ يخرج علي، ليخطب بالناس في حدث مفصلي كهذا، وقبل يوم واحد من خروج المظاهرات المنددة بأسوأ حكمٍ عرفه اليمنيون على مدى ثمانٍ وأربعين عاماً من الثورة، ناهيك عن الوحدة الذي فصَّلها كما يريد هو لا كما يريد الناس أجمعين. أقول... لم أكن أتصور أنْ يخرج علي بخطاب كان من الحكمة والسياسة والكياسة والرئاسة أنْ يكون وثيقة مكتوبة على ورقً رئاسي رسمي ثقيل الوزن بحجم الحدث كخطابٍ رئاسي رسمي مكتوب على ركنها الأيمن (رئاسة الجمهورية - مكتب رئيس الجمهورية) حتى يمسك عليها الشعب، بالنواجذ كوثيقة وطنية تعني في آخر اليوم إلتزاماً تامِّاً، وقراراً يلتزم به الرئيس، والشعب على السوآء في حالِ لو تراجع عليٌ عن ذلك؛ كمُسْتَمسَكٍ عقدي، قانوني، أجتماعي، بين طرفين؛ بين الحاكمِ، وبين مَنْ عيَّنَ الحاكمَ حاكماً مأجوراً بأجر- على ما يجب عليه أنْ يكونَ الأمرُ،لا ما يجري الآن من لَوي للأمور.
مازال الرجل يسخر منا جميعاً. أوباما المعروف عنه لياقته ولباقته في الخطابة وتمكنه من أطراف اللغة رأيناه يتحدث من ورقة مكتوبة؛ لإنَّ مسألة التوثيق والتأريخ قضية إنسانية فوق أنها تسجيل لمشهد سياسي ضخم وفخم بحجم الحدث. قلت لكم أنَّ علي لا يحترم أحداً؛ حتى نفسَه!

الخطاب فاشل تماماًلغةً ومضموناً؛ولم أستطع أنْ أخرج بجملة مفيدةٍ، لغوياً أوقانونياً؛أومُستَمسَكاً إلتزامياً؛ أُلزِمهُ به حين يلتف عليه. ومالذي يضمن للناس أنَّهُ لنْ يلتَّف ويقفز عليه. مَدريش مَن يُقَرِؤُهْ هذيْ الخبابيرْ!.. وذلك شيء لا يستبعد ذلك وهو الذي يرقص ليل نهار مع الأفاعي!؟.. ومالذي يدفعني لتصديقه فتجربة المجرَّب ليس من الحكمة ألبتة. لا بأس إذن إعتبروني لم أقل ذلك! فهات ياعلي برهانك إنْ شئتَ!
وعليه بالتالي أتسآءل أين إثبات حسن النوايا!؟ لا تقل لي تكوين لجنة كذا ولجنة كذا. إذا أردتَ أنْ تقتل مشروعاً سياسياً شكَّلْ له لجان. أول بادرات حسن النوايا لإثبات الإصلاحات؛ هو تنحية كل بنيك من مناصبهم، وتعيين مكانهم قيادات من أصحاب مَنْزَل نقية ومعروف عنها الصفآء الوطني غير المنتمي إلا لليمن وهم كُثُر.

