آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

سلموا أنفسكم لأقرب ساحة للأحرار..!

أوَّلاً ...
سَلِّمُوا أنفسَكُم للسَّاحات !..
وتلكَ هي الحقيقةُ التي يتهربُ منها الكِبارُ والصِّغار، والمعارضة ، وبقايا النِّظام وفُلوله وفئرانه، والمُعَمِّمون والمُبَنْطلون علَى السَّوآء !.. نعم ، تلكَ هي الحقيقةُ التي يهربُ منها الجميعُ ، حين تعدَّى الوضعُ في بلادِنا ، و كبر الموقفُ فوقَ إمكانِ مربعِ المبادرةِ السعودية !.. فالوضعُ لم يَعُدْ بحاجةٍ لمبادرةٍ خارجيةٍ ؛ بل بحاجةٍ إلى حكومةٍ إنتقاليةٍ ، يرتضيها الشَّارعُ الثَّائرُ ، الَّذي تفوَّقَ عَلَى كل السِّياسات المعتَّقة المختفية في الغُرف ، و وراءَ الجُدران ، وهي تُناورُ ، وتُحاولُ ، وتُدَاوِرُ وبامتيازٍ لا خلالَ فيه ، وَقَدْ حازَ الشَّارعُ الثَّائرُ على الشَّرعيةِ الحقيقيةِ التي هُو مصدرُ السُّلُطاتِ فيها ولها أبداً بلا نقاش!

... فالفراغُ الدُّستوري ، والأمني ، والسَّياسي، يحتمُ تدارك الأمر سريعاً ، بتشكيل حكومة إنقاذٍ إنتقالية ، مِنَ الشَّخصيات غيرِ المطعون فيها ، وبنزاهتها ، والمشهور عنها نزاهة الكَّف وبنظافتها مِن الدِّماء. بل أن الأنهيارَ الذي وقعَ فيه النِّظام بعدَ التَّصفيات الدَّاخلية المحضة مِنَ الدَّائِرة الأمنية الأخيرةِ حسبَ أدَّق التحاليل يحتاجُ إلى السُّرعةِ في حَسمِ الوقت ، لِطَيِّ صفحةِ النِّظام القَديم المُتهاوي ، والشُّروع الآنَ في كتابة تاريخ مختلف لهذا الشعب الصَّابر لبناءِ الدَّولة الفِدرالية المدنية ، وبناء دولة القانون ، و دولة الإنسان ، والحياة الكريمة ، و دولة النَظام والعدالة الإجتماعية ، والمواطنة المتساوية ، والتوزيع العادل للثروة والسُّلُطات... الدولة التي يقفُ الجميعُ فيها عندَ إشارةِ المرور الحمراء ! بدلاً من المُماطلة ، والمداولة ، والمداورة ، بحثاً عن الإنتصارات الشَّخصية .. وتصفية الحسابات القديمة..وفواتير الثَّارات السِّياسية.

وعلينا أنْ نتهيأَ لحزمِ الحقائب ، والأمور ، باتجاه تشكيل حكومة إنتقالية ، وجبهة للإنقاذ من تحالفاتٍ جديدةٍ ؛ تفرِضُ واقعاً جديداً ، وتسحبُ الأوراق َ ، والكروتَ القديمة من الطاولة التي بلغ عمرها خمسين عاماً ، لَتضَعَ عليها أوراقاً وكروتاً جديدة ، تفرِض على اللاعبين الجُدد، تحالفاتٍ جديدةً ، ولعبةً جديدةً ، لها قواعدها المختلفة والجديدة ، والتي يجب على الملتفِّين على الطاولة القبول بها حفاظاً على ما تبقى !

وثَانِياً..
مَفعُولٌ بهِ مَجْرور!
ولستُ أدري ماذا أقول... والبلادُ في حالة فراغ دستوري كامل ، وإنْ كان نائب الرئيس غير آمن في بيته؟! والمعارضة تطالب، وبقوة ، بتشكيل حكومة إنتقالية ، إذا كانت هي لا تستطيع أنْ تقومَ بتشكيل حكومة إنتقالية تحتَ مبرر فِقْهِ الضرورة؛ فلتُعْلِنها بشجاعة. ولتعترف بالضَّعف وتقادُم سنِّها السِّياسي. وشيوختها التَّفاوُضية .

وإذا كانَ النِّظامُ قد سقط َ، وانْهَارَ ، ببذاءةٍ لا يتحملها البشر حين جنَّ جنونُهُ ، وأصابَهُ الذُّهول ، حين إنتصرَ الشَّيخٌ والثُّوَّارُ - كِلاهما في الدِّفاع عن حُرمة بيته - فراح يقتل الناس في بقاع اليمن كلها ؛ محاولاً إثارةَ مظاهر حربٍ أهليةٍ ، كذريعة خسيسة ، ودنيئة لِاستدرار شرعية استمراره من نظرية نيرون في روما ، ومن الفكر البلطجي الذي عاش به وعليه ( أنا أو الحرب الأهلية ) ، التي سقطت رهاناتُها ، وكشفت بقيةَ عوراتِهِ في العالم والدَّنيا كلها ؛ حتى استحيَيْنَا ، واستحى العالم كله ، ولمَّا يستحِ ... فَما عَلَى الثُّوَّارُ إِلا القيام بِاستباق إعلان حُكُومة إنتقالية لِخلطِ الأوراقِ كلها! .. نصيحة مِنْ حِزْبِ البِسباس.
أمَّا أنْ تبقَ الأحزابُ مفعولاً به مجرور ، حتى عندما سقطَ النَّظام ... فتلكَ هي المأسآة... عسى أنْ يمنحَها سِيْبَوَيه فَتْحَةً وَنَصْبَا ، ينصب قاماتِها شيئاً قليلاً لعلَّها ترى أَفْضل وأبعد وَأوضح التي خضعت كثيراً في فترة ما بعد المبادرة السعودية!
اللَّهُمَّ آمين.
ولم يَعُدْ هناك مجال للمُصَالحة مع نظامٍ أهدرَ الدِّماءَ ، وهتكَ حرماتِ البيوت ، وعِرضَ الأرض ، وثروتَها ، على نحوٍ بلطجيٍّ لا يشبهه فيه نظامٌ أَلْبَتَة ، يتَّسِقُ وأخلاقَه التي تشَرَّبتِ الرَّذيلةََ ، والقذارةّ ، والحقارةَ ، والدَّناءةَ ، والكُرْهَ ، والبغضَ ، حين راحَ يسفك الدِّماء ، ويقتلُ النفسَ التي حرَّمَ اللهُ ، ورسولُهُ ، إلَّا بالحقِّ التي قررتهُ شِرعَةُ الله ومنهاجُه.
ولا مجالَ لمُبادراتٍ تعطي المظلوم سيفاً خشبياً ، وتمنح الظالم أمَدَاً في حياته ليزيدَ فساداً على فسادٍ ، وبسيفٍ مِنْ ذَهَبٍ !
إرفعوا أيديكم عن اليمن ، وشعب اليمن ، فلقد كَبُرَ النَّاس فِي أَرضِي خمسين عاماً ولمَّا تكبروا... وما زِلْتُم في السِّتينات تقتاتون على وصايا الأجداد ، منذ عشرينات القرن الماضي .... فارْجِعِيْ الصَّحرَاءَ يا ريحُ إنِّ الناسَ في أرضي ثارتْ مظالمُهم قضاءاً مِنَ الله ... ولا رادَّ لقضاءِ الله. فإنَّ إرادةَ اللهِ مع إرادات الشُّعوب ، وقوة الثَّائرين مِن قوة الله !..

