إذا فتح القارئ الكريم الصفحة الأولى من صحيفة الجمهورية الصادرة اليوم، أو دخل على الصفحة ذاتها عن طريق برنامج أكروبات للقراءة الذي يظهر الصفحة على الانترنت على صورة ( بي دي إف) في شكلها الورقي وليس الرقمي فسوف يجد في الركن الأعلى من الصفحة إلى اليسار رقماً خطيراً جداً هو الرقم 29.
هذا الرقم يشير إلى عدد الأيام المتبقية لتسليم رئيس اليمن السلطة، ولهذا فإن هذه الأيام هي أخطر الأيام في تاريخ الجمهورية اليمنية التي لم يتغير منصب الرئيس فيها منذ تأسيسها في 22 مايو 1990م. فبعد شهر من الآن من المتوقع أن تدخل بلادنا عصرا جديدا من المؤمل أن تطوى فيه مرحلة سابقة بكل آلامها وأحزانها وأن يبدأ اليمنيون التفكير جدياً في مواهة تحديات تحتاج إلى تكاتف وتعاون وتوحد الجميع.
هذا إذا مرت الـ29 يوماً بسلام،. وأرجو من زميلي الصحفي الغيور على المهنة ناصر الربيعي أن يلاحظ أنني كتبت أمام الرئيس كلمة السابق ولم أستخدم وصف المخلوع ولم أقل أيضاً المنتهية صلاحيته فلم يكن يوماً من المشروبات المعلبة التي تنتهي صلاحيتها ولا من المشروبات المعتقة التي لا تنتهي صلاحيتها. كما أرجو من زميلي ناصر الذي أزعجته تسمية الرئيس السابق أكثر مما أزعجه ما حدث في جمعة الكرامة حيث وصلني منه رسالة نصية على هاتفي يعاتبني على استخدامي كلمة المخلوع لأن الرئيس ليس مخلوعاً. ولهذا فأنا حرصت اليوم على استخدام كلمة الرئيس السابق لأني أخشى على مشاعر أخي ناصر من أن استخدم عبارة الرئيس منزوع الصلاحيات, فهذه الألفاظ لا تتماشى مع المهنة ويجب انتقادها قبل أن ننتقد ممارسات القتل والنهب!!.
وليس هذا فحسب بل أيضا من أجل طي صفحة الرجل بسلام فيجب على جميع اليمنيين التواقين للتغيير الحذر كل الحذر من الانجراف في جرح مشاعر الرئيس وأعوانه ولا بأس من الانجرار إلى صراعات يغذيها بعض أنصار النظام لعرقلة تنصيب ولا أقول انتخاب رئيس جديد.
فالصحافة اليمنية تتداول حالياً معلومات متواترة عن خطط قائمة خطيرة ومدمرة يرسمها أنصار النظام لتسليم معسكرات ومعدات ثقيلة ومخازن أسلحة تابعة للحرس الجمهوري والأمن المركزي وغيرهما إلى “أنصار الله ، وأنصار الشريعة، وأنصار إيران، وأنصار الشيطان، وأنصار أنصار المشاريع الصغيرة، انتقاماً من أحرار اليمن الذين قالوا: لا للظلم, لا للفساد, لا للاستبداد, لا للطائفية, لا للا ستحواذ لا للاستهبال ...إلا أني إدراكاً مني لخطورة هذه القضايا سأتوقف عن إثارتها تاركاً التعامل معها لمن يهمهم الأمر من أبناء اليمن ممن يعرفون خطورة ما يدبر لليمن أكثر مما أعرف.
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن أكثر ما أرعبني مما أوردته الصحافة تقرير للزميل الصحفي عارف العمري الذي نشرته صحيفة “الجمهورية” في عدد البارحة عن مدينتي المغتصبة التي يسيطر عليها حالياً عناصر مسلحة من قيفة وشبوة والبوسنة، لكن المسلحين ليسم هم مصدر رعبي حيث إن إقامتهم في المدينة لن تطول ولكن الذي أخشى منه هو الفتنة الطائفية التي يخطط لها أنصار النظام حيث يقوم أنصار النظام سراً بإرسال أنصار الشريعة إلى المدينة ثم يذهبون إلى آخرين ممن يسمون أنفسهم أنصار الله ليحرضوهم على مقاتلة أنصار الشريعة ويفوز في النهاية أنصار الفتنة.
