أرشيف الرأي

مع ثلاثة رؤساء يمنيين في المنفى

الثلاثة العليُّون، وسبحان مع جمع وفرق ونفى!! علي ، وعلي، وعلي. أما على ناصر، فقد أخرجه إلى منفاه، علي سالم، وأما علي سالم، فقد أخرجه إلى المنفى علي صالح. وقد أردت-هنا- توصيف علي سالم بالرئيس-ولم يكن كذلك- لأنه كان على مرتبة الرؤساء في اليمن، أو كان سيكون كذلك فيما لو تم له تحقّق مناه في الانفصال الذي أخرجه من اليمن هاربا في يوليو عام 1994م.

علي ناصر خرج بانقلاب انقلب به على نفسه في يناير 1986م، وعلي سالم خرج بحرب شنها على نفسه في يوليو عام 1994م، وعلي صالح خرج بثورة صنعها وحبكها هو في ثلاثة عقود، وانفجرت في وجهه فجأة في عام الربيع العربي، وقد كان يقول دائما على نحو مضحك: "السلطة مغرمٌ لا مغنمٌ" وهو يرتب الدار لخليفته أحمد، لكنه كان إنما يخادع نفسه، فقد خرج محصنا غانما غير غارم، غير أن خروجه كان كلاجئ، كحال سابقيه؛ علي ناصر وعلي سالم، تاركا أحمد ينتظر سوء المنقلب!!
قال علي صالح عام 1994م، مخاطبا علي سالم البيض-وقد ترك الأخير دعوة الانفصال تلاحقه كظله-: إن عليه أن يسلم نفسه إلى أقرب مركز شرطة حدودي، وقد كان صالح يقول ذلك وهو في غمرة الزهو الذي لا يمكن أن يتكرر له، ولو للحظة واحدة، وكان على الهارب علي سالم أن يجتاز الحدود إلى عُمان كلاجئ صامت، وأن يغادرها كشخص غير مرغوب فيه.
واليوم، علي صالح ينزل ديار عُمان-أيضا- ضيفا ثقيلا على سلطان يعشق السكوت كما يعشق صالح الكلام، بل يقال أن هذا السلطان يمشي على العجين ولا يثير فيه تغيّرا- أو كما يقول المثل المصري: "يمشي على العجين وما يلخبطوش"، وأيا كانت الوجهة التالية لصالح فإن عمان ستكون قدره لو آثر الصمت.
لكن، ما يثير العجب والاستغراب والتدبر–أيضا- أن الرجلين-علي سالم وعلي صالح- لا يمكن أن يتفقا أو يلتقيا على الإطلاق. فالأول ذو رؤية انفصالية مستمرة استحالت داء عضالا أعيت معها كل حكيم، والثاني يحب الوطن اليمن واحدا موحدا، لكن أساليبه خذلته، ومغانمه التي أثقلت كاهله لم تتح له أن يظفر بكل شيء واقعي من ذلك، فكان الوطن يتشظى على مرأى ومسمع منه، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، فرحل منبوذا على وجهٍ ممزّقٍ عن وطن يكاد أن يتمزق، وإلى الجهة ذاتها التي غادر إليها رفيق دربه علي سالم، ودعاوى التمزق تدمغ واقع الحالتين والرجلين معا.
الثلاثة العليون، لا يحملون شهادات عليا، ولا رؤية حقيقية لوطن يتقزم في محفل العماليق على قرنٍ الأميُّ فيه من يجهل تقانة الحاسوب، وأكاد أسمع همسا-هنا- ينطلق من بين الألسن ينالي بالقدح لهذا القول، غير أن حجتي التي أضعها بين يدي كل محتج، أن كلا الثلاثة ذوي مطامح غير أن الراحلة كسيحة والهداةَ مضلون.
إذن، هل يعقل أن نجرِّب مجرَّبا؟!! ولماذا تصادم أولئك؟ مازالت الذاكرة ترسل إليّ قول علي سالم، وهو في حالة من الاستفراغ الباطني لمكنون نفسه، وهو يشكو لأحد ندمائه، مقارنا بيته وبين علي صالح في عام الانفصال: نحن خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيا.
وعلى ذات البعد والنظر، يجري التعميم بين الثلاثة المتنافرين على هذه الصفات، ولولا التباين الذي يطبعهم لاقتربوا على رؤية واحدة، غير أنهم على أبعد وأسوأ من حال من وصفهم الله جل في علاه" تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى"!!
يا هؤلاء-أعني كل يمر على كلماتي هذه- هل يستطيع هؤلاء المتخمون بالثروة والحقد المخبأ والخرف القاتل-وقد لفظهم الوطن- أن يعيدوا تنضيد قادم أيامه على رؤى ما يطمح إليه الجياع والكادحون والمتطلعون إلى مستقبل غير مثقل بالدسائس والمكر والفقر الكبير؟!! فأي مشروع سيأتي به هؤلاء الثلاثة، لو جرى إفساح المجال لأي منهم على تراب الوطن؟!! لقد جربناهم ففشلوا وأفشَلوا، وهيهات أن يداوي الناس طبيبٌ وهو يقاسي أقوى العلل!!

*باحث في شئون النزاعات المسلحة والبيئة

زر الذهاب إلى الأعلى