الضِّحكُ على الدُّقون ، وَفِقْهُ الضَّرورة...!
وأضحكُ كثيراً حينَ يظهرُ فسادُ قراءةِ التَّاريخ ، وإسقاطِهِ على الواقع ، حين يتحدثُ علماء السلطان وفُقَهآءُ القُصُور ، عن عدم جواز الخروج على ولي الأمر مالم يصدر منه كفراً بواحاً... أتعجب وأسأل:
وهل أكثرُ كفراً بواحاً من الفاقة والفقر الذي أغدق به هذا النظام شعبَه إيُّما إغداق. وَالفاقةُ بِعَيْنِها كُفْرٌ ..( كادتِ الفَاقةُ أنْ تكونَ كُفراً )!؟ وهل أكثرُ كفراً بواحاً من سرقةِ مالِ الأمة ، بدون رادع أو مانع. ( واللهِ لو منعوني عقالاً لانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه )!؟.. وهل أكثرُ كفراً بواحاً من قتل النفس التي حرم الله!..( مازالَ المرءُ في فُسحةٍ مِن دينه مالم يصب دماً محرما )!؟ وهل أكثر كفراً بواحاً من نشر وتشجيع الفساد ، والوساطة ، والرشوة ،والمحسوبية ، وتشريع الدَّعارة بالسِّياحة ، وبالزواج السِّياحي.
... إنَّ فِقْهَ الضَّرورة يقررُ ، والحالةُ تلك ، أنَّ الثَّورةَ والخُروجَ على وُلَاةِ الأمر الفَسَدَة والمُفْسِدِيْن ، فعلٌ إنسانيٌّ ، وطبيعيٌّ ، وفرضُ عينٍ - حتى على مَنْ قامَ مقامَ عبدالله ابن أم مكتوم صاحب ( عَبَسَ ) كما فعل في القادسية - لمواجهة وُلَاةِ الأمر كهؤلآء اللَّذين في بِلادنا - اللذين طغى فسادهم في البر والبحر، وفوقَ العباد والبلاد ، حتى غضبت الملائكةُ في السماء - وتغيير تلك الظروف ، وهدم ذلك الواقع ، وبناء نظام جديد ؛ تصبح من الضَّرورة من الدِّينِ والشَّرع بمكان وأهمية قصوى ؛ إذ لا مبررَ أخلاقي ، أو قانوني ، أو شرعي كانَ لِيُبْقِيَ أُسرةً ، وعصابةً على ظهور شعبٍ بكاملة ... لنقولَ للنَّاسِ :" لا تخرجوا على ولي الأمر وحكومته الفاسدة... " ونقول للشعب :" دعوهم يركبونكم كالحُمُر الأهلية ، ودعُوهم يسرقون ثرواتكم لتعيشوا فقراء ولكمُ الجَنَّةُ ، وأصبروا ؛ فهؤلآء وُلاةُ أموركم والجَنَّة تحتَ أقدامِهم ونِعَالِهم ؛ ولو كانوا فاسدين مفسدين !..."
ما جاءَ الثَّائرُ مُحَمَّدٌ النَّبي ، والرَّسول ، والقائد ، والإنسان ، بشيءٍ من هذا في رسالته الخالدة يا فُقهاء السُّلطان ، ويا علماء القُصُور بمعنييها !...

و زِدْ عليه أنَّ الثوارَ أعلنوا حالةَ رفضٍ ، واضحة ، ولم يحملوا السلاحَ منذ إنطلاقتهم بإعلان حالةِ الرفض المؤدَّبة ، والمؤدِّبة ، وإنما أبدَوا ذلك الرفض بالصدقِ
وبالحب لبلادهم ، ولِغَدِهم ، وغَدِ أبنائهم ، وبالأخلاق ، وبالسلام ، إلا فيما وقع مِن حالةِ الدَّفاع عن النَّفس ، الذي تؤيده القاعدة الشرعية في القرآن الكريم الذي لايأتيهِ الباطلُ إطلاقاً ؛ في المبدأِ الإلهي ، والإنساني على السواء ، وهي الآية التي لا يوجد أكثر وضوحاً منها ، في إثباتِ حالةِ الدَّفاع ، إلا عندَ مُبطِلٍ ، أو جاهل ٍ ...( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسِّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ) !
والقاعدةُ الفقهية تقول ( الضَّررُ يُزال )!.. وَبَقِيَ شيءٌ سَيُزالُ عَمَّا قريب إِنْ شَآءَ اللهُ. ثم يأتي جاهلٌ أخرق ليسألَ.. ( لماذا خرج الشعب!؟ ولماذا قامت الثورة ).
سؤالٌ تأخَّرَ السائلُ في سؤآله.

