سؤال يطرح نفسه ويتردد على أفواه الكثير من السياسيين, والمفكرين, والصحفيين و الكتاب , بل كل أبناء اليمن! وهو ما هي هوية الدولة اليمنية التي يتطلع أليها أبناء الشعب اليمني بعد رحيل الرئيس صالح.
سمعنا إجابات كثيرة و متعددة , ومن أهم هذه ألإجابات. هي نريد دولة مدنية يحكم فيها الشعب نفسهُ بنفسِه .
هذا ما يُريدهُ الشعب اليمني. دولة مدنية قائمة على المواطنة الحقيقية التي يتساوى فيها كل أفراد المجتمع دون تميز بينهما تميزاً عنصرياً أو قبلياً أو طائفياً.
إذا ما هي هوية الدولة اليمنية القادمة ؟ وهل هي دولة مدنية تسمح بجميع متطلبات الدولة المدنية المعاصرة, التي تُبناء على أساس الديمقراطية في الحكم وإرجاع السلطة للشعب وإطلاق الحريات المختلفة وقبول الآخر. أم ستقوم بالإقصاء و تهميش الأخر.
ليمكن لأي دولة أن تكون أدارتها ناجحة وقوية و فعالة مالم تكن دولة مدنية متحضرة قائمة في مجتمع مدني متحضر له مبادئ سياسية, واجتماعية, واقتصادية, تحكمها قوانين ثابتة تفصل بين السلطات الثلاث وهي " السلطة التشريعية " السلطة التنفيذية " السلطة القضائية " بحيث يصبح لكل سلطة اختصاصات محدودة لا يمكن الخروج عليها أو التدخل في اختصاصات السلطات الأخرى عملا بالقاعدة التي تقول " السلطة تحد السلطة".
- مفهوم الدولة المدنية
هي دولة المواطنة القائمة على أساس قاعدة الفصل بين السلطات الثلاث, و تأسيس المجتمع المدني بحيث يستطيع الشعب أن يحكم نفسه من خلال أشراك كل أطياف المجتمع في الحكم تحت ظل مواطنة متساوية .
والدولة المدنية عكس الدولة (العشائرية ) القبلية, وقد تطور المفهوم السياسي للدولة المدنية لتكون دولة الحقوق المتساوية لكافة مواطنيها بعكس الدولة العسكرية والدينية , بحيث يكون لرجال السياسة وضع خاص ولرجال الدين مكانه عُليا فوق رجال السياسة. لان هاتان القوتان هن القوتان القادرتان على تسيير الناس.
- مقومات الدولة المدنية :-
1- وجود الدستور الذي يضمن لكل ذي حقا حقه وهو أساس الدولة المدنية. ويقوم القانون الدستوري بصفة عامة بتنظيم العلاقة بين الحاكم و المحكوم أو بمعنى آخر ينظم تكوين السلطات العامة وتحديد اختصاصاتها والعلاقة بينها وتحديد حقوق وحريات الأفراد في مواجهة السلطة العامة.( جوريسبيديا)
وبناء على ذلك تعد قواعد القانون الدستوري بمثابة القواعد القانونية الرئيسية أو الأساسية في الدولة نظرا لأنها توجد على قمة الهرم القانوني بالدولة وتستمد منها القواعد الأخرى شرعيتها وصحتها : أي أن الأعمال الإدارية ( اللوائح والقرارات الفردية والأعمال الإدارية المختلفة) لا تكون شرعية وسليمة إلا إذا كانت مطابقة للقوانين والدستور ؛ والقوانين بدورها لا تعد شرعية وسليمة إلا إذا كانت مطابقة للقواعد الدستورية . (جوريسبيديا)
ودراسة القانون الدستوري لا تؤدي إلى نتائج قانونية أو تكون لها أهمية أو فائدة إلا في نطاق الدولة القانونية : أي تلك الدولة التي يخضع فيها كل من الحاكم والمحكوم للقانون وذلك أيا كان شكل الدولة أو نظام الحكم فيها. وذلك لأن القانون الدستوري هو الذي يحدد السلطات العامة في الدولة واختصاص كل منها ( وترتيبا على ذلك حدود كل منها ) وعلاقة كل منها بالأخرى وأخيرا حقوق وحريات المواطنين أمام الحاكم، فإذا كان هذا هو المقصود, فإن قواعد القانون الدستوري من هذا المنطلق تعد القواعد الأساسية في كل دولة معاصرة، كما تعتبر من باب أولى ومنطقيا ,انعكاسا لمجموعة العوامل الثقافية والاقتصادية والسياسية والدينية وتعبيرا عن العلاقات الاجتماعية السائدة بين الحاكم والمحكوم وتعد صدى للظروف البيئية والمناخية السائدة في دولة ما. (جوريسبيديا)
لأن القانون الدستوري بطبيعته يعد انعكاسا لحاجات الدولة والفرد في داخل المجتمع المنظم, في شكل دولة في الوقت الراهن. وبما أن القانون الدستوري يمثل القانون الأساسي في الدولة فهو يمثل في حالة صدوره بطريقة ديمقراطية شرعية ظروف الدولة المطبق فيها ويعد مُلبياً لاحتياجات الأفراد والصالح العام على طرفي السوية في هذه الدولة. (جوريسبيديا)
2- المواطنة التي جوهرها التسامح واحترام الآخر وحصول كل فرد من أفراد المجتمع على كامل حقوقه دون تميز بين الأفراد أو أبناء ألمسئولين أو ألفقراء، بحيث يشعر كل مواطن بالانتماء الوطني في دولة ديمقراطية تتيح الحرية التامة للأحزاب والصحافة والمعارضة في إبداء رأيها مع الالتزام بالحقيقة والمنطق في النقد الذي يخدم مصلحة الوطن. كما قد تعرف على أنها العضويةِ الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوقٍ وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي والموقف الفكري، ويرتب التمتع بالمواطنة سلسلة من الحقوق والواجبات ترتكز على أربع قيم محورية هي: قيمة المساواة, قيمة الحرية, قيمة المشاركة, المسئولية الاجتماعية.
3- تدرج القواعد القانونية في بناء الدولة المدنية, لابد أن يكون هناك قواعد قانونية يحتكم إليها كل أبناء الشعب و لا تميز بين رئيس أو وزير أو مواطن. بل كل أبناء الشعب في درجة واحدة أمام القانون. والتدرج في القواعد القانونية يؤدي إلى وجوب تقييد القاعدة القانونية الدنيا بالقاعدة العليا إذ لا يصح إن تتعارض قاعدة قانونية دنيا مع أخرى تعلوها في مرتبة التدرج حتى لا يحدث خلل في انسجام البناء القانوني للدولة. ومع هذا المفهوم لتدرج القواعد القانونية أو تدرج النظام القانوني في الدولة يتعذر أيضاً تصور وجود الدولة القانونية بدونه، ومن هنا كان تدرج القواعد القانونية أحد مقومات دولة القانون.
4- خضوع السلطة للقانون هو ركن أساسي لقيام الدولة المدنية. فلا بد إن يخضع كل مواطن للقانون مهما كان منصبه السياسي أو الاجتماعي بل لابد أن تخضع كل الدوائر و المؤسسات للمراقبة و المحاسبة القانونية ولا يحق له أن تتصرف وتصدر أي قانون إداري إلا وفق قوانين دستورية ثابتة لا يصح التعدي عليه أو تجاوزها.
5- الديمقراطية . لا بد من وجود حكومة ديمقراطية صحيحة يمارس فيها كل الشعب حرية الرأي و التعبير دون قيود أو معوقات , والديمقراطية هي عملية سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية متكاملة يمارس فيها الشعب كامل حريته و يعرفها يحيى الجمل ((الديمقراطية في جوهرها نظام حكم يعمل في إطار مجتمع توجد فيه سلطة كضرورة لهذا المجتمع و من هنا برزة قضية الديمقراطية لكي تضع هذه السلطة في الإطار الذي يخدم فيه مصلحة المواطنين)).
هذه هي الدولة المدنية التي يتطلع إليها الشعب اليمني بكل مكوناته فهل الثورة الشبابية كفيلة بتحقيقها, أم يوجد هناك عوائق كثيرة تقف أمام تحقيق الدولة المدنية في اليمن. نعم يوجد هناك العديد من المعوقات التي تنفرد بها اليمن مثل وجود المشايخ, الصراعات القبلية, الصراعات المذهبية, الوعي.. الخ. وإن شاء الله سنعمل على دراستها بنوع من التفصيل في مقال أخر.
جامعة الملك سعود - الرياض- السعودية