ثم تنحية كل الجلاوزة، والبطانة، من أسرتك، وأقربائك، وأهل القرية. ثم تنحية، وعزل كل المطبلين، وماسحي الأحذية، والمُزَمِّرين، وماسحي الجوخ المتآمرين - تحت ناظريك - على الشعب، وحقه في الثروة والثورة على المهانة والذل والخضوع الذي أضحى نمطاً يومياً من نظام فاشل. ومن مشاهد حسن النوايا التي من المفترض أنْ تُقَدَّم للشعب حتى تتمكن من قلب الصورة المشوهة عنك والتي لصقتْ في أذهان الناس منذ اللحظة المشبوهة - ألى اليوم - التي أمتطيتَ بعدها سدة الحكم.. أقول .. أنَّ من شواهد حسن النوايا تلك، أنْ تعاد كل الأموال المنهوبة من أقوات الناس والتي لا أستبعدها أنْ تكون بالنسبة المصرية ال %40 من مجموع الدخول للبلاد. و من أهم تلك الشواهد من شواهد حسن النوايا أنْ تقود البلاد حكومة وحدة وطنية، لانقاذ ما تبقى من البلاد. وأهم من ذلك كله أنْ تتنحى. واذا قمت، وقدمتَ كل ما ذكرتُ مِن شواهد حسن النوايا ربما وعسى ولعل يراك الناس محترماً، يمكن أنْ يقبلَ به الشعب ويقبلوا بقائك بينهم.

الثورات ليست مجرد مظاهرة تقليدية عابرة تطوف الشوارع - مع إعجابي ودهشتي واحترامي ليوم 3 فبراير - أيها اليمنيون الثورات لها قوانينها، وشروطها. ولا تتوقعوا أنَّ الإصلاحات ستأتي إليكم على طبق من عصيد، عاصدُها رجلٌ عهدناه لا تأتي على يديه سوى مواعيد عرقوب. المبدأ بسيط ؛ الذي تعوَّد على الكذب؛ لا يمكن أنْ يتخلَ عنه ألبتة. والطبع يغلب التطبع كما يقول إبن خلدون. الثورة معنى سامٍ، وهدف نبيل؛ ولا تهتز بها الأرض إلا تحت أقدام الكبار وقد بدتِ الرُّكَب ولا يحمل ألويتها وبيارقها إلا بأيدٍ شريفة، نبيلة أبتْ إلا الوقوف فوق سرادق الطغاة؛ تنشد أغنية الصباح. فهل أنتم أؤلئك الثُّوار!؟..

إنَّ ديناميكية الحدث التونسي،والحدث المصري - حقيقةً على الشارع والإنسان العربي بشكل عام - وحركة ردود فعل على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي في العالم كله؛ قد فرضت، وأستطيع أنْ أقول قد أسست، لعصر جديد للشعوب العربية،والعقلية العربية، والنفسية العربية، باتجاه تجديد مبدع يدور حول مفاهيم فلسفة الثورات، وأسطورة الشعوب في القدرة على التغيير. وبذلك تكون الثورتين التونسية، والمصرية، قد فرضت شروطها على اليمنيين- ولا خيار لهم إلا بانتهاجها- بشكل قوي دفعهم إلى ما يشبه الحيرة، والتردد فيالحركة والإقدام في تشكيل التصورات، والمبادرة في التنفيذ، والإقدام على ممارسة الفعل الكامل، والناضج للحدث الثوري، والتغييري.

وعلى ما تقدم؛ فأنَّ الطروحات الجديدة التي يستفاد منها؛ من الحدثين الجميلين،المميَّزين؛ هو أنَّ كل شيء سيتغيَّر، وبنفس آلية الحدث، في اليمن أنْ عاجلاً، أو آجلاً؛ ليس لأنَّي أريد ذلك، وأحلم به، بل لأنَّ الأشياء تغيرت في كل مكان في العالم، ونحن عنه غافلون. ولأنَّ سُنَّةَ التغيير ناموسٌ إلهي، وقانونٌ تاريخي، وقضيةٌ أزليةٌ محتومةٌ؛ ولا يدَّعي أحدٌ غير ذلك. ولم يبقَ أحدٌ يُستحَى منه، أو يُستعْتَب عليه! وكل شيءٍ بما فيه ينضحُ.. فماذا ستنضحون أيها الشباب. فالعصر هو عصركم، والظرف المحلي والأقليمي والدولي مُوَاتٍ، فلا تُفَوِّتوا الفرصة فهي سانحة وتنتظر الإحتضان فمدوا أياديكم لاحتضانها!

