أرشيف الرأي

«العدلنة».. لنخرج من الغابة إلى المحور العالمي

هذا هو منهج العدلنة ومنتجها نقدمه لإنسانية تهوى وتُكافح لتحيا بكرامة وسعادة.. إنّه مشروع فكري حضاري واحد، منتج الإنسانية للإنسان لتغادر منتجات الاستيلاء والاستعلاء والقهر على بعضها ولبعضها..

إنّه بديل للكثير من الأفكار الرائجة التي تحمل في أحشائها الانقسام والصراع والاحتراب والمهانة.. منهج العدلنة يجتمع عليه كل الأسوياء من الناس، من لهم حظ الاعتبار، إنّه الخيار الأمكن للإنسانية جمعاء، خيار التمكين لإنسانية الإنسان، إنّه هتاف الروح الإنسانية السوية لنغادر رجس الرذائل إلى بساط الفضائل....

لقد آن للإنسانية أن تخرج من غابة الافتراس إلى فردوس السلام، آن للإنسانية أن تغادر الصراع والاصطراع المحوري إلى المحور العالمي المستند إلى قيمة الإنسانية الواحدة (العدل)... حتى الظالمين المستبدين يكرهون لانفسهم ان تكون ضحية لظلم من هو أقوى منهم... لقد جر لنا الظلم زمن الآلام وآن لنا أن ننخرط في زمن العدل فهذه الانسانية تصرخ وتستصرخ: الم يئن أوان العدلنة؟... فتعالوا إلى محور العدلنة..

إنه قد آن لظلم الإنسان لنفسه وللآخر أن يتوقف و إلى الابد... وانه آن للطغيان أن ينتهي من عالمنا..انه آن للعدل كقيمة لكل الانسانية أن تسود كل الدنيا.. إنه آن لكل الانسانية أن تنظم لنادي العدالة للتخلص كلها وفي آن معاً من وصمة الظلم ووصفته السلوكية البغيضة، انه آن للإنسانية ان تستريح من عناء ظلمها..انه آن لها ان تسعد وتسود على كوكبها الأزرق دون خطر يهدد مُستقبلها على ظهره...

هذا نداء/نظرة/نظرية لعصر الانسان العادل الذي غادر توحشه ليكون خليفة عادل في الارض كما أراده الله..

العدلنة خلاصة لتصورات مفكري الإنسانية العظام في بعدها الإنساني من افلاطون (427؟ - 347؟ق.م) وارسطو (384 - 322ق.م) وكونفشيوس( 55 479ق.م) وبوذا 558) ق.م. - 483 ق.م.( مروراً بابن رشد (1126 - 1198م) وروجربيكون (1214؟ - 1292م؟) وابن خلدون( 1332- 1406م) وديكارت (1596 - 1650م) وجون لوك ( 163م - 1704م) وصولاً إلى حسن البناء (1906- 1949م)وسيد قطب (1906 - 1966م)وعلي شريعتي (1933-1977م)...هذه إشراقة واحدة من وهج الحركة اللوثرية وحركة تحرير السود الأمريكان والثورة الفرنسية وحروب الاستقلال والحركة الغاندية والربيع العربي الآخذ في مزيد الانسياح والتدفق.

التعريف والماهية:
العدل هو قيمة القيم، وأس الفضائل، والأساس المكين للإنسانية في مسعاها للسعادة والتنمية، وهو القاسم المشترك لكل أصحاب العقول السوية، ولا يتنكر له إلا ظالم أو ساع إلى ظلم أو مدافع عنه.

العدل هو مبدأ صاحب كل مبدأ رفيع، هو قيمة أساسية في الكتب السماوية والدساتير والقوانين والمواثيق الارضية.

العدل يصبغ حياة الإنسان بالرضاء والطمأنينة على ماضيه وحاضره ومستقبله، وبالتالي الحيوية والكد والسعي وبذل المجهود في سبيل تطوير الحياة الخاصة والعامة وتيسير سبل ذلك من غير خوف ولا قلق بشأن مستقبل جهده وجهاده العام والخاص، العدل هو ما يرضاه الأسوياء من بعضهم ولبعضهم، لغيابه يثورون وينتفضون فرادى وجماعات حتى يعود إلى قواعده سالماً..مستعدين في سبيل ذلك للتضحية بارواحهم ودمائهم واموالهم وراحة ابدانهم...

والعدلنة سلوك وصبغة سلوكية ينبغي أن تصبغ سلوك الأفراد وتصبغ بها المجتمعات والدول بسلطاتها الثلاث سلوكها في الزمان والمكان لتحقيق ما يسعون اليه وينشدونه من تقدم على كل الأصعدة بدون استثناء.

العدلنة في مفهومها العملي وضع الشيء في مكانه اللائق به، وتقتضي وتستوجب الفورية والاستمرارية والديمومة في ذلك. العدلنة هي السلوك المغاير للظلم والبخس والانتقاص من حق الآخر، فرداً كان أم جماعة، مجتمعاً كان أم دولة، ذكراً كان أم أنثى، كبير في السن والمكانة أم صغير في السن ومن قاع المجتمع.
العدلنة سلوك لا يرضى صاحبه الظلم على الآخر كما لا يرضاه على نفسه، العدلنة سلوك الإنسانية السوية، وهي كل لا يتجزأ.