اللَّهُمَّ لا شَماتة.
أمَّا إذا تحدَّثَ المرءُ ، وهو يرى الفراغ الدُّستوري ، والأمني ، والإقتصادي ، فيعرف أنَّ هذا النظام لم يبقَ منهُ إلَّا كما يبقى مِنَ الوَزَغَةِ بعد قصفها ... ذيلُها تضربُ به يميناً ، وشمالاً علَى عَبدالرَّحمن إبن الأشعث لتشتيت الإنتباه ، وتزييف البصر!..

فَراغٌ دُستوريٌّ كَامِل يكشفُ كَيفَ كانَ هذا النِّظامُ الدَّعِي ، ضَعيفاً ، هَزِيلاً ، صَلِفاً ، ومُعتمِداً في ديمُومتهِ ، وبقائِهِ عَلَى الفِكرِ البَلَطَجي الَّذِي كان فِي النِّهاية سَبباً في الثوَّرة ، وسَببَاً مُبَاشِراً في انهيارهِ بهذِه السُّهُولة ؛ فاضِحَاً كلَّ عَورَةٍ فيه ... فَلا رئيسَ ، ولا رئيس وزراء ، ولا رئيس برلمان ، وَلا بَرلَمان ، ولا رئيس مجلس شورى ، ولا حكومة. و (أحمد الأَبْن) على تعبير مُقْبِل علي بالقصر ، يحلم ، ويقتل ... وإبن منصور في بيته لا يحكم إلا حوش داره. حتى لم يبقَ من هذا النِّظام شيءٌ مُقَزِزٌ عدا عبدُه الجَنَدِي ، وطارق الشَّامي ، والمساوي. ومِن مثل ذلك النِّظام الذي إعتمد الفكر البلطجي ، وسياسةَ الرَّاقِصة والطَّبَّال ، تظهر تلك الظَّواهر الغريبة والمقززة مِن أمثالِ أؤلِئكَ التي لا يتقبلها العقلُ ،والمنطقُ ،والدِّين ،وسلوك الأسويآء وَأخلاق الأتقيآء !. فهوَ نظامٌ سُوقيٌّ لا يُوظِّفُ إِلَّا السَّوَقَة ، وَشُذَّاذ الأفآق مِنْ كُلِّ مُرتشٍ مهووسٍ ، وَسَحَّابِ كَبِيْرَةٍ.
أما المُترديةُ والنَّطِيحةُ فَسُكوتٌ مُطبقٌ كأهلِ الكَهفِ ، وسقوطٌ كريهٌ تام!.. فالمعارضةُ التي يُستلزم منها تشكيل مجلس إنتقالي مع الثُّوَّار في السَّاحات ، تُطالبُ بتشكيل مجلس إنتقالي.
مِمَّنْ ؟..
ليس في جيبي إلا الدُّخَان وقَلَمِي ، وفي وجهي ابتسامةٌ سَاخِرةٌ!..

أما الفراغ الإقتصادي والأمني الذي هو فارغٌ أساساً فقد إزداد ضياعاً. حدِّثْ في ذلك ولا حرج!..فلا ماء .. وتعز لوحدها بدون ماء لإثنين وأربعين يوماً. ناهيك عن بقية اليمن. ولا كهرباء.. في حين أنَّ وزير الكهرباء سُئلَ مِن قِبَلِ الأمن القومي.. لماذا أشعل الكهرباء في اليمن كلها بعد موت الرئيس؟!.. أما قلتُ لكم أنَّ الثروة تغرق البلاد، ولكنه النظام الذي استعمرَ شعبَهُ لثلث قرن ليدخله في أنفاق البحث عن اللقمة تسايُراً مع المثل القومي للأنظمة العربية ( جَوِّعْ كلبَكْ يتبعك ).. فإذا به مع تحَوُّل الشعوب إلى يقتظتهم الآدمية ، يتحول المَثَل إلى ( جَوِّعْ شعبك يَنْقَعَكْ ) ...حتى طارت خمسة أنظمة من أنظمة الإستعمار الوطني!... والبقية تأتي!..
ولا غازَ..
ولَا بترول ..
ولا حياة ...
إلا الموت والجثث في الشوارع تشتكي!