ويجب أن نتذكر أنَّ مِن أهم القوانين والقواعد التي ستطالها هذه الثورات التاريخية، قوانينَ وقواعدَ مبدعةً في اللعبة السياسية وقواعدها الجديدة التي تؤسسها الآن تلكمُ الثورتان.

وفي الحالة اليمنية كنموذج عادل،وناضج للتدليل على فشل هذه الإنظمة، وواضح على فشل نظام علي في إدارة البلاد لأربع وثلاثين عاماً- كما في بقية الزعامات الأراجوزية العربية - فإنَّ الأشياء تبدو جلية، وليست بحاجة حتى للتدليل على مسوغات أيةِ رؤى، وتحليلات، سنتحدث عنها عما قليل.

إنَّ غياب المشروع التاريخي لنظام علي في اليمن- بعد إنهيار المشروع الإبراهيمي - على بحر أربعٍ وثلاثين عاماً، يعتبر من أهم، وأكبر الأسباب التي جعلت الحياة اليمنية منفصمة بحالة مِن الباپولار Bipolar ومشلولة بكل أوجهها السياسية، والاقتصادية، والإجتماعية، والنفسية؛ فأضحتْ عبارة عن سلسلة من الأزمات، ومتوالية هندسية من الإخفاقات على كل صعيد. وقد تكللت كل تلك، في الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، أنساناً، وأرضاً، وحكومةً، ومعارضةً. إنَّ غياب المشروع الأستراتيجي، والتاريخي لنظام علي في اليمن- ولأي نظام كان - أدى إلى خلق حالة من أنعدام التواصل النفسي الصحيح، والمستقيم بين قمة الهرم، وقاعدتة. ونتيجة لذلك خُيِّل لنظام علي أنه مستهدف من القوى التأمرية في اليمن، وهو لا يدري أنه يتآمر على نفسه، أساساً، وعلى شعبه. تلك الحالة من التوجس الواهم، والقلق الناتج عنه، خلق عنده، بشكل مقرز طبعَ السخرية من الأحداث التي تُعْرِكُ الناسَ، الإنصراف عن الشارع وهمومه، واللجوء للعيش في برج عاجي في قصره، الذي يدَّعي أنهُ جمهورياً، ليعيش كظاهرة مريضة، فوق صدورنا وبالرغم عنا. والحالة مشابهة لكل الأراجوزات الحاكمة في بلادنا من الماء إلى الماء.

ولقد أدى ذلك؛ إلى إصابته بحالة من الشيزوفرينينا المستحكِمة، والمستعصية، على أنهُ القائد الملهم، والزعامة الفريدة، المتَآمَر عليها، من عدوٍ خلقَهُ هو نفسه في عالمه المريض متأثراً بجراحات الشيزوفرينينا. أدى ذلك إلى أنْ خلق جوٍّ من الرعب السياسي، والإجتماعي، والإقتصادي في البلاد كلها. فإذا بالحريات تنتهك وتغتال ، فيموت كل شيء في بلدي من الإنسان إلى الشجر والمطر والحرية - يا صديقي - هي ركن البقآء الإنساني الكريم. وكل المسائل الأخرى - من خبز كريم وعيش شريف وكل مظاهر ووسائل العيش الطبيعية لأي إنسان - تعتبر تالية؛ بل ونتيجة طبيعية ومستَلزمة لها.

إذا افتقد الإنسان الحرية؛ فإنه يختنق. ونتيجة لذلك الإختناق من تراكمات السياسات الإنسانية الفاشلة التي تراكمت فوق السنين عبر التفكير الملتوي لتصوراته، والخيارات الشيزوفرينينة في نظام علي - وغيره من الأنظمة الأراجوزية الفاشلة - فأنهُ أمسى في حالة عزلة نفسية، بعد زلزال الثورتين الشعبيتين، وفي حالة من الرعب والخوف؛ فإذا به يخرج من برجه بخطاب بمفردات وجمل ركيكة - لغةً عربيةً ولهجةً محليةً - لا ترتبط ببعضها بعض، وكأنه يروي لنا قصة الزير سالم؛ وبلهجة لا تحمل المسوَّغ القانوني، والضماني كمُستِمسَكٍ يتضمَّن خطاباً رصيناً، ومؤدباً، وضمانات تحمل مشروعية الخطاب نفسه وضماناته؛ وتمنح الناس والمعارضة النقية شرعية المطالبةَ حالَ عدم الإيفاء ببنوده، والوفاء بشروطة.

