آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الحراك اليمني الجنوبي

في الأحداث الجارية حالياً في اليمن، ينضم الحراك الجنوبي بقياداته وأفراده إلى الثورة الشبابية، وإلى المعارضة منادياً بإسقاط النظام، وبهذه الخطوة التي تعبر عن تغيير، وإنْ لم يكن واضحاً بعد، في توجهات الحراك، وربما يعد ذلك تبدلاً في المواقف الجنوبية السابقة المنادية بالانفصال والعودة إلى أوضاع ما قبل الوحدة.

الحراك الجنوبي كحركة سياسية ينطلق أساساً من سببين رئيسيين هما تقاسم السلطة وتقاسم الثروة. إلى جانب وجود أسباب أخرى تتعلق بالمذهب الديني حيث يقطن الجنوب أغلبية ساحقة من السنة الشافعيين، وبأن المستوى التعليمي والثقافي وبالانتماءات القبلية وبالاقتصاد، خاصة أن الجزء الأكبر من النفط وبعض الموارد الطبيعية الأخرى يقع في أراضي الجنوب. ويضاف إلى ذلك العوامل الخارجية المرتبطة بالاستقطابات الإقليمية والدولية.

الوحدة اليمنية القائمة حالياً، لم تكن في يوم من الأيام بين طرفين متساويين، فالقادة الجنوبيون الذين أقاموا نظاماً اشتراكياً أدركوا بأن استقراره السياسي الداخلي كان ممزقاً بسبب ما حدث من صراع سياسي دموي فيما بينهم، وبأن محاولة تنمية اقتصاد البلاد وفقاً لخطوط اشتراكية باءت بالفشل، وبأن الدعم المالي والعسكري الذي كانوا يتلقونه من الاتحاد السوفييتي السابق وألمانيا الشرقية، والذي كانت البلاد تعتمد عليه كثيراً، جفت مصادره، وبدونه كانوا سيواجهون الإفلاس والمزيد من الاضطرابات الداخلية. لذلك كان قادة الجنوب مستعدين لقبول عرض بالوحدة مع الشمال، والواقع هو أن العرض الذي تقدم به الشمال لم يكن بالوحدة الكاملة ولكن بالاتحاد الفيدرالي كخطوة أولى تمهد للوحدة لاحقاً. لكن قادة الجنوب السابقين قفزوا إلى أبعد من ذلك مطالبين بالوحدة الفورية الكاملة. لقد كانت تلك الخطوة محيرة، فالجنوبيون كانوا يعلمون بأن الشمال يتفوق على الجنوب في كل شيء تقريباً.

لكي يبدو بأن تقاسم السلطة والثروة لم يسر وفقاً لما كان يأمله ويهواه الجنوبيون وأصبح محركاً أساسياً للحراك الجنوبي الحالي.

لقد اعتقد قادة الجنوب قبل التوقيع على وثائق الوحدة بأنه سيتم تقاسم السلطة بالتساوي بين قيادات الشطرين، وبأن الشمال سيدعم التنمية في الجنوب على قدم المساواة مع الشمال، لكن ذلك لم يحدث. وصرح العديد من قادة الجنوب الذين خرجوا بعد محاولة الانفصال عام 1993 بأنهم خُدعوا من قبل القيادة في الشمال. ويبدو بأن الخلافات تعمقت مع مرور الوقت حيث يشعر الجنوبيون بأنهم مهمشون، وبأن مواردهم الاقتصادية تستنزف وتجيَر لخدمة مصالح الشمال، وبأن الجنوب بقي وهو يواجه أزماته المزمنة دون حلول، وبأن قادة الجنوب استبعدوا عن دوائر السلطة.

والآن وفي حال عودة الرئيس علي عبدالله صالح من رحلته العلاجية في السعودية وبدء دوران عجلة الأحداث المأساوية من جديد، يمكن القول بأن الأحداث تأتي لكي تبطئ من وتيرة تحرك الحراك الجنوبي، لكن الأمور لن تعود بسرعة إلى طبيعتها الهادئة في حالة سقوط النظام الحالي الذي يسيطر عليه الشماليون ما لم تحدث تغيرات جذرية في مواقف النظام القادم تجاه الجنوب.

وفي حالة تبدل النظام يوجد استشرافان تجاه علاقة الجنوب بالشمال: الأول، يقول بأن مطالب الجنوبيين لن تذهب إلى أبعد من تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المنشودة ولن يعودوا إلى المطالبة بالانفصال. والسيناريو الثاني يقول بعكس ذلك، وبأن حرباً أهلية يمنية طاحنة ستنشب وربما ينفصل على إثرها الجنوب عن الشمال. ويعزز من خطوط السيناريو الثاني أن الحراك الجنوبي يمتاز بدقة التنظيم وبوجود قيادات سياسية وعسكرية ومدنية في صفوفه العديد منها يعيش في الداخل. وفي بلد يتوفر فيه السلاح في يد الأفراد أكثر من أي شيء آخر يصبح نشوب الحرب والانفصال ليس مستبعداً.

زر الذهاب إلى الأعلى