آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

مذكرة إلى قيادة الاصلاح

التصريحات التي أدلى بها الأستاذ محمد قحطان لوكالة فرانس برس قبل أسبوعين كانت ممتازة. ابرز ما شدد عليه هو ان الإصلاح ليس "مصنع تعليب"، وهذا فكرة أشار لها قحطان في وقت سابق واعاد التأكيد عليها الآن. وهي فكرة براقة يدافع من خلالها عن حقيقة تعدد مستويات الوعي داخل الإصلاح وامتلاكه مجال يسمح بالاختلاف. وهذه إحدى الحقائق التي يغفل عنها كثير ممن يمارسون أنشطة نقدية تتناول الجماعات الإسلامية.
أنا أعلن انحيازي التام للمنطق الذي عبر عنه الأستاذ محمد قحطان وأتمنى أن يسود. ففي النهاية لا أحد يرغب في ان يرى الاصلاح جماعة ترتكز على نظام عقائدي مغلق. رغم ان الاصلاح لا يزال يعطي هذا الانطباع أحيانا، بل قل دائما.

لكن هناك فرق بين التنوع الذي الذي يدافع عنه الأستاذ محمد وبين الفوضى. ذلك ان التعبيرات غير الرسمية التي تحال منتجاتها بالضرورة على الإصلاح، فاضت عن الحاجة على حساب الصوت الرسمي أيا يكن محتواه. لقد اصبح هذا الخليط المتنافر من الاصوات والتعبيرات غير الرسمية هو ما يشكل صورة الإصلاح في الذهن العام غير الاصلاحي طبعا. صحيح أنا اثمن إخلاص الإصلاح لتحالفه مع احزاب المشترك وانسجام خطابه السياسي معها، غير ان فكرة اللقاء المشترك نفسها لا تتناقض مع أن تبقي على امكانية تمييز صوتك الخاص وفرض درجة ما من التحكم والضبط.

أقصد بالتعبيرات غير الرسمية، كل ما لا يصدر عن مؤسسة الحزب بتفرعاتها المختلفة، وهي تعبيرات قد تكون عسكرية أو اعلامية أو قبلية أو اقتصادية أو تعليمية أو مليشاوية. وحينما يبدر عن هذه التعبيرات والفاعليات تصرفات سلبية من السهل ان يتنصل عنها الاصلاح، على طريقة "اللهم اني ابرأ اليك مما صنع خالد"، لكن المتلقي لا يلتمس العذر للإصلاح، ولا يجد أنه مستعدا للشروحات الثنائية المباشرة التي قد يجهد ناشط اصلاحي نفسه لتبيان الخيط الابيض من الخيط الأسود.

التنوع قيمة عظيمة لا يرقى إليها الشك، لكن عندما يتعلق الأمر بمؤسسة حزبية، هناك دائما أرضية مشتركة وتعاقدات عامة تتلاقى كل هذه الأصوات والتعبيرات في إطارها. وإلا فأنت تحمل نفسك تبعات انشطة هدامة ومواقف حمقاء وأصوات لا تتسم بالرشد، تصنع قناعات وردود فعل وتصدر صور ذهنية ورموز ومعاني يتم الاستدلال بها في الحديث عنك ويستند إليها في محاكمتك كحزب. وفي الأخير تجد نفسك مضطر لتسديد فاتورتها وتبنيها أحيانا والذود عنه. والنتيجة أن صورتك عن نفسك تصبح مختلفة جذريا عن الصورة التي يلتقطها لك الآخر من خارجك.

لا اعرف ما هي الترتيبات الضرورية التي يفترض بالإصلاح القيام بها لتدارك الأمر. فقط أريد أن اقول انه لا بد من تحقيق مستوى معقول من الانضباط والتناغم الخارجي تتيح التعرف على الاصلاح التعرف الأمثل. الاتساق الداخلي وحده لا يفي بالغرض. الحالة السديمية التي تبدو عليها الأمور هي مؤشر اعتلال في بعض الاوقات.

انصح باعادة تفعيل منهج الاصلاح ومواثيقه الداخلية. الركون المطلق على متكلمي المشترك خلق حالة تقشف مفرطة على صعيد الحديث الرسمي الاصلاحي، وعطل فاعلياته المؤسسية لمصلحة اجتهادات تلك التعبيرات الموازية.

واحدة من اشد معضلات هذا البلد فتكا هي أن الفاعليات غير الرسمية، فاعليات الظل، التهمت مؤسسات الدولة التي حافظت على هامشيتها وهشاشتها، في حين استمرت السلطة تستعمل تلك المؤسسات لالتقاط الصور، اكسسورات بلهاء.

إنه الانفصام المتوحش الذي يجرد الأشياء من معانيها. على الإصلاح ان يقول للناس ما هو وما ليس هو. ما يمثله وما لا يمثله، على سبيل المثال، هناك أطراف ضمن الإصلاح لها قنوات اتصال بجهات خارجية إقليمية، وهذا الاتصال يحسب على الإصلاح، مع إني اعرف أن الإصلاح كمؤسسة لم تعد له مثل هذه القنوات المباشرة.

سهيل تقدم خطابا إعلاميا رديئا للغاية، ومن الصعب إقناع الناس أنها لا تمثل الإصلاح، لان الإصلاح لم يقل شيئا في هذه المسألة. حتى إعلام الحزب نفسه يتبنى خط معاكس في أوقات كثيرة لنوايا واتجاهات الحزب. اللقاء المشترك كان فرصة رائعة للإصلاح، لكن أثره السلبي يتمثل في انه قلل من وتيرة تحول الإصلاح إلى حزب.

Back to top button