تلك نقطة. والشيء الآخر- وأتحمل مسؤوليتها تاريخياً - أنَّ نظام صالح لن يستطيع أنْ يُصْلِحَ؛ لإنهُ إبتداءاً غير مُصْلَحٍ، وغير قابلٍ لأنْ يكون نظاماً صالحاً.وإنْ كان يدعى صالحاً؛ ولو كان في شمس كان من أمس. زدْ عليه أنهُ ردَّةُ فعل لحدث نراه أمامنا؛ وتغلب عليه طبيعة التهدئة، والمناورة، والمداورة ليس إلا؛... مما يبعث الشك، والريبة- عندي وعند أي متلقي واعي - منذ ولادته. وقد عرف عنه ذلك مراراً وتكراراً. ولا تجرب مجرَّب!

أربع وثلاثون عاما من الإخفاقات. بدون مشروع واضح، ومفصل بأچندات محلية، وأقليمية، ودولية تحمل طموحات الناس!يا سادة جَدْمَةْ الكلبْ ما يشتي لها إلا سَلْحة الدِّيكْ، كما يقول المثل اليمني، أو أنْ يصيبك مرض الكَلَب.

أنا لا أثق فيه مطلقاً. وإنْ وثقتُ فيه؛ فليس لديه حرية الإصلاح؛ لأنَّ قراره ليس بيديه بل بيد جلاوزته وبطانته، وهي وحدها المستفيدة من بقاءه. رجل بخبرة رئيس جمهورية لمدة أربع وثلاثين لا يستطيع أنْ يخطب خطاباً يليق بالحدث، ويعطيه الصفة القانونية، ليضفي عليه هيبة الحدث، وصدق اللهجة ؛ فأني لن أصدقه أو أصدق كلامه! يخرج علينا ليخطب فينا ويعلن أنه لن يرشح نفسه، أو يوَّرثها لأحمد الإبن وبلهجة سوقية، لا تحترم المتلقي ناهيك عن المُلقي؛ لا يمكن أنْ أركن عليه في إصلاح، أو ترقيع، أو حتى ترصيص!..

ياجماعة الخير السيارة إذا لَصَّصَتْ ما يشتي لها ألا تنزيل الماكينة! قضية بسيطة يفهمها الإنسان اليمني البسيط، ميكانيكي أو غير ميكانيكي! فكيف لا تفهمها المعارضة والشعب. لم أعد أفهم!

أما مسألة التخويف، التي يسوقها علي وأزلامه، من التشكيك في البدائل المطروحة من أنَّ اليمن ستدخل في الضياع، والخراب؛ إذا أنتقلتْ إنفلونزا التَّوْنسة إلى الشارع اليمني - بعد أنْ إنتقلتْ إلى الشارع المصري - فهذا كلام عفى عليه الوقتُ، ونظريةُ الزمن، الذي يتقدم كالقطار في طريقه إلى المحطة التالية؛ وهو كلام أهلكته هذه الأنظمة مضغاً وعلكاً حتى انتهى السُّكَّرُ الذي فيه.
بثورة مثل تلك التي تحدث الآن، ستدخل اليمن ساحة جديدة من الحرية، وكرامة النفس، وستُفْرَض المفاهيم الجديدة التي أحدثتها الثورتين الجديدتين التونسية، والمصرية بكل مُعرِّفاتها الجديدة، على الإنسان اليمني والأرض اليمنية والشارع اليمني.

والشيء الآخر الذي أفرزته الثورة العربية الشابَّةُ الجديدةالتي صاغها الشارع كأجمل ماتكون، هو إعلان فشل المعارضة في اليمن كما في بقية الأقطار العربية، وأنَّ الشارع تفوَّق عليها تفوُّقاً كاسحاً كريماً شريفاً. الثورة الجديدة بشرعيتها الشعبية، أثبتتْ تفوقها على الشرعية الدستورية، التي يحتمي خلفها النظام الفاشل ليس في اليمن فحسب بل كل الأنظمة الأراجوزية التي تربع عليها بهلوانات تشرختْ أوجهها من عمليات التجميل كممثلات السينما، وتشوهتْ من مراهم وأعشاب التحنيط. وأعلنتْ هذه الثورات بصورة،لا مواربة فيها، أو خلل فشل المعارضة في قيادة التغيير، وأثبتتْ نظريةَ الشارع في قيادة التغيير. وكنتُ أراهن دوماً في كل مقالاتي - والقارئ يمكن أنْ يعود لقراءتها إنْ شاء - أنادي، وأناشد الشارع اليمني بالمظاهرات السلمية السامية، والإعتصامات السلمية السامية، والإضرابات السلمية السامي، حتى مِنْ قَبْل أنْ تنطلق ثورة الياسمين وثورة الغضب، وقلتُ وأعدتُ وكررتُ - وما زلتُ - أقول أنَّ التغيير يجب ألا يرجوه الشارع من المعارضة؛ بل أنَّ القضية عكسية تماماً؛ إذا قاد الشارع التغيير فسيتم عزل المعارضة، وفضحها، أمام الناس والتاريخ؛ ليضمحل تاريخها الطويل،والمقرف، والمقزز، أمام عنفوان الثورة والتغيير؛ وسيبقى أمامها أحدى خيارين؛ إما الإنضوآء، وأما الإنطواء وخيار الإنضواء يعني: الدخول تحت مظلة القيادات الجديدة المفروزة من الحدث الثوري، والفعل التغييري، والقبول بتفوقه على الجميع، ومِنْ ثمتَّ البحث عن مرضاته بالإنسياق تحت مظلة المفاهيم الثورية الجديدة، والإعتراف بكل التعريفات التعبيريةالجديدة للتغيير، والرضى بالشروط الإشراقية الجديدة للتحولات في رؤية الإنسان، والحياة، والعالم من مدارات أخرى ومناظير مختلفة واعية لمجرياته في اللعبة الجديدة. والخيار الآخر هو الإنطواء على النفس للمراجعة والتأنيب والترتيب للدخول في حكايا التاريخ كحدث كان في الواقع فانطوى في ركن حزين نادم في أحدى صفحات كتاب التاريخ لِيُقْرَأَ في الكتاب على أنه من أسباب أنهيار الدول؛ حين تتحول المعارضة إلى شيء غريب في جسد الأمة، وكيان مشَوَّهٍ في فكر الشعوب. ولعلَّي لا أدعي لو زعمتُ أنَّ الحراك - لولا الدعوة إلى الإنفصال - لكانت هي أول هذه الثورات ولكُنَّا سميناها ثورة الكاذي اليافعي أو ثورة الفل اللحجي أو ثورة الشُّقر العوذلي.

كما أنَّ الثورة في الشارعين التونسي، والمصري على الأخص، أعاد طرح نقطتين هامتين. القضية الأولى؛ هي قضية الفروق القائمة بين مصطلح كلمة ( الثورة )، وبقية المصطلحات التي قد تشتبه معها مثل ( مظاهرات )، و ( احتجاجات )، و( انتفاضات)، وما شابه تلك الكلمات. الثورة هي دعوة لتغيير نظام كامل، بكل أذرعه الأخطبوطية وسمومه العنكبوتية. ما عداها؛ فهي مسألة مطالبة بإصلاحات في ظل نظام. وعليه؛ فإنَّ مطالبنا- كيمنيين - يجب أنْ تنحى المنحى الثوري؛ كالثورة المصرية والتونسية؛ وأنْ لا نضيع الوقت، والجهد في مسألة إصلاحات في ظل نظام فاسد. فاقد الشيء لا يعطيه. مبدأ بسيط وقضية منطقية بسيطة؛ أنْ واحد زائد واحد يساوي إثنين. انتهى. ولهذا قلت في مكان ما أنَّ نظام علي لا يمكن أنْ يقوم بإصلاحات لأنَّهُ بالأساس نظام غير مُصلَح. فكيف ننتظر من مُعطَّلٍ أنْ يصلح مُعطَّلاً.

والقضية الثانية التي طرحتها الثورتان هي أنَّ الشرعية الشعبية فوق الشرعية الدستورية ابتنآءاً على قاعدة أنَّ الشعب أو الأمة هي مصدر كل السُّلُطات. وبالتالي يكون خروج الشارع بالكيفية التونسية والمصرية تعني في النهاية إستفتآءاً عاماً، ونزيهاً، غير مُزورٍ، والتي تحمل في النهاية معنى واحداً لا ثاني له ؛ وهو عدم شرعية النظام، وسقوطه.

وأما مسألة تعديل الدستور فتلك قضية لطيفة. وفيها شيء مِن الأناقة واللباقة واللياقة.
الدستور هو أصول مجموعة القوانين التي تبتني عليها جميع القوانين الأخرى. والدستور لا يكتبه ويؤسسه برلمان - ولا يكذبنَّ عليكم أحدٌ - بل قضاة في الفقه الدستوري، سواء عن طريق مجلس دستوري أعلى، أو محكمة دستورية عليا. وكلاهما بحمدالله غير موجودَين. إلا أننا لا نُعدم القضاة في الفقه والفكر القانوني الدستوري فالكل يعرف أنْ لدينا- كيمنيين - الكفاءآت، كما أنَّ الإستعانة بالمُشرِّعين العرب وقضاة الفقه الدستوري، سهل للغاية ولن تقصر الدول العربية في ذلك.
إذن فعلى الحاكم، حين تقوم الثورة فتلغي شرعية النظام بكل لواحقه من مجالس شعب وشورى ومجالس محلية مشكوك بنزاهة أنتخابها؛ ألا يتعذر، أو يتحجج بإنَّ الدستور لا يمكن تعديله إلا من خلال المجلسين. ومسألة كتابة أو تعديلات الدستور، قضية حِرَفِية لا يقوم بها إلا قاضً مجيد، أو فقيه دستوري متمكن، وليس الراعي وبقية الجعانن في مجلس الدَّواب، إلا مَن رحم ربك من بعض أعضاء البرلمان الذين يدخلون في خانة بني آدم.

ولعلَّ مِنْ أهم الإفرازات التي حققتها هذه الثورة العربية الجديدة، هو أنَّ نقاءها يأتي مِنْ القيادات الشبابية، والدماء الصافية الجديدة. كل شيء جديد في هذه الثورة العربية الجديدة؛ بل أنَّ أجمل وأعظم وأروع وأجَلِّ ما فيها هو قياداتها الشَّابَّة.

