شهدت الأعوام الأخيرة إضطراب للعلاقة بين رئاسة جامعة صنعاء وأعضاء هيئة التدريس ونتج عن ذلك مشكلات أدت لتوقف الدوام الجامعي عام2010م لأكثر من شهرين وعلق الإضراب بناءً على إتفاق مع رئاسة الجامعة بضمانة وزير التعليم العالي ورئيس الوزراء ،
وعلى الرغم من تهديد نقابة أعضاء هيئة التدريس بالعودة إلى إلاضراب نتيجة عدم الإلتزام بذلك الإتفاق وخاصة البنود المتعلقة بتنفيذ قانون الجامعات اليمنية ، إلاَّ أن ذلك التهديد لم ينفذ بل أن توقيف الدراسة نجم عن قيام رئاسة جامعة صنعاء بالإعلان عن تعليق الفصل الدراسي الثاني لعام 2010/2011 منتصف مارس 2011م ، ثم دعت رئاسة الجامعةلإستأناف الدراسة منتصف سبتمبر2011م ، ونتيجة لتوترات فردية لم تكن نقابة أعضاء هيئة التدريس طرفاً فيها ، تم نقل الكليات إلى أماكن بديلة لايتوفر فيها الحد الأدنى من متطلبات العملية التعليمية وخاصة في الأقسام العلمية ، عند ذلك وحرصاً على سلامة العملية التعليمية تدخلت نقابة أعضاء هيئة التدريس وتواصلت مع مختلف الجهات ذات العلاقة دون تحفظ ، وصدر قرار التعليم العالي بإستأناف الدراسة في الحرم الجامعي بدايةً بيوم10/12/2011م ، على أن تحدد الجامعة التقويم الجامعي لبقية الفصول الدراسية بداية من ذلك التأريخ.
إن السؤال الذي يتردد لدى الغالبية العظمى من أعضاء هيئة التدريس (هل بدء الفصل التعويضي يمثل نهاية المشكلة مع رئاسة جامعة صنعاء؟؟؟) خاصة وأن الفترة الممتدة بين فبراير وحتى ديسمبر2011م وما قبلها شهدت العديد من التجاوزات لقانون الجامعات اليمنية ، وهذا السؤال ربما لايدور في أذهان المستفيدين من التجاوزات القانونية فالكثير منهم يمسكون بمفاصل هامة في الإدارة الأكاديمية على الرغم من مخالفة تعيينهم لمجمل مواد قانون الجامعات اليمنية ، بل أن بعضهم قد يشغل أكثر من منصب إداري وأكاديمي في وقت واحد على الرغم من وصول الهيئة التدريسية إلى حوالي(2500) فرد من الذكور والإناث، ولكن الشمولية الإدارية لاترى أمامها سوى أشخاص بعدد الأصابع.
وحتى يكون القارئ الكريم على دراية بحقيقة الخلاف بين أعضاء هيئة التدريس ورئاسة الجامعة منذ سنوات والذي أدى إلى تنفيذ عدة إضرابات ، سنحاول إجمال ذلك في قضيتين رئيسيتين هما:
القضية الأولى : وطنية عامة تتعلق بإصلاح التعليم الجامعي ، ولهذه القضية أبعادها الإسترايجية المتعلقة بمستقبل التنمية في الجمهورية اليمنية ، وترتكز تلك القضية على إختراق محتوى قانون الجامعات اليمنية وأهم جوانبها:
1- التعيينات الأكاديمية : يحتوي قانون الجامعات اليمنية رقم(18) لسنة 1995م وتعديلاته ولائحته التنفيذية على عدد من المواد التي تحدد بالتفصيل إجراءات وشروط التعيين لأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم ، وهدف تلك المواد القانونية حصول الجامعات على أبرز الكفاءات الوطنية على مستوى الجمهورية ، أي أن كل درجة أكاديمية مفتوح التنافس فيها لكل أبناء الجمهورية اليمنية بدون إستثناء ، إلاّ أن ما حدث خلال السنوات الماضية تمثل بأختراق غالبية تلك المواد إما بموجب توجيهات أو تعديلات في اللائحة تناقض روح الدستور والقانون ، حتى أصبح إبن القرية إن كانت في قريته كلية هو صاحب الحق في الدرجة الأكاديمية ، وقد عُزز ذلك من خلال إضافة المادة(104) في اللائحة التنفيذية التي تستثني أبناء المناطق التي تتواجد فيها الكليات الفرعية من شرطي العمر والتقدير، كما تم حصر غالبية الدرجات الأكاديمية في العامين الأخيرين داخل الكليات دون النظر إلى الإحتياجات الفعلية للأقسام ، أو إنزال إعلان وإجراء المفاضلة ، وبالتالي أصبح التعيين بكشوفات الصفة السائدة ، وألغي دور الإعلان الصحفي وكذا ألغي دور الأقسام أو مجالس الكليات في إجراء المفاضلة ، وفُرض التعيين كأمر واقع بتوجيهات عليا لايمكن الإعتراض عليها ، وذلك يتناقض مع الوظيفة الأكاديمية بمفهومها العالمي ، فالتعيينات في الجامعات العريقة لاتخضع لأي حدود سياسية ولاإدارية ولا مناطقية بل تجعل التنافس على الوظيفة الأكاديمية مفتوح على مستوى عالمي كونها وظيفة فكرية لايمكن حصرها بالمكان بل بالتخصص والكفاءة .
إن إختراق قانون الجامعات للأسف أصبح له أنصاره الذين يقولون أن إختراق القانون وإتاحة الفرصة للكل أفضل من نهب الدرجات من قبل النافذين ، تلك الإشكالية نتج عنها حرمان العديد من الكفاءات الوطنية من الإسهام في التعليم الجامعي ، وحوّل العديد من أقسام الكليات إلى مراكز للبطالة المقنعة ، مع خلوا أقسام أخرى من الكفاءات الوطنية وخاصة بعض الأقسام العلمية ، إذن فمطلب أعضاء هيئة التدريس في هذا الجانب ليس أكثر من تنفيذ مواد قانون الجامعات اليمنية الذي يتيح لإبن المهرة إن كان مبدعاً أن يكون عضو هيئة تدريس في جامعة عمران وإبن عمران تكون له الأولوية في جامعة الحديدة إن كان متميزاً وهكذا على مستوى مختلف الجامعات ، كما أن هناك مطلب وطني وتنموي آخر يتعلق بتوزيع الدرجات الأكاديمية المعتمدة وفق الإحتياجات الفعلية للأقسام ، كون غالبية الأقسام الأدبية على وجه الخصوص بدأت تعاني من إشكالية البطالة المقنعة كما سبق الإشارة ولازال التعيين العشوائي مستمراً فيها ، إن ذلك الوضع المشوه يشير إلى غياب التخطيط التنموي للوظيفة الأكاديمية مقابل العشوائية وتأثير بعض قوى النفوذ من خارج الجامعات في التعيينات الأكاديمية.
2- التجهيزات الخاصة بالمعامل العلمية : لقد شهدت السنوات الأخيرة نهضة معمارية لمباني جامعة صنعاء ، ولكن من المؤسف إن تلك المباني الرائعة البناء ليست سوى قاعات دراسية ومكاتب إدارية تفتقد إلى التجهيزات الضرورية للتعليم الجامعي ، فمثلاً قد تستغرب عندما يؤكد لك أساتذة الأقسام العلمية بكلية التربية صنعاء أنه يتم تنفيذ الدروس العملية في معامل كلية العلوم بالجامعة القديمة!!!فهل عجزت جامعة صنعاء عن توفير معامل لطلاب كلية التربية صنعاء؟؟؟والحال كذلك في الكليات العلمية الأخرى فقد تجد أكثر من خمسة طلاب في كلية الطب يتقاسمون الرؤية من منظارواحد وربما قطرة محلول مخبري واحدة ، وتلك الإشكالية قد تتيح لبعض الطلاب التطبيق العملي والبعض قد يحرم من ذلك الدرس العملي لضيق الوقت والتزاحم على جهاز واحد، والحال دون شك يتكرر في معامل كليات الهندسة أو الزراعة وغيرها، ومن ثم فمطلب أعضاء هيئة التدريس الثاني والهام يتعلق بتزويد الكليات بضروريات العملية التعليمية مثل المعامل العلمية وبقية التجهيزات التي تتوافق مع العصرمثل معامل الحاسوب والصوتيات ومراسم الخرائط ، وهدف كل ذلك تحسين المستوى العلمي للخريج بما يمكنه من الإسهام في برامج التنمية الوطنية أو المنافسة في سوق العمل الإقليمي والدولي ، ونعتقد بشكل يقيني أن موارد جامعة صنعاء من الموازنة العامة للدولة أوالإيرادات الخاصة ومنها الموزاي قادرة على توفير تلك المتطلبات، شريطة أن يعاد النظر في أوجه الإنفاق غير الضرورية ، ومنها النفقات التي تكشفها تقاريرالجهازالمركزي للرقابة والمحاسبة.
القضية الثانية: مطالب خاصة بأعضاء هيئة التدريس وتهدف إلى تحقيق الإستقرارالنفسي والمعيشي لعضوهيئة التدريس حتى يتمكن من التفرغ للبحث العلمي والأداء الأكاديمي ، وأهم تلك المطالب توفيرأرض سكنية خاصة بأعضاء هيئة التدريس، والتأمين الصحي ، والإلتزام بقانون الجامعات اليمنية في شغل المناصب الأكاديمية بداية بالأقسام وحتى رئاسة الجامعة ، ثم إقرار كادر خاص بنظام وظائف وأجور أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم ، والإستقلال المالي والإداري للجامعات وإبعادها عن التدخلات الأمنية والسياسية وغيرها ، وعلى الرغم من مشروعية تلك المطالب فقد أجلها أعضاء هيئة التدريس في الوقت الراهن بهدف استمرار العملية التعليمية وحتى لايفوت عام دراسي على طلاب الجامعة.
أخيراً نود التأكيد أن غالبية أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم في جامعة صنعاء بمطالبهم بإصلاح التعليم الجامعي يهدفون بشكل أساسي إلى الرقي بمستوى الأداء الأكاديمي لجامعة صنعاء كونها أكبروأهم الجامعات اليمنية وبما يساعدها على احتلال مكانة تليق باليمن بين الجامعات العالمية ،كما أن إصلاح التعليم الجامعي ستكون له فوائد كبرى على المستوى الوطني ، كون غالبية الخريجين سيتم استيعابهم في مختلف مؤسسات الدولة فهم قادة الفكروالسياسة والتنمية في المستقبل القريب بإذن الله ،بينما سيؤدي غياب التخطيط واستمرار اختراق قانون الجامعات اليمنية إلى عواقب وخيمة في المستقبل المنظور لجامعة صنعاء أوالتنمية الشاملة والمستدامة في اليمن .