مساء يوم الجمعة 21/10/،2011 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2014 بإجماع الأصوات، وطالب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أن يوقع اتفاقاً يتخلى بموجبه عن السلطة، وأن ينهي عمليات قمع التظاهرات السلمية “فوراً” . وأدان القرار “بشدة” الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان من قبل السلطات اليمنية “كالاستخدام المفرط للقوة”، وحث الحكومة والمعارضة على “سرعة التوصل إلى اتفاق على أساس المبادرة الخليجية” (وكالات) .
وعلى وقع أصوات القذائف التي تطلقها القوات الموالية لصالح، صدر قرار مجلس الأمن المذكور، ولم يمنع صدوره التصعيد العسكري الذي لحقه وأوقع قتلى وجرحى . وقد رحب النظام اليمني بالقرار واعتبره “متسقاً” مع مواقفه وتوجهاته، واعتبره نائب وزير الإعلام، عبده الجندي، “متوازناً، ولا يوجد فيه ما يستدعي القلق” . من جهتها، اعتبرت صحيفة (الثورة - 22/10/2011) الحكومية أن صدور القرار حمل معنى “فشل تحالف أحزاب اللقاء المشترك في استصدار قرار غير متوازن من مجلس الأمن”، وأظهر أن “المجتمع الدولي بات مقتنعاً بأن ما يجري في اليمن هو صراع بين سلطة منتخبة وجماعات انقلابية تسعى للاستيلاء على السلطة” . ولاحقاً جدّد الرئيس صالح موقفه من المبادرة الخليجية، من دون أن يتعرض للقرار الدولي، متهماً المعارضة والقوات الموالية لها بأنهم “يعملون في اتجاه تفجير الموقف عسكرياً في إطار المخطط الخبيث ضد الوطن وأمنه واستقراره، وعدم التجاوب مع الجهود المبذولة لتهدئة الأوضاع وحل الإشكالات بالحوار والتفاهم . . .” (الخليج- 24/10/2011) .
لقد رأى البعض أن نقل القضية اليمنية إلى مجلس الأمن الدولي هو بمرتبة “التدويل” الذي ينطوي على اعتراف دول مجلس التعاون الخليجي بعجزها عن إيصال مبادرتها إلى مرحلة التنفيذ، في ما يبدو نوعاً من “تبرئة الذمة” والتنصل من تبعات استمرار الوضع على ما هو عليه، وأن صدور القرار 2014 قد سلّم الأمر إلى ما يسمونه “المجتمع الدولي” ممثلاً بمجلس الأمن . لكن هناك من يرى أن قرار مجلس الأمن لم يقدم أكثر من “الدعم والتأييد” للمبادرة الخليجية التي مضى على وجودها على الطاولة أكثر من ستة أشهر . وبمساواته بين “القاتل والقتيل”، ودعوة المجلس “الحكومة والمعارضة” إلى الحوار والتوصل إلى اتفاق، يكون “المجتمع الدولي قد دخل “لعبة” الرئيس صالح بصورة رسمية وعلى نفس أسسه التي يدير بها اللعبة . لهذا، كان هناك من رأى في القرار “مهلة” جديدة منحها مجلس الأمن و”المجتمع الدولي” لنظام علي عبدالله صالح عله يستطيع أن ينهي الأمر على طريقته . ويمكن لهذا الرأي أن يلتقي مع التقييم الذي عبر عنه أنصار النظام للقرار .
فالذين يرون هذا الرأي يقولون إن “لعبة النظام” أصبحت معروفة وكان رهانه فيها، ولايزال، يقوم على أربعة أعمدة: تجاهل جماهير الانتفاضة، وتجسيد الخصم في ما يسميها “المعارضة”، أي أحزاب اللقاء المشترك، ثم العمل على “كسب الوقت”، و”تصعيد العنف”، وبهما يعتقد النظام أنه سيوصل الجماهير إلى النقطة التي تشعر فيها ب “التعب”، فتتوقف الانتفاضة . وفي ضوء هذا التحليل، لم يخطئ النظام والناطقون باسمه عندما فهموا أنه “لا يوجد في قرار مجلس الأمن ما يستدعي القلق” . وبهذا أيضاً لا يكون القرار، من وجهة نظر المعارضة وشباب الثورة “متوازناً” وحسب، كما يدعي عبده الجندي، بل يحق لهم أن يعدوه منحازاً للنظام وللرئيس صالح، وبالتالي “ضعيفاً ومخيباً للآمال” .
الغريب أن النظام اليمني وهو يصف المعارضة بالخونة وقطاع الطرق، لا يزال يدعوها إلى الحوار، وهو إذ يحملها مسؤولية فشل “الجهود المبذولة” للوصول إلى اتفاق، ويجعل منها خصمه الوحيد ليغيب الخصم الحقيقي له ولنظامه، يتجاهل جملة من الحقائق: أولها، أن هذه المعارضة قبلت ووقعت على المبادرة الخليجية، بينما هو الذي لم يوقع عليها حتى الآن، وإن كان يعلن طول الوقت أنه يقبلها . وثانيها، أن الجماهير اليمنية في الساحات، خصمه الحقيقي، لم تقبل بكثير مما قبلت به المعارضة، وأن هذا النظام لايزال يتجاهل مطالب هذه الجماهير التي لم تتوقف عند تنحي الرئيس وعائلته بل وصلت إلى ضرورة محاكمتهم، وهي لهذا ترفض ما يطالب به الرئيس من “ضمانات”، تضمنتها المبادرة الخليجية ولم يتعرض لها قرار مجلس الأمن رقم ،2014 بما يفيد أن “المجتمع الدولي” لا يعترض على ما تعنيه تلك الضمانات .
ولعل من أسهل الأمور لمن يستمع إلى آخر تصريحات الرئيس صالح وأعوانه، أن يكتشف أنهم مازالوا يدورون في حلقتهم المفرغة عن الحوار والتفاهم ونقل السلطة وفقاً للدستور مختلقين العقبات تلو العقبات، وواضعين الشروط بعد الشروط، إلى جانب تصعيدهم للقمع والعمليات العسكرية التي قد تكون وسيلة الرئيس لتحسين شروط تنحيه، كما يقول مراقبون، أو لدفع البلد إلى الحرب الأهلية إن كان فيها نجاته وعدم دفع الاستحقاقات المتوجبة عليه، كما يقول آخرون .
إن اللعبة التي يلعبها النظام اليمني ليست عصية على الفهم، بل هي مكشوفة للجميع .
وكانت صحيفة (نيويورك تايمز - 9/10/2011) قد عدّت تعهد الرئيس صالح بالرحيل بعد عودته من الرياض محاولة جديدة منه لخداع شعبه، وأن ثمة حقيقة واحدة هي التي تبرز نفسها أمام العيان وهي أن الرئيس صالح لن يتخلى عن السلطة قريباً .
وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فما معنى قرار مجلس الأمن؟ ولماذا “المهلة” الجديدة الممنوحة للنظام؟