أَحْمَدْ الإِبن ..!
ولاشيء َ بَقِيَ للحَالِمِين في القصر ، والقابعين في النَّهدَين ، غير قتل الشَّعب ، وتجويعه ، وتركيعه في رِهَانٍ على حِمَارٍ وَبَغْلٍ خاسرَين أَماَمَ حِصَان الثَّورة في السَّاحَاتِ ، في طول اليمن وعرضها.ومَنْ ظنَّ أنْ يغلبَ شعباً فهو كَمَنْ يمزقُ الشمسَ بسكِّين ؛ وما يزداد النَّاس ُإلَّا وُقُوفاً شَامِخِاً ، وإصراراً عَجِيْباً، وعنفواناً بَهِيَّاً، وقوة مِنْ قُوَّةِ الله. وما يزداد صِغَارُ مَن تبقَّى في القصر إلا صَغَارَاً ، وجُنوناً ، وهسترةً ، وخسارةً ؛ حين تكون النهاية أنْ يركعوا مع مَن نَكَعُوا.. واللَّهم لا تجعلنا من النَّاكعين!.. وَبَيْتُ الظَّالِمِ خَراب وَلَو بعَدَ حِيْن.
واللَّهم لا شماته.
تلك حكمة الله وعدله الذي وصف به نفسه كما ينبغي له أنْ يصف جلالَه ، وهي الحكمةُ الَّتي تقتضي أنْ يرَ المظلومُ نهايةَ ظالمِه ، على مَشَاهِد العَدل الإِلهي في الدُّنيا ؛ ليزدادَ المرءُ إيماناً فوق إيمانٍ ؛ أمَّا حقُّهُ - سُبُحَانه - فَذَاكً أَمرٌ آخر ليسَ فيهِ للعبدِ المظلوم شيءٌ ، والأمرُ يومئذٍ لِلهِ الواحِدِ القهَّار!..
وَحِيَنَ سُئِلَ الإِمام علي كَرَّمَ اللهُ وجهه:
" كَمْ بينَ السَّمآءِ والأرضِ؟"
قالَ:" دَعوةٌ مُستجابةٌ! "

أمَّا المُرَاوَحةُ بين التَّرقيع والتَّلميع والمحاولة في ذلك لفلول وبقايا النظام - إلا من رَحِمَ ر ربُّك والنَّاسُ والشَّعبُ والثُّوَّار - في تجربةٍ فاشلةٍ من البعض من النُّخبِ السياسية في
الدَّاخل والخارج ، ومحاولة بعض اللَّاعبين الأقليميين ، والدَّوليين في فرض ( خريطة ما بعد صالح ) ومحاولة خلط الأوراق ، وإعادة فرز الكروت القديمة وتغيير كراسي اللَّاعبيين بدلاً عن تغيير اللَّاعبيين - كل ذلك أضحى عملية مكشوفة للمواطن العادي ناهيك عن المحترفين ، والسياسيين ، والمَدَنِيين ، والعسكر ، والقَبَائِل ، وَشُيُوخ القَبَائِل..!وَكَمَا يُقال فِيْ المَثَلِ التَّعِزِّي ( بُوْرِيْ الْحَطَبْ مَيَلْصِيْشْ ).

