آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الثورة السورية ومخاطر الحل السياسي

لم يأت تصريح السفير الروسي في باريس يوم الجمعة الماضي عن أن "الرئيس السوري بشار الأسد على استعداد لنقل السلطة بصورة منظمة" من فراغ، فهو على الأغلب رسالة أولى ينقلها الروس للعالم باعتبارهم الوكيل الدولي المعتمد للنظام السوري المنهار.

ورغم أن هذا الأخير نفى صحة ما طرحه السفير الروسي، إلا أن العالم كله يعرف مثل هذه الألاعيب المعتادة في عالم السياسة، مثل أن تطلب من صديقك أن يقول عنك شيئا ثم تنفيه أنت، لمجرد أن تلمس مدى تجاوب الآخرين وتقبلهم لما طرحه صديقك كي تبني عليه خططك القادمة.

وكنت توقعت أن يتم إحياء مشروع الحل السياسي، عبر تطبيق النموذج اليمني على سوريا عقب الضربة القاصمة التي أصابت نظام الأسد يوم الأربعاء الماضي، بمقتل رئيس غرفة عمليات الأزمة حسن التركماني ووزيري الدفاع والداخلية داوود راجحة ومحمد الشعار ورئيس جهاز الأمن القومي هشام بختيار، وصهر الأسد الرجل القوي في النظام آصف شوكت..

وهي ضربة لن تسقط النظام فورا بالتأكيد، لكنها قصمت ظهره إلى حد لا يمكنه أن يتعافى بعده.

فقد وجد الأسد نفسه فجأة دون أهم معاونيه الذين يحملون أخطر الملفات الأمنية، وفي مقدمتها ملف الثورة الشعبية، ولذلك لم يكن غريبا أبدا أن يبادر الروس إلى الإعلان عن استعداد حليفهم للتنحي، لأنهم يريدون إبقاء أيديهم هي الطولى في شأن التعاطي مع الثورة السورية، سواء في الحل العسكري أو في الحل السياسي.

وبفشل الحل العسكري والأمني طوال الشهور الستة عشر الماضية، والذي زاد اتساع مدى ونطاق الثورة لتشمل كل المدن السورية، وليمتد أخيرا إلى داخل العاصمة نفسها، فإن الحل السياسي سيبرز بالتأكيد لتحقيق عدة أهداف روسية، منها وقف النجاحات العسكرية المتواصلة التي يحققها الجيش السوري الحر، والتحكم في مسار التغيير الذي سيحدث، بحيث يظل للروس تأثيرهم في مسار الحل السياسي، والحيلولة دون سقوط منظومة الحكم القائم كاملة، حتى وإن سقط الأسد وعائلته كلياً.

يطمح الروس لأن يديروا العملية السياسية القادمة في سوريا إذا تم تفعيل النموذج اليمني، تماما كما يديرها الأمريكان بفاعلية في اليمن.

والروس في طموحهم هذا لا يسعون للحفاظ على موطئ قدم لهم في المنطقة وحسب، بل يريدون إرضاء وتمثيل حليفهم الأساسي وهو إيران..

وفي ظني أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يدعمان المضي في الحل السياسي، فيما يرجح أن تتحفظ عليه دول الإقليم المعنية بالثورة السورية، وفي مقدمتها تركيا ودول الخليج، باعتبار أن رهانها الأساسي اليوم كجار مباشر لسوريا، هو في السقوط الكامل للنظام الذي أصبح التعايش معه أو حتى مع جزء منه في حكم المستحيل، كما أن سقوطه الكامل بالنسبة لدول الإقليم، سيضعف النفوذ الإيراني بالتأكيد والذي أصبح عامل إزعاج مستمر لهذه الدول..

فإيران لا تواجه حصاراً دولياً وحسب بسبب الملف النووي، بل إنها مهددة اليوم بخسارة أهم حلفائها في المنطقة العربية، والذي يمكنها من النفاذ المباشر إلى شواطئ البحر المتوسط، كما أنه يحقق لها نفوذا كبيرا في لبنان من خلال حزب الله حليف إيران وسوريا الأهم في ذلك البلد العربي، الذي عانى الكثير من التدخلات الخارجية التي حالت بينه والاستقرار السياسي الذي ينشده.

ليست هناك مصالح اقتصادية كبرى للروس في سوريا، ولا تعد صفقات السلاح التي يشتريها النظام السوري من روسيا بين الحين والآخر، داعما هاما للاقتصاد الروسي الذي يتمتع بوفرة جيدة لا تجعله محتاجا لمثل هذه الصفقات.. لذلك فطموحات روسيا في سوريا سياسية وأمنية وعسكرية بامتياز، ناهيك عن أنها تعبر عن تحالف روسي إيراني وثيق.

لكن هذا كله لا يشفع للروس في الاستمرار الغريب في مساندة نظام لم يعد يمتلك أيا من مقومات الاستمرار، كما أن هذا الدعم لن يمكنهم من تحقيق النجاح الذي ينشدونه في المنطقة، بل إنه قد يحرمهم كليا من آخر عناصر التأثير فيها..

فغالبية الشعوب العربية متعاطفة مع الشعب السوري الذي يناضل سلميا ويقاتل بالسلاح دفاعا عن حريته، في وجه نظام لم يستطع تجميل وجهه يوما بقدر ولو بسيط من الحريات السياسية والاقتصادية، بل إنه اليوم آخر الأنظمة القمعية في المنطقة ولن يكون مآله إلا السقوط كما سقط نظراؤه قبله، سواء خلال ثورات الربيع العربي أو قبلها بسنوات.

وفي المقابل فإن الغرب تحديدا يطمح لرؤية نظام آخر في سوريا، ليس بغرض الضغط عليه لتحقيق السلام مع إسرائيل، بل من أجل التخفيف من النفوذ الإيراني في المنطقة.

ففي ظني أن الغرب يرقب ثورات الربيع العربي بقدر كبير من التأمل، بسبب تصاعد نفوذ الإسلاميين في الدول التي سقط حكامها، ولذلك يعنيه كثيرا أن يسهم في رسم خارطة النظام القادم في سوريا، للحيلولة قدر الإمكان دون تصاعد مماثل لنفوذ الإسلاميين فيها، رغم أن حركة الإخوان المسلمين السورية حرصت بوضوح على ألا تتصدر المشهد السياسي من خلال التشكيلات المختلفة للثورة، كما أنها أصدرت وثيقة سياسية تعبر عن رؤيتها لسوريا المستقبل، حرصت أن تجعل منها وثيقة مدنية متقدمة تنهي أية مخاوف لدى شركائها في المعارضة أولا إلى جانب أنها رسالة واضحة لطمأنة الغرب.

ستكون الأيام القادمة صعبة على السوريين، وسيكون هناك سباق بين حل سياسي تريد الأطراف الدولية المعنية تمريره في هذه اللحظات الحاسمة، وبين الحل الميداني الذي يمضي الجيش السوري الحر في تحقيقه باقتدار وتقدم على الأرض.. ومع دخول المعارك مرحلة الحسم، فإن فرص النظام الدموي في النجاة تتضاءل وتتراجع، لكنه في المقابل سيزيد من حجم الفتك والقتل الذي يمارسه في حق شعبه.

ومع اقتراب النصر سيكون لزاما على المجلس الوطني والجيش السوري الحر، أن يبعثا بالعديد من الرسائل المطمئنة للطوائف السورية المختلفة، التي سعى النظام لإقحام بعضها في المواجهات ضد الثورة، وفي مقدمتها الطائفة العلوية التي لا ينبغي أن تدفع ثمن جرائم عائلة الأسد في حق الشعب السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى