آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الالتقاء في المنتصف

لا ينبغي أن نعطي المخاض الدائر في اليمن أكبر من حجمه، ويتعين علينا تهدئة الروع عن طريق وضع البرواز المناسب للصورة اليمنية الراهنة وقراءتها كما هي دون مؤثرات صوتية..

فالمشهد اليمني يحتوي على النصاب المطلوب لمقومات النجاح الفعلي لمطالب التغيير والانتقال الآمن للسلطة.. فكلا الطرفين في بلادنا متفقان على أكثر من 70% من النقاط الجوهرية والخلاف المتبقي هو على أمور فنية بحتة..

والطرفان، الرئيس ومؤيدوه من جهة، وشباب التغيير وقوى المعارضة والمنضمون إليهم من جهة أخرى.. كلاهما توصل إلى قناعة نقل السلطة من الرئيس علي عبدالله صالح قبل انتهاء فترته الدستورية في 2013، وتشكيل حكومة انتقالية تعمل على إعداد دستور جديد يتطور فيه نظام الحكم من رئاسي إلى برلماني وتهيئ لانتخابات رئاسية وبرلمانية متكافئة الفرص، يتنافس فيها الأحزاب والمستقلون ويقوم الفائز بعدها بتشكيل الحكومة وإدارة البلاد حتى مجيء انتخابات تالية.. وهكذا دواليك. بحيث ينتقل اليمن إلى وضع يمكن للسائح أن يزور البلد ويغادرها دون أن يشعر أن الرئيس تغير، وبحيث لا تتكرر مستقبلاً حالة القلق الراهن بسبب انتقال السلطة وتغدو السياسة دافعاً لعملية التنمية، وليس عائقاً أمامها.

وما يجدر التذكير به أن نقل الحكم من رئاسي إلى برلماني يعد انجازاً فاصلاً ينضاف إلى الثورة والوحدة، إذ في ظل النظام البرلماني يقل التصارع على موقع الرجل الأول كما تتضاءل بواعث التشبت بهذا المنصب، وهو ما يوفر إمكانيات كبيرة كانت تهدر بسبب مركزية الكرسي وواحديته في الفعل، وكذلك في ظل النظام البرلماني تختفي ظاهرة التعيين على أساس الولاء ويعود الاعتبار لذوي الكفاءات والقدرات.. وبتتالي الدورات التنافسية يحصل أكبر قدر من المتطلعين للحكم على فرصة فيه، وبالتالي نكون حللنا مشكلة السياسة في اليمن، وأفسحنا المجال أمام النماء والتقدم وصولاً إلى مرحلة الإنجاز والاعتداد الوطني والقيام بدور إقليمي يليق بمكانة وحجم البلد.

فلنعد الآن لأول الموضوع حيث ذكرنا أن نقاط الخلاف المتبقية هي مسائل فنية وبعضها أخلاقي إلى حد ما، من ذلك، كما أسلفنا في العدد الماضي، ضمان مكانة الرئيس التاريخية كقائد للوحدة والديمقراطية، وكذا وجود الضمانات الواقعية لمناصب تخص بعض أقاربه، وهذه الأمور برأيي ينبغي أن يكون الاتفاق حولها واضحاً وصادقاً، وألا يدخل فيها العناد الشخصي والمكابرة.. لأن اليمن الجديد يجب أن يتسع لكل أبنائه، ولابد من إثبات حسن النوايا إزاء ذلك.

اليوم، في تقديري، أنه من الأجدى لليمنيين جميعاً أنصار صالح ومعارضوه على السواء أن يهيئوا رئاتهم لنسائم العهد الجديد.. وأن يتوقف الطرف المعارض عن المضي في التأجيج والتأليب لأنهم فعلاً نجحوا في الفترة السابقة في هذا المجال، وانتقلت الأمور الآن لطور يحتاج إلى البرامج والتصورات ومد جسور التواصل والسعي الحثيث لتقريب الرؤى وزرع الثقة، وعليهم أن ينظروا لإخوانهم المؤيدين لصالح بعين الإخاء والإقبال والاحترام البالغ والتوقف عن وصف من يحضرون مهرجانات بالمأجورين والمرتزقة، لأن مثل هذه اللغة توغر الصدور وتقود إلى التطرف في المواقف من جديد.

في المقابل، من اللازم على طواقم الرئيس الانتقال، هي الأخرى، لطور البرامج والتصورات ومد جسور التواصل وزرع الثقة، والتوقف عن تكنولوجيا المخاوف والشائعات، وكذا النظر بعين الأخوة الوطنية لإخوانهم المرابطين في ساحات التغيير، والكف عن وصفهم بالعملاء والمخربين والمغرر بهم.

وشخصياً مثلما أقدم شكري للشباب المرابط في ساحات التغيير على صمودهم مترحماً على الأرواح الزكية التي قدمت قرباناً للمستقبل الجديد.. مثلما أشكر أيضاً مناصري ومؤيدي الرئيس علي عبدالله صالح، الذين رسموا لوحة من الوفاء وأعادوا شوكة التوازن إلى مكانها الصحيح. وقد يكون لهؤلاء الفضل الحقيقي في اتخاذ الرئيس خطوات أسرع باتجاه النقل الآمن للسلطة، لأنه اطمأن أن هذا الشعب لن يتنكر لعقود من "العيش والملح" معه خلال مسيرة سريعة الإيقاع أصاب فيها الرجل وأخطأ.

إذن، عند النظر الهادئ للصورة اليمنية الراهنة يتبين حقاً مشهد يمني جميل في مختلف أطيافه وبكافة ضفافه، وعلى الجميع تقع مسؤولية فاصلة في حماية هذا المنعطف من هجمات المغامرين والمقامرين.

وأخيراً.. التصور الذي تقدمت به أحزاب اللقاء المشترك، السبت، يستحق الإشادة ويبشر بخير.. وفي تقديري أن إعداد الدستور المشرِّع لنظام برلماني تتقلص فيه صلاحيات الرئيس إلى حدود غير خطرة، هو أمر يسهل إنجازه على يد رئيس مستعد للمغادرة بنسبة أكبر مما لوكان برعاية أشخاص يحلم بعضهم بالوصول إلى هذا المنصب، وبالتالي يحرصون على بقاء صلاحيات أوسع.

زر الذهاب إلى الأعلى