تكرار الهجوم على وزارة الدفاع ليس غريباً، وسوف يتكرر بهذه الصيغة الفجة وبصيغ اكثر تنوعاً واتساعاً مالم يتم وضع حد لنفوذ الرئيس السابق في الجيش واستكمال توحيده واعادة هيكلته.
ما حدث في العرضي ليس مجرد احتجاج جنود بالرشاشات والبوازيك بل خطوة في مسلسل إعاقة الرئيس الجديد والمرحلة الانتقالية ينفذه البقايا الذين لم يستوعبوا بعد أن اليمن أفلتت من بين أيديهم
ما حدث من استنزاف لأعصاب اليمنيين في العرضي يدل أن ثمن النجاة من سيناريو الحرب الاهلية التي هدد بها صالح لم يكن كافيا، لم تكفه الحصانة ليجنب اليمن أذاه، ولم تكفهم الحرية في الحركة والأموال، لا يقبلون بأقل من الاحتفاظ باليمن في ملكيتهم ووراثتها بمن فيها.
ما حدث في العرضي كان رفضاً صريحاً لنقل السلطة الذي وقع عليه صالح، ورفض لقرارات الرئيس عبد ربه منصور هادي التي دشن بها الخطوة الاولى نحو توحيد الجيش واعادة هيكلته؛ القرارات التي لا زال اهمها بانتظار التنفيذ من خلال تعيين قائد للحرس الرئاسي يتولى جمع الألوية المحددة في القرار تحت الهيكل الجديد للحرس وتنظيمها وقيادتها لأداء مهمتها
ما حدث في العرضي لم يكن مجرد رفض لقرارات جزئية صدرت؛ بل قلقاً من قرارات أكبر متوقع صدورها ويعمل ورثة الرئيس السابق على عرقلتها ومنع صدورها.
ما حدث الاثنين الماضي هو مشاهدة الشبح مجدداً في العرضي، الشبح الذي رأيناه قبلها يقتحم الداخلية، ويفجر أنبوب النفط، ويخرب شبكة الكهرباء، الشبح الذي لا يحتمل رؤية اليمن مستقرة معافاة من دون صورته.
الاثنين الماضي لم يحتمل البقايا رؤية رئيس اليمن الجديد جالساً على كرسي «يمنهم» في قمة الدول الاسلامية، فحاولوا حرف الكاميرا من مكة المكرمة إلى ميدان العرضي في صنعاء لحرف أنظار اليمنيين وتشويه صورة اليمن الجديد في شاشات العالم.
الشبح الذي لاح في العرضي مجدداً يشد على يد الرئيس عبد ربه ليستكمل على وجه السرعة المهمة التي بدأها في استعادة كامل الجيش اليمني من ايدي مختطفيه.
الفرق بين المؤسسة العسكرية والميليشيا هو الفرق بين ماحدث في القاهرة وما حدث في ميدان العرضي الاثنين الماضي.
هناك قدمت لنا مصر درساً في الوطنية والحرص على المصلحة العامة من كل الأطراف، فقرارات الرئيس محمد مرسي بإحالة كبار القادة في مؤسسة الجيش إلى التقاعد وإلغاء الاعلان الدستوري المكمل انطلق من مقتضيات المصلحة الوطنية العامة والإجراءات القانونية الملزمة للجميع، وبالمثل كان تنفيذ القرار من قبل من طالهم التقاعد وجميع قادة الجيش كلا بما يخصه من تغيير أو تحمل مسؤولية جديدة.
كان رد الفعل معبرا عن الالتزام بواجبات الوظيفة العامة وهو ما أوضح أن مصلحة البلد عامل مشترك للجميع وأن لدى مصر مؤسسة عسكرية وليس إقطاعية ميليشياوية يمكن استخدامها في التشبث بالسلطة والبقاء.
على العكس من ذلك تماماً تكررت في اليمن محاولة اقتحام وزارة الدفاع من قبل مجاميع مسلحة تنتمي للجيش اليمني صوريا؛ ولا تعرف من مقتضيات هذا الانتماء لليمن ومؤسسته العسكرية اي شيء يلزمها باحترام الانتماء الوطني والبزة العسكرية، وقد قبلت هذه العناصر ان تستخدم كأدوات من قبل البقايا وجنون السلطة الذي يتلبسهم ويدفعهم بإلحاح وتكرار متواتر على عرقلة الرئيس الجديد والمرحلة الانتقالية. هناك كانت مصر ومصلحتها معيار قادة الجيش ومحدداً لرد فعلهم، وهنا كان وهم التشبث بالسيطرة على الجيش واوهام العودة مجدداً هي الرافعة وراء اقتحام الداخلية ومحاولات اقتحام الدفاع.
وفي المحصلة تثبت الاحداث أن ما قيل عن ضرورة توحيد الجيش وهيكلته قبل الحوار لم يكن مجرد كلام بل تعبير عن واقع ملموس، ومن دون استكمال هذه المهمة سيعاود الشبح ظهوره من وقت لآخر واضعاً اليمن كلها في مهب الحرب التي تطل برأسها دوماً من بقاء الجيش منقسماً، وجزء منه تحت سيطرة مركز نفوذ الرئيس السابق.