لست ضد قانون للعفو أو المصالحة يخرج اليمن من مأزقها الحالي، ولكن مشروع قانون الحصانة المقدم للبرلمان يحمل الكثير من الأخطاء التي لا تحتاج إلى خبير قانوني ليكتشفها. فهذا المشروع،
في حال تم إقراره بالصيغة الحالية، يحمل أخطاء مركبه، فهو ركيك فنيا، وغير شرعي سياسيا، وفاسد أخلاقيا. وكل هذه الصفات تجعله يحمل صفة (العوار القانوني) ويمكن تبيان ذلك في النقاط والملاحظات التالية والتي سأستهلها بملاحظات شكليه:
1- المدقق في مشروع القانون يرى بصمة الرئيس صالح واضحة في كل ثنايا المشروع. إذ تبدوا الارتجالية والسرعة وعدم الحرفية – وهي الصفات التي أتصف بها حكمه المديد - جلية في الصياغة والأفكار والأهداف. إذ لا يبدوا أنه تم عرضه على خبير قانوني حقيقي، والأرجح أنه من بنات أفكار صالح وحاشيته الضيقة.
2- تعمد من صاغ مشروع القانون أن يستفز شريحة واسعة من الناس، حين لم يشر في الديباجة إلى ما يجبر خاطر ضحايا الجرائم التي سيعفون من المسألة بسببها. ولا يُعرف إن كان القصد من وراء ذلك، عرقلة إقراره، من خلال دفع الطرف الأخر لرفضه، ومن ثم تحميله مسئولية إفشال المبادرة الخليجية، أم أن الآمر لا يعدوا أن يكون حالة من الصلف والعنجهية وربما الغباء.
3- يبين مشروع القانون الحالة النفسية والمزاجية لمن يقف وراءه، حيث تظهر ملامح الخوف والرعب في الصياغة الركيكة والمواد الغريبة الذي احتواه، ومصدر الخوف والقلق ناتج عن المهل الزمنية الضيقة والتحركات على الأرض، والتي بدأت تسحب البساط من تحت أقدام الرئيس صالح وفريقه بسرعة أكبر مما كانوا يتوقعونه. ولهذا لم يترووا في البحث عن بدائل أفضل من هذا المشروع الهزيل عبر المزيد من المشاورات والتفاهمات مع خصومهم وحتى أنصارهم.
4- قد يكون سبب التسرع في عرض مشروع القانون، ناتج عن اشتراط الدولة، أو الدول، التي قبلت استضافة الرئيس وعائلته، إقرار هذا القانون، حتى تتجنب المشاكل القانونية والسياسية مستقبلا.
بعد عرض الملاحظات الشكلية على مشروع قانون الحصانة ننتقل إلى الملاحظات الموضوعية والتي سنبرزها في النقاط التالية:
1- المادة (119) من الدستور الفقرة (8) تتضمن الفقرة: أن رئيس الجمهورية هو المخول حصريا للمصادقة على القوانين، وكون مشروع القانون خول نائب الرئيس المصادقة عليه، فإن ذلك يعد مخالفة صريحة للنص الدستوري.
2- ديباجة مشروع القانون استندت إلى المبادرة الخليجية وكأنها مرجع قانوني، وهو أمر غير صحيح، فالمبادرة الخليجية ليست سوى اتفاقية بين أطراف سياسية، وهي بهذه الصفة لا تنشئ أي قاعدة دستورية أو قانونية. فهذه الأطراف، ومهما كان حجمها وطبيعة تمثيلها السياسي، لا تملك الحق في إنشاء مثل هذه القواعد.
3- حين اقترحت المبادرة الخليجية موضوع الحصانة لا يبدوا أن المسئولون الخليجيون استشاروا خبيرا في القانون اليمني، أو أنهم لم يهتموا لهذه المسألة أصلا، فلا يوجد في الدستور اليمني ما يفيد بمنح الحصانة من الملاحقة القانونية، فهذا النص يخالف الكثير من البنود الدستورية والقانونية بشكل واضح.
4- ظهرت ديباجة مشروع القانون وكأنها بيان سياسي وليست ديباجة قانون، حين ذكرت ما أسمته الرعاية الكريمة من خادم الحرمين وغيره من المسئولين الخليجيين وغيرهم، وهذه العبارات لا تقال في النصوص القانونية، ومحلها البيانات السياسية ووسائل الإعلام.
5- اعتبرت المادة الثانية من مشروع القانون أنه من أعمال السيادة الذي لا يمكن إلغائه أو الطعن فيه، وهذا التوصيف يعتبر هرطقة قانونية. فلا وجود في التشريع لشيء أسمه قانون سيادي، كما أنه لا وجود لقانون أبدي ونهائي لا يقبل التعديل والتغيير أو الطعن بعدم دستوريته، فكل القوانين وحتى الدساتير يمكن إلغائها وتعديلها من الجهة التي امتلكت حق إصدارها. وهذا القانون – في حال إقراره - يمكن إلغائه من قبل مجلس النواب الحالي أو إي مجلس نواب قادم، وبالأغلبية العادية مثله مثل أي قانون أخر. فمجلس النواب لا يستطيع أن يفرض أغلبية خاصة لهذا القانون أو لغيره، لأن هذه القضية ليست من اختصاصه أو صلاحيته، حتى لو صدر هذا الأمر بإجماع النواب، فمادام الموضوع يتعلق بإصدار قانون وليس بتعديل الدستور، فإن القانون يمكن إلغائه أو تعديله بالأغلبية العادية. ولهذا فإن إقرار المادة بهذه الصيغة لا يعتد بها قانونا كونها تشرع لنص غير موجود في القانون أو الدستور.
6- حين ينص مشروع القانون على منح الحصانة لكل من عمل مع الرئيس خلال فترة حكمه، فإن ذلك يعني جميع من عمل في الجهاز الحكومي منذ بداية حكم صالح وحتى صدور القانون وهذا الأمر يطرح تساؤلات في غاية الخطورة من مثل:
أ- لم يحدد القانون صفة العاملين معه، وهذا يعني أنه سيشمل جميع الموظفين من كل الدرجات العليا والدنيا. وفي هذه الحالة فإن المستفيدين من هذا القانون قد تصل أعدادهم إلى الملايين.
ب- نص الحصانة لم يشر لنوعية القضايا التي سيحصل المستفيدون منها على الحصانة، وهذا قد يشمل جميع القضايا الجنائية وغير الجنائية التي قام بها الموظفون العموميون خلال حكم صالح. وفي هذه الحالة فإن أي موظف عام سيدعي بأنه مشمول بالحصانة ضد إي تهمه قد توجه له بعد صدور هذا القانون، مهما كانت نوعيتها. فبإمكان إي موظف عام ارتكب جريمة خلال حكم صالح، بما في ذلك الجرائم التي وقعت خارج نطاق مهامه الوظيفية، التمتع بالحصانة من الملاحقة القانونية بموجب هذا القانون. فعلى سبيل المثال لو تم رفع دعوى على موظف عام بأنه قام بقتل شخص ما في نزاع شخصي بينهما خلال حكم صالح، فإن بإمكانه الاحتماء بهذا لقانون، حيث أن النيابة العامة، نظريا على الأقل، لا تستطيع أن تقيم إي دعوى ضد إي موظف عام خلال الفترة المذكورة في القانون.
ت- سيتوجب على النيابة العامة، وفقا لهذا القانون، التوقف عن السير في مقاضاة الموظفين العموميين عن التهم المرفوعة ضدهم والمنظورة أمام القضاء وجهات التحقيق، كما يتوجب الإفراج عن جميع الموظفين العموميين المدانون بأحكام قضائية سابقة. وإعادة جميع ما تم مصادرته عليهم من أموال أو ممتلكات.
من كل ما سبق يتضح لنا بأن هذا المشروع يحمل أخطاء قانونية هائلة، وأعتقد أن من مصلحة معارضي منح الرئيس الحصانة تمرير هذا المشروع، لأنه وهو بهذا الضعف يجعل من أمر إلغائه سهلا، إذ أن إي محكمة عليا ستنظر في إي طعن يقدم ضده ستقرر إلغائه للأسباب التي ذكرناها ولغيرها.
لقد كان من مصلحة الرئيس صالح وأركان حكمه التواضع قليلا والتشاور مع خصومهم وغيرهم من أجل صياغة قانون للمصالحة يحظى باتفاق اوسع ومن ثم شرعية حقيقية بدلا من هذا القانون الهزيل الذي لن يساوي الحبر الذي كتب به. فقضية مثل هذه تحتاج إلى تفاهمات خاصة وتنازلات وليس إلى تهديد وعنجهية واستعلاء، كما هو حاصل من جهة أنصار الرئيس.