تشهد الجمهورية اليمنية صراعات عديدة في الجنوب والشمال والشرق والغرب، وكثير من تلك الصراعات تتناولها وسائل الإعلام المحلية والعالمية بإسهاب، ولكن نوع آخر من الصراعات لاتتناوله وسائل الإعلام بشكل تفصيلي تلك هي صراعات الأراضي فهي حرب صامتة أشتدت ضراوتها بعد حرب صيف1994م، هذه الحرب وصلت إلى العديد من محافظات الجمهورية ومنها:
أولاً/أمانة العاصمة : في صنعاء ومنذ سنوات تسود في بعض الأحياء اشتباكات مسلحة بين فترة وأخرى، إذا سئلت عن سبب إطلاق النار المتكرر في تلك الأحياء سيقال لك إشتباكات على أراضي، بل قد يؤدي الحال ببعض المتصارعين إلى استقدام مليشيا دعم من المناطق الريفية وذلك الأمر شديد الخطورة لأن تلك الإشتباكات إذا طال أمدها غالباً تنتهي بخسائر في الأرواح وإعاقات دائمة وإقلاق لأمن السكان المجاورين لتلك الأراضي، وبالتالي فهي تأخذ صفة الحرب بخسائرها البشرية وطبيعة المواجهة،
لقد نتج ذلك بسبب التمدد الحضري لأمانة العاصمة وتضاعف مساحتها لعدة مرات منذ عقد السبعينات حتى الآن، حