آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

كلفة ثورة التغيير ليست أغلى من اليمن وتاريخك

لا أحد في اليمن يستطيع القفز فوق تداعيات ثورتي تونس ومصر، وإنكار انتشار رياحهما الحاملة للتغيير من خلال الفوضى والدّمار والخراب على الخارطة العربية المثخنة بالاستبداد والقمع والفساد والاستئثار بمقدرات الدّول والشعوب من قبل "القطط السمان" وتغول الفساد السياسي والاقتصادي.

ولا أحد في اليمن يستطيع أن يُنكر أن رياح الثورتين التونسية والمصرية هي رياح تغيير بالثورة غير المنظمة المفضية إلى الفوضى الهدامة والتدمير وشعاراتهما "اقتلاع الحاكم ونظامه"، ولا أحد لديه قليل من العقل والحكمة يستطيع المجازفة بالقول إن ما حدث في تونس وما يحدث حالياً في مصر يمكن استنساخه في اليمن؛ لأن لكل بلد وشعب ظروفه، فإذا كانت ثورة تونس أقلّ تدميراً وخراباً ودموية فإن ثورة مصر لاختلاف الظروف وطبيعة النظام السياسي وقادته الممسكين بتلابيب السلطة وغياب المشروع البرنامجي للثورة كانت أكثر خراباً ودماراً ودموية.

ومنطق اقتلاع الحاكم ونظامه، وبعد ذلك الطوفان في نموذج ثورتي تونس ومصر، منطق أعوج لا يستقيم، والحالمون المستسهلون لتطبيق هذا المنطق في اليمن هم متعطشون للخراب والفوضى يحكمهم منطق الانتقام من الحاكم والنظام والبلاد والعباد وفي المقدّمة من أنفسهم لأنهم جزء من هذا البلد وهذا المنطق سيدخل اليمن باب "الصوملة أو الأفغنة أو العرقنة" ، ولنا أن نتخيّل سيناريوهات الخراب والدمار التي ستكون أفظع مما نتصوّر.

وقد كتب وأسهب الكثيرون في الفرق بين تونس ومصر واليمن، وخلصوا إلى أن اليمن ليست تونس ولا مصر، وإن كانت أسباب الثورات المُراد القيام بها واحدة في كل مربّعات الخارطة العربية، فإن أساليب القيام بها تختلف من دولة إلى أخرى تبعاً لطبيعة الأنظمة السياسية والتركيبة السكانية والجغرافية وطبيعة المشكلات والأزمات وتنظيم الجيوش، وأخيراً طبيعة الممسكين بتلابيب السلطة ومفاصلها.

والأمر ليس تخويفاً أو ترهيباً، ولأي عاقل أو متهور أن يتخيّل سيناريوهات الفوضى والخراب في اليمن، فلا أحد في البلاد سيكون قادراً إذا تفجّرت الفوضى وساد الخراب الإمساك بالشارع أو قيادته لارتفاع منسوب الاحتقان ولطبيعة أزمات ومشاكل اليمن من شمال الشمال حتى أقصى منطقة في الجنوب، وبدون إيراد التفاصيل فكلنا يعرفها.

إذن دعونا نستفيد من ثورتي تونس ومصر في القيام بثورة تغيير منظّمة ومبرمجة لتجنيب اليمن ويلات الفوضى والتدمير، ونرى أن فخامة الرئيس علي عبد الله صالح قد بادر بخُطوة استباقية ذكية واستطاع نزع فتيل ثورة الفوضى والتدمير بتقديم مبادرته الذكية "لا للتوريث..

لا للتمديد أو التأبيد.. نعم للتوافق الوطني والتغيير بالانتخابات"، وهي في تصوري بداية ثورة التغيير والإصلاح الحقيقية المنظمة وفخامة الرئيس ليس بحاجة لمدح أو ثناء أو إشادة، فتاريخه يشهد له بأنه استجاب في مراحل عصيبة مرّت بها اليمن بأزمات كثيرة -ليس هنا المجال لسردها- وجنّب البلاد والعباد كوارث ومصائب كثيرة، وها هو اليوم يستجيب لثورة التغيير والإصلاح من خلال مبادرته الذكية وهو يتبعها يومياً وسيتبعها لاحقاٌ بإجراءات جادة وكل يوم نسمع ونشاهد جديداً وسنسمع وسنشاهد الجديد، فلماذا كل ذلك الجُحود من قبل البعض في حق الرجل.

أيها العقلاء في اليمن سلطة ومُعارضة ومستقلين دعونا نقوم بثورة تغيير يقودها الحاكم وكل المخلصين في السلطة والمعارضة من الآن حتى 2013، موعد انتهاء الفترة الرئاسية، وهي ثورة تغيير تحتاج إلى همم عالية وإرادة سياسة قويّة وتتطلب الوقوف مع فخامة الرئيس ودعمه وتشجيعه من قبل كل المُخلصين في السلطة والمُعارضة والمستقلين والمثقفين وحتى من المقهورين والفقراء والمظلومين والعاطلين عن العمل؛ لأن مصلحة الجميع في اليمن في ثورة تغيير منظّمة ومبرمجة وليس ثورة الفوضى والتدمير التي شعارها "اقتلاع الحاكم ونظامه" وبعد ذلك الطوفان.

فالآن، الآن، يا فخامة الرئيس لقد حان وقت ثورة التغيير والإصلاح، وقد بدأت بذلك بإعلان مبادرتك فواصل خُطاك واستقطب كل المُخلصين لليمن ولا تستمع "للمُرجفين في المدينة" سواء كانوا في السلطة أو المعارضة، فثورة التغيير والإصلاح لا تصنعها ولا تنفّذها الأيادي المرتعشة، وكما استعنت برجال ونساء اليمن في مراحل الحوار أيام زمان ولملمت أشلاء البلاد المبعثرة بوقت قصير، وأعدت تحقيق الوحدة المباركة، ودافعت عنها، ومعك كل المُخلصين والشرفاء من أبناء اليمن..

فكُن يا فخامة الرئيس اليوم أكثر ثقة أن أغلبية أبناء اليمن سيكونون معك وأنت تقود ثورة التغيير والإصلاح، أما من هم مصرون على منطق اقتلاع الحاكم ونظامه من خلال الفوضى والتدمير فإن شعبنا الأبي المكافح الذي جرّب الاحتراب والفوضى واكتوى بنيرانها سيرفض مشروعهم التدميري والأيام بيننا. المهم أن تواصل مشوارك في قيادة ثورة تغيير وإصلاح حقيقية مهما بلغت كلفة هذه الثورة، فلن تكون هذه الكلفة أغلى من اليمن وتاريخك.

زر الذهاب إلى الأعلى