ولقد أثبتَ شباب الفيس بوك قدرتهم على الريادة، والقيادة في إحداث التغيير، وإقتياد الشارع تجاه الحدث. وما يؤكد ذاك هو إزدياد عدد المتظاهرين كل يوم - رأسياً وأُفقي. بعكس ماكان الناس يتندرون عليهم ويسخرون منهم؛ مِنْ أنهم شباب ليس لديه ما يفعل. فإذا بالثورة تأتي على أيديهم خضراء كالعشب الندي...! فسبحان الله ما أجملها مِنْ ثورة فتيةٍ بشمسٍ شابَّةٍ!.. وإذا أراد الله بأمةٍ حبَّاً وخيراً وهب لها شباباً كأؤلئك. فهل أنت أيها الشاب اليمني مِن عيار أؤلئك الشباب اللذين حلموا بالشموس، فحملوا أرواحهم على الأكف، كأروع ما تكون التضحية والشهادة في لقاء مع الفجر وموعدٍ مع الشمس هناك عند خط الأفق ؟

وحين وصلني فانتشر الخبر عن أنَّ علي يريد أنْ يتحدث مع مجلسيه؛ أيقنتُ أنَّ الفيس بوك بدأ يزحزحه بشكلٍ أو بآخر. وحين سمعت الخطاب عرفتُ الفرق تماماً بين مَنْ يحصل على جائزة نوبل للسلام، وبين مَنْ يحصل على جائزة رَوفَل للكلام!..
سبحان الله والحمدلله وشكراً للفيس بوك وتويتر وجوجل ويوتيوب والجزيرة كيف تسببوا في إسهال مثير وعجيب من الخطابات والشروع المتأخر والكاذب في سيل من الإصلاحات عند البهلوانات والأراجوزات المحنطة في القصور العربية في عواصمنا!

سيادة الرئيس..
لم يعد سرَّ يخفى على الصغير والكبير، فدعني أقول لك ..
أين شواهد حسن النوايا التي ذكرتها لك وبرهانها؟ هذا هو ما يجب أنْ تقدمه كأحدى الضمانات للشارع، قبل أنْ يزلزل الأرض من تحت قدميك. وما المظاهرات - وإنْ بدت عادية- التي خرجت، إلا أذن الجمل! أما الجمل فإنك لم تَرَهُ بعد.
لقد شدَّني حقيقة ما رأيت في الثالث من فبراير بكل المقاييس؛ مما جعلني أستمر في رهاناتي أنَّ الشعب اليمني قادر على الريادة والقيادة للثورة القادمة من أجل التغيير والتحوُّل بنفس الأسلحة التي يمتلكها؛ المظاهرات، والإعتصامات، والإضرابات السلمية. والدرس المصري بما فيه من تفاصيل ناصحة، وناضجة، وواضحة، يكفي لأنجاح أي ثورة ليس في اليمن فحسب؛ بل في أي مكان في العالم. فلسفة جديدة للثورة. ويا ويل الحكام العرب من الفيس بوك، وقناة الجزيرة!!..

السيد الرئيس بكل صدق أقول لك..
لم يستطع بن علي أنْ يفعل شيئاً؛ فترك البلاد كهارب من غضب الشارع. وحسني - وما أدراك ما حسني - بكل ما تعرفه عن حسني؛ من استحواذه على كل مفاصل القوة، والجبروت في البلاد؛ من مخابرات، وجيش، وإعلام، وجيش آخر من الفاسدين، والباطنية المبلطَجَة، لم يستطع أنْ يهزم الفيس بوك، والجزيرة، والشارع الذي فضحه في المستوى الرسمي والشخصي. وأنت تعرف تماماً أنك أقل بدرجات كبيرة منهما، وأجهزتهما، فما عليك إلا أنْ تفهم كما فهم بن علي؛ لا كما يتحدى حسني الحقائق، والتاريخ، والشارع، والجزيرة، والفيس بوك.

زمن المبادرة الآن وفي هذا الوقت بالذات هو اللعب في الوقت الضائع بعينه؛ ووضوح المناورة التي تحاول أنْ تلعبها جلي؛ لم يبقَ إلا المغادرة بكرامة أخي الرئيس!
" أتى أَمْرُ اللهِ فَلَاْ تَسْتَعْجِلُوْهُ "

وسامحونا.
خاطرة بقلم...
عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان
فرچينيا - الولايات المتحدة الأمريكية.

زر الذهاب إلى الأعلى