وقد تحدث الزميل عارف العمري في تقريره عن مواجهات مسلحة بين «أنصار طارق أبا لهب،” ومسلحين من طائفة قرشية أخرى في حارة «المواصلات القديمة» حيث سيطر أنصار قريش بشقيهم الأموي والهاشمي على مدرسة هارون الرشيد ومدرسة الملكة بلقيس. ووفقاً ل”عارف” فإن المواجهات جاءت نتيجة اتهام المسلحين القرشيين لرئيس فرع المؤتمر الشعبي العام الذي يديره أبو جهل القرشي بتسليم مدرسة بلقيس لأحفاد أبي طالب إضافة إلى اتهام قيادي المؤتمر بتسليم أسلحة لكفار آخرين من قريش يتصارعون على سقاية الخمر للحجاج ورفادة الزائرين لحم الخنزير!!.
أما الزميل طاهر حيدر مراسل صحيفة الرأي العام الكويتية فقد أرعبنا بحديثه عن خطط منفصلة لتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» و«الحراك الجنوبي» والحوثيين وشباب ساحات التغيير لمنع إجراء انتخابات رئاسية عن موعدها، في المواقع التي يسيطرون عليها. ولا أدري لماذا وضع زميلنا شباب الساحات وشباب الحراك السلمي جنبا إلى جنب مع حركة الحوثي المسلحة وتنظيم القاعدة العنيف. ولا ندري ما هي المواقع التي يمكن أن يسيطر عليها شباب الساحات فلا خوف من سيطرتهم لأن الثورة هدفها الأساسي هو سيطرتهم على كل المواقع وليس على مواقع بدون أل التعريف. أما ناشطو الحراك فهم مشغولون حالياً بالسيطرة على مواقع جديدة على الانترنت وليس لديهم وقت للسيطرة على مواقع في الميدان. وفيما يتعلق بتنظيم القاعدة فنحن لا نخشى من سيطرته لأن العالم كله سيكون معنا للتخلص من هذا الوباء. ولكن الخوف كل الخوف هو من أن نصحو يوم الانتخابات لنجد أن الحرس الجمهوري في أرحب والصباحة وحدة والسبعين قد سلم معداته ومواقعه للحوثيين لمماحكة علي محسن وحميد الأحمر. ولكن الحوثيون بإمكانهم أن يخيبوا آمال أنصار النظام ويعلنوا تحويل دار الرئاسة الذي سلمه النظام لهم إلى جامعة تسمى جامعة التغيير ويدعى طلاب كلية الصحافة والإعلام في جامعة صنعاء لاختيار أحسن خيمة داخل القصر لتكون مقراً جديداً لكليتهم. وعليهم أن يكتبوا أبحاثاً مطولة عن كيف كان يعيش الرئيس وأسرة الرئيس وتقارير عن النعام والأسود والخيول والبغال الموجودة داخل القصر إضافةً إلى التقاط صور للحنفيات المذهبة والأسرّة الملكية والسجون الخفية والأنفاق المجهولة.
ولكن ما يزيد من مخاوفنا أن الوضع الامني والسياسي في اليمن بغاية الخطورة. وأهم ما يدل على ذلك مقال غريب تتداوله المواقع الالكترونية التابعة للنظام بعنوان “هل سينجو صالح من فخ معارضيه..؟” كتبه الزميل ساندرا إيفانس صديق السفير اليمني في واشنطن متخفياً باسم كاتبة ألمانية لا وجود لها على الإطلاق وإنما هي من بنات أفكار صاحب السفير المقيم في سان فرانسيسكو الذي يكتب أيضاً تحت أسماء أجنبية وهمية أخرى ومراكز أبحاث لا وجود لها ليكشف عن طريقها أسرار أخطر المؤامرات ويتبنى خطاب رموز النظام بحذافيره محاولاً قلب الحقائق والترويج لفوضى ستحدث بدت ملامحها .. وتكاد محاولات النظام البائد الأخيرة تشبه تصرفات ذلك المدمن على شرب الكحول الذي فرض عليه أقاربه وأطباؤه التوقف عن الشرب فوعدهم بذلك لكنه يريد أن يشرب كأس الليلة الأخيرة أو الشهر الأخير قبل أن يتوقف نهائيا عن الشرب وإشعال الفتن.
إنما تشهده بلادنا حاليا ليس سوى محاولات النزع الأخير لمدمنين على إشعال الفتن لكن هؤلاء المدمنين أصبحوا الآن مجبرين بالأمر الصارم على التوقف عنها وسوف يتوقفون. وإدراكا مني لخطورة الأيام المتبقية من عمر النظام فقد قررت أيضا أن أتحرر من إدماني على انتقاد ممارسات النظام اعتباراً من غدٍ الإثنين. وهذا لا يعني أني سأغيب عن هذه الصفحة ولكني سأحاول قدر الإمكان تجنب الكتابة عن العملية السياسية الدائرة في صنعاء حتى لا أساهم بطريقة أو بأخرى في عرقلة الخطة الدولية لإخراج بلادنا من عنق زجاجة الخمر!!.