والمشْهَدُ يبدو جلِّياً واضِحاً ، وليسَ زَلِقَاً ، كما تُحاوِلُ تلك القوى والنُّخَبُ تصويرَه والمبالغة في تضخيمة. ولقد يبدو للنَّاظر المتأمل في المشهد المسرحي السخيف ، وشخوصِهِ ، وطريقة حلِّهِ ، وفك رموز المسرحية ، وعقدة الرواية ، التي يجتهد المُخرِج في في حَلِّ شفرتِهِ للمشاهد ، قبل إسدال الستار مؤذِّناً بانتهاء العرض ؛ ليبدأ العرض الثاني ... يبدو للناظر المتأمل ها هنا أنَّا قد عُدْنا إلى مربع المصالحة القَديم ، بين الجمهوريين والملكيين قبل نصف قرن عقب قيام الجمهورية العربية اليمنية وحرب السبعين ، حين تم إقصاء وتسفير الوطنيين ، وحين تم الضَّغط على القوى الوطنية من العسكر والمدنيين بنصف ثورة ونصف جمهورية ، التي عانى الناس والشعب والأرض مِنها إثْرَ ذلك بِمقتل كثير من الرؤساء وأعمدة اليمن شمالاً وجنوباً ، وثلاثة حروب ، فضلاً عن تكوين الجيوب الجَبْهَوِية للشمال في الجنوب ، والجنوب في الشمال ؛ ولَعَلَّ أكثرها سلباً تأثيراً قصة مقتل الشهيد الحمدي وسالم رُبَيِّع علي اللَّذَين مثَّلا أيقونات في مسيرة اليمنيين نحو الأمن والسلام الحقيقي الذي كان سيلحقه قفزاتٌ واسعة ونوعية نحو التقدم والتطور والنماء ... فيما لو كُتِبَ لهما البقاء .. وما أشبَهَ الليلة بالبارحة !
وليسَ آخرَها هذا العبث ، والقتل في الناس ، والأرض مِن قِبَلِ هذه الأُسرة العصابة التي جُنَّ الشَّيطانُ بها ، وقد أعطاها مُداهُ ، وسكاكينه ، والخناجر ؛ لِتُجْهِزَ على
آخر أرماق ثورة سبتمبر وأكتوبر؛ ولتبعثَ رائحةَ الدَّمِ ، حتى بلغتِ السَّماءَ ؛ لينزل الاعتقالَ لتلك النفوس والعقابَ عليها من ثمَّتَ !
وبعد ذلك التفريغ حتى النهاية لباقي معاني الثورتين... وبعد كل هذا الفساد الذي ساد كل ركن في حياة اليمنيين من القصر وحتى أصغر نقطة تفتيش عسكرية التي كانت تنتشر في اليمن كالوباء . كان لا بد من ثورة ثالثة. وذلك قانون ساري في قوانين الوراثة ، كما هو ساري في أطروحة إبن خلدون التاريخية ، في مقدمته المشهورة .

أَعظَمُ ثَورَةٍ عَالِمِيَّة ..
بَاْقِيْ دَهْفَةْ يَاْ شَبَاْب!
وأنا على يقين ثابت كَشَجَرَةِ بُنٍّ معَتَّقةٍ ، أنَّ مجلس قيادة الثورة اليمنية الثَّالثة الذي يهْدُرُ في ساحات التغيير والحرية والتطور والبقاء ، على دِرَايةٍ بما يُحاك ، وعلى إحَاطةٍ بما يُحيط بالثورة منَ المخاطر ومحاولات الإلتفاف ومؤامرات الوأد. ولكني أُذكِّر ... ليس إلا ؛ خشيةَ الرجوع نصف قرنٍ إلى مُرَّبع المصالحات وبوس الدقون والخدود!
نحن ياسادة منذ زمن غير بعيد وأنا أردد أننا بحاجة إلى المصارحة وليس للمصالحة بنا حاجة إلا بعد المصارحة ! بِمَعنَى نَحْنُ بِحاجَةٍ إِلى ثورةٍ وليسَ إلى ترقيع وتلميع!

وعلى الثُّوار ، والأحرار المرابطين في السَّاحات ، والميادين ، أن يثقوا بأنفسهم ولا يعَوِلوا على أحد في الدَّاخل والخارج... وباستطاعتكم أنْ تفرضِوا واقعاً جديداً ، وتحالفاتٍ جديدةً ، وقواعدَ لُعبةٍ جديدةٍ ، حينها سيلعب اللَّاعبان الأغنى والأقوى لعبة الإنسحاب والتسليم بالأمر الواقع ؛ وَالأَمرُ كُلُّهُ بِأَيْدُيكُم في التَّصعيد للِفِعلِ الثَّوري ، للوُصُولِ إِلى مرحلَةِ البِنَآءِ الثَّوري. عليكُم البقآء في السَّاحاتِ حتى يَتِمَّ مُحاكمةِ كل الجُناةِ والقَتَلَةِ والسُّرَّاق والوُصُول إلى سُرَادِقِ الظّالم وهدمِهِ فوقَ رَأسِهِ.! وحينها سيقولون لمن هُو بَاقٍ خارج ميادين وساحات التغيير " سلموا أنفسكم لأقرب خيمة في اقرب ساحة.."
ووالله لقد إنتصرتم ..!
وَثَوْرَتكُم هِيَ أكبرُ ثَورَةٍ فِيْ العالم ؛وإلا لما كانت هذه المبادرات ، ومحاولات الإلتفاف ، والمناورات ، والرَّهانات بأَنصَافِ ثَورةٍ ، من قِبَلِ أغنى وأقوى دول العالم !.. صَدِّقُونِي بَاْقِيْ دَهْفَةْ يَا شَبَابَ وَسَيَتَحَاوَرُونَ مَعَ غَضْبَةِ السَّاحاتِ .. بَسْ دَهْفَةْ !

أَحْمَدْ الأِبْنْ !
بَعْدْ الْحَلَاْوَةْ وَزَّفْ وُبَعْدْ الْمَشَدَّةْ وَطَّفْ !
( قالَ عُمَرُ ابن الخطَّاب :" الرِّجالُ ثَلاثَةٌ:رَجُلٌ ينظرُ في الأُمورِ قبلَ أَنْ تقَعَ فيُصْدِرها مصدرها ؛ وَرَجُلٌ مُتَوِكِّلٌ لَاْ يَنْظُر.. فَإذا نزلتْ بهِ نَازِلةٌ .. شَاْوَرَ أَهلَ الرَّأيِّ ، وَقَبِلَ قَولَهم ؛ وَرَجُلٌ حائِرٌ بَاْئِرٌ لاَ يَأتَمِرُ رشداً.. وَلا يطيعُ مرشِداً ")
أحْمَدْ الْعِرِّيْف إِبْن الشَّيْخ ..رَجُلٌ فِيْ الْقَرِيةِ يَفْرِضُ على النَّاسِ نفسَهُ فَرضَاً عجيباً مَعَ أَنَّهُ أَحمقُ خلْقِ اللهِ فِيْ القَرية. وَحَدَثَ يوماً أَنْ أَصابَ الظَمَأُ ثَورَ القرية .
دَخَلَ الثَّور الدَّيمَةْ .
وَكَاْنَ في الدَّيمَةِ زِيْرٌ فِيهِ مآءٌ باردٌ زُلَال. أَدخلَ الثَّورُ رَأَسَهُ ليشَرَبَ..فَارْتوى!
وحينَ أرادَ أَنْ يُخْرِجَ رَأسَهُ حَنَبْ رَأْسُ الثُّور في الزَّير!
جآءَ النَّاسُ ..
وَجَآءَ أَحْمَدُ الْعِرِّيْف أَحمد الإبنْ وَرَأَى مَا حدثَ للثَّور.
طَنَّنْ لِبعضِ الهُنَيْهَات..!
وَقال لِشُقَاتِهِ:" كَسِّرُوا الدَّيمَةْ "!!..
كَسَّرَوا الدَّيمة.
قَالَ أَحمدُ العِرِّيْف:" إدْعُوا لِيْ عِيَالْ عَمِّي. ومعاهُمْ السَّكَاكين " !
جآءَ أَوْلَادُ عَمِّهِ. فَقَالَ لهم :" إِذْبحُوا الثَّور"!
ذّبحوا الثَّور!
قَال أَحْمدُ الإبنْ:" ذّلْحِيْنَ إِكْسِرُوا الزَّير"!
وعُيَّنَ عَقِيدَاً.
ثُمَّ قَالَ الشَّاعِرُ الشَّعْبِيْ:
أَحْمَدْ شَرَاْ تُوْتَاْ شَقَاْ بِهْ سَنْتَيْن
وَاصْبَحْ عَقِيْدْ عَلَىْ الشُّقَاْةْ الاثْنَيْن!
وَرَّدْ حَطَبْ بَعْدْ رَمَضَاْنْ بِيَوْمَيْنْ
يَحْسِبْ دَوَاْمْ مَكَاْنِهِنْ شِلُحَّيْن!
( عَبْدُهْ الْجَنَدِيْ وطَارقْ الشَّامِيْ )

وقِيْلَ لَرجُلٍ:" مَنْ شَرُّ النَّاسِ؟"
قَالَ:"مَنْ لا يُبَالِيْ أَنْ يَراهُ النَّاسُ مُسِيئَاً"!
وَقِيْلَ لِعالِمٍ:" مَنْ أَسْواُ النَّاسِ حالاً؟"
قَالَ:" مَنْ قَالَ عنْدَ موتِهِ : دَخَلْتُهَاْ جاهِلاً، وأَقَمْتُ فِيْها حائِراً، وَأُخْرِجْتُ منها كارهَاً!".

تَعِز وكل اليمَن لَنْ تَتَرَاْجَعْ.. يَاْ بَرَاْمِكَة!
هذا النّظامُ قتَلَ فينا أَعظَمَ هِبَةٍ مِنَ اللهِ لِلإِنسان .. القُدْرَةَ على الْحُلُمِ والأَمَلِ !
وَأَنْ يَحلمَ الإنسانُ أَحلامَاً كِبَارَاً ، فتِلكَ هيَ الخطوةُ الأُولى في شُرُوعِهِ طريقَ الإِحْسَاسِ بِإِنسانيتِهِ وحَقِّهِ في الحياةِ ، وَأَنْ يَأملَ آمالاً عِظَاماً مَشْرُوعةٍ في العيشِ بكرامة ، وفي
التَّنفُسِ الحُرِّ للهَوآءِ النَّقِي مرفُوع الرَّأس ، فَإِنَّ ذلَكَ هِبَةٌ مِنَ اللهِ ورحمة..وَ( الأَمَلُ رَحمةُ اللهِ لِأُمَّتِيْ؛ وَلَولَاهُ ما زرعَ زارِعٌ زرعَةً ، وَلا أَرضعتْ أُمٌّ وَلَدَا )..
وَلكِنْ أَنْ تَحلمَ مَلَايينُ اليمَنيين نفسَ الحلمِ الزَّاهر ..
فَإِنَّ ذلِكَ هُوَ هَذِهِ الثَّورة الرَّائعة !
وَإِلى الثُّوَّار الأحرار أَقُولُ أَنَّ الصِّدِيقَ قالَ لِخالد حِينَ وَجَّهَهُ:
" إِحْرَصْ عَلَى الْمَوتِ ؛ تُوْهَبَ لَكَ الْحَيَاة "!!
وعلى الشُّهدآء الصَّلاة والرَّحمة.
قَالَ أَبو سَلَمَة الأنصاري: كانَ عُمَرُ ابن عبدالعَزيز يقول:
" ما أَحسن تَعزِيَة أهلِ اليمن. وتَعْزِيَتهم:لَاْ يُحْزِنُكمُ اللهُ ولاْ يَفْتنكُمْ ، وَأَثَاْبَكمْ ما أَثابَ المُتَّقِينَ الشَّاكرين ، وَأَوْجَبَ الصَّلاة والرَّحمة "
فاللَّهُمَّ آمين!

مُبَاْدَرةٌ إِنْتِقالِيَّة مِنْ حِزْبِ الْبِسْبَاس !
وَعَلَى كُلَّ الثُّوَّارِ الأحرار فِيْ السَّاحات فِيْ كُلِّ الْمُحَاْفَظَات تَشْكِيْل مَجَالس الْمُحَافَظَات الإنتقالية مجلس الولاية للقيامِ بخطُوات في هذا الإتِّجاهِ كأوراق ضغطٍ أُخرى ، والقيامِ بالقبضِ على أَرْكانِ النِّظامِ وفُلُوله.. تمهيداُ لقيام الولايات المُتَّحِدةِ الْيَمَنيَّة .. الدَّولة المدنية الفدرالية الجديدة التي يسْعى إليها الجميع!..
والسَّلام.

زر الذهاب إلى الأعلى