آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اليمن.. مخاوف الانفصال والاحتراب

تزداد المخاوف من أن تصبح اليمن «يمنات» عدة فاقدة بذلك وحدتها التي دفع الكثير الكثير من أجلها. وأخطر الأزمات التي تعيشها اليمن اليوم هي أزمة وحدتها الوطنية والجغرافية فهي إلى تفاقم أكثر وسط قلق كبير من فشل الحل السياسي مما قد يضع اليمن على شفير الانهيار. والوحدة اليمنية مطلوبة اليوم لأنها طوق نجاة اليمنيين الذين هم اليوم في عين العاصفة تتقاذفهم الأمواج يمنة ويسرة وسط بحر هائج من التطورات ووسط تدخلات متعددة الأطراف والمرامي والأهداف. والاضطرابات والصراعات القبلية والطائفية في اليمن ليست جديدة ولاطارئة على تاريخ ذلك البلد المثقل بمشاهد مأساوية من تلك الأيام المريرة و دورانه الدائم في فلك الحروب الأهلية إلا أن الجديد هو الخوف كل الخوف أن يخسر اليمن أهم إنجاز في تاريخه وهو الوحدة.

وتعرفت اليمن مبكرا جدا على لغة الدم والصراعات الداخلية فمنذ عشرينيات القرن الماضي والاغتيال والاحتراب الداخلي هو السلاح الأمضى للسيطرة على السلطة فالانقلابات توالت على اليمن من منتصف القرن العشرين إلى العام 1977 حين استلم الرئيس علي عبدالله صالح السلطة بانقلاب عسكري. في حين شهدت حروبا أهلية اهمها تلك التي دارت في الشمال بين الموالين للمملكة ‏المتوكلية اليمنية والفصائل الموالية للجمهوريّة العربية اليمنية والذين كانت تدعمهم مصر واستمرت الحرب من سنة 1962إلى سنة 1967. وقد سيطرت فصائل الجمهورية على الحكم في نهاية الحرب.

ومن المعروف ان انسحاب بريطانيا من اتحاد الجنوب العربي الذي كان يضم محميتها في عدن حدث في عام 1967. ولم تمض سنوات قليلة على ذلك حتى خاض اليمنان الشمالي والجنوبي حربين طاحنتين بين الأعوام 72 و1979. وبقيت اليمن يمنين حتى العام 1990 حين اعلن عن قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990 في إطار وحدة اندماجية بين شطري اليمن. لكن قيام الوحدة لم ينزع فتيل التوتر الداخلي حيث تفاقمت الأحداث خاصة بعد أحداث 1994 التي كانت تدعو لانفصال الجنوب عن الشمال والعودة لما قبل الوحدة اليمنية.فقد أصبح هناك مشروع مشترك يمكن لكل من قادة الحراك في الجنوب وجماعات الحوثي في الشمال تأكيد ضرورة الاستقلالية عن الحكومة الحالية بالإضافة إلى أسباب مساعدة أخرى مثل الفساد المالي والإداري والفقر الذي تعيشه اليمن مقارنة بدول الخليج التي لعبت دورها أيضا في محاولة الحفاظ على الاستقرار في اليمن. وقد تفجر هذا الاحتقان في آخر حروب اليمن وليس آخرها حرب صعدة أو ماسميت بالحرب السادسة والتي اندلعت في أغسطس 2009 والتي أعلنت فيها الحكومة اليمنية تصميمها على «إنهاء كل ما يتعلق بالحوثيين والجماعات المتمردة». وكانت الأشد من نوعها بين الطرفين. واتهمت الحكومة الحوثيين بمحاولة إنشاء إمامة إسلامية وفقا للمذهب الزيدي، بينما أكد الحوثيون حقهم في الدفاع عن أنفسهم ضد ما أسموه «النظام الدكتاتوري» الذي يحاول القضاء على مذهبهم. وخلفت الأحداث أكثر من 5000 قتيل من الطرفين ودمارا في البنية الأساسية لليمن خاصة في صعدة بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المشردين من مواطنهم.

وتعتبر اليمن من أشد الدول في الجزيرة العربية فقرا حيث تزداد معدلات الباحثين عن عمل بشكل مطرد.وكان شعار اليمنيين حين اطلقوا ثورتهم في 11 فبراير عام 2011 التغيير ثم التغيير للتخلص مما يعانون منه ومن مآسيهم الاجتماعية والسياسية. ولذلك نراهم اليوم مسكونين بالخوف حيال المستقبل، وبعد عام ونيف على ثورتهم فالشك من جانب البعض في نجاح المرحلة الانتقالية في السير باتجاه الحل المطلوب كبير كما أن الاعتراضات من قبل الثوار وقوى سياسية عديدة على ما يجري كبيرة أيضا موجود بشكل ما، وهذا ما يجعل الحراك الجماهيري والسياسي مستمرا وسط احتمالات عودة ملامح النزاعات الداخلية أو المنافسات السياسية وتزايد نشاط تنظيم القاعدة الذي لايعترف لابوحدة الدول ولا بالوحدة الوطنية. فثمة من يقول إن اليمن على أعتاب حرب جديدة بين الجيش وتنظيم «القاعدة» الذي ينشط في جنوب اليمن ويسيطر، حسب تقديرات الخبراء، على بعض المحافظات من أصل 21 محافظة يمنية. في موازاة ذلك هناك من يتشوق للانفصال، وفصل الجنوب عن الشمال. وحرب الانفصال بدأت بوسائل وأساليب متعددة. ويشكل تقسيم اليمن مجددا جريمة بامتياز لان من أكبر الكبائر تفتيت بلد ما وشرذمة شعبه. فكيف إذا كان الأمر متعلقا ببلد هو اليمن الذي هو الآن باشد الحاجة إلى وحدة أرضه ووحدة أبنائه في ظل واقعه المأساوي هذا.

- كاتب لبناني

زر الذهاب إلى الأعلى