أركان العدلنة:
1. مبادئ حاكمة لسلوك الأفراد والأسر والمجتمعات والدول.
2. اخلاقية متكاملة ورقابة ذاتية لدى الأفراد والأسر والمجتمعات والدول.
3. عقوبات رادعة يؤمن بها الناس أو يسنونها في دساتيرهم وقوانينهم واللوائح المنظمة للتعامل.

ضمانات العدلنة:
1. الإرادة العامة للجماهير، الضمانة الشعبية العارمة.
2. الديمقراطية الكُلية، الضمانة السياسية.
3. حرية التجارة البعيدة عن الاستغلال، الضمانة الاقتصادية.
4. حرية التعبير عن الراي بما لايمس القيم والمقدسات لكل امة، الضمانة الفكرية.
5. التنشئة السوية النزّاعة إلى العدل، المستهجنة للظلم.
6. الغاء نظام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي واستبداله بنظام الأغلبية تماماً كما هو في الجمعية العامة للامم المتحدة.
7. الكفاح الشعبي، ضمانة الضمانات.

أعداء العدلنة:
- الاستبداد؛ الاستبداد السياسي لا يقوم الا بعد أن ينصب للعدل المشانق ويقدمها قربان على مذبح الطغيان.

- الظلم: هو عدو العدل اللدود وهو كسلوك قد يتصف به الانسان كبيراً كان أو صغيراً رئيساً كان أو مرؤساً، انه المناقض للعدل والمتجابه معه منذ بدء الخليقة، فاذا كان العدل وضع الشيء في مكانه، فإن الظلم وضع الشيء في مكانه غير المناسب لدوافع قد تتصل بالتفضيل الجنسي أو الطائفي أو المناطقي أو العائلي أو الفكري أو المالي.. إنه الأنانية في تجلياتها المتعددة.

- الجهل: يضع الجهل صاحبه في المعسكر المناهض للعدلنة، فهو يطلق احكام غير مستندة إلى مايببرها في الواقع، ويوجد قناعات، هي تماماً نوع من انواع الظلم للاشخاص أو المجتمعات أو المؤسسات والهيئات، الجاهل يصنع بجهله اعداء له هم في الواقع حلفاء له وباذلين من اجل مصلحته كفرد من عموم الافراد، يذهب يحاربهم الحرب الخطاء وقد يغفل عن الخندق الذي يضعه العقل والمنطق فيه.

- الفقر: في كثير من الأحيان ينزع الفقر قيم الحق ممن وقعوا في براثنه، فهم في فقرهم لا يلتفتون إلى قيم بقدر ما يلتفتون إلى فاقتهم كيف يسدونها وعوزهم كيف يتجاوزونه ولو في يومهم ذاك الذي يعيشونه.يُصبح الجوع والمرض والحرمان سياط تُلهب ظهر صاحبها مُسخرة إياه في مواجهة العدل الذي قد يعني موقفه في صفه حرمانه من قوت يومه أو مصلحته الشخصية الناجزة ان آزر الظلم وسار في ركابه معصوب العينين.

- الأمية القانونية:
كلما تعرف الانسان على حقوقه كان اضمن له أن يتمتع بها ويحرم ظالميه من مواصلة ظلمهم له بحرمانه من حقوقه، ولذا يسعى الظالمون جهدهم لإبقاء مظلوميهم في عماء عن حقوقهم التي نصت عليها الدساتير والقوانين واللوائح المنظمة لسير العمل.

عوائد العدلنة:
1. السلم الإجتماعي: كلما تفشى الظلم في مجتمع كلما غادره السلم الإجتماعي بين افراده ومكوناته على تنوعها، ولذا فان يسود العدل مجتمع ما فهذا ضمان لسلم اجتماعي يدوم.
2. السعادة العامة: كلما شع سناء العدل في مجتمع أو قلب فرد، كلما شاعت السعادة الغامرة، حيث يتخلص المجتمع من الآلام والأوجاع والجروح الراعفة في الواقع وفي الضمير التي يقوده الظلم إلى مستنقعها الآسن ؛وبتلك المساوئ يقودها فيحقق مزيد مآربه ومطامعه المُغرقة في النرجسية والصنمية.

3. التنمية: حين تتوافر العدلنة فقد وجدت التربة الخصبة الصالحة للتنمية أن تنزرع ويشتد عودها وتؤتي شجرها ثمارها في كل حين، تغدو مصلحة المجموع هي الحاكمه لسلوك الفرد والدولة.
4. الكرامة: حين تموت الكرامة الإنسانية إنما يكون ذلك تحت جزمات المستبدين المتسلطين، وأن تزول دولة الاستبداد فهذا فجر للعدل..للكرامة يُطل، وإذ به في الغد يزدهر ويمضي في تقدمه ليحقق الفرد والمجتمع المزيد من الكرامة التي تمنحه حظه من الإنسانية.

* كاتب وباحث من اليمن

زر الذهاب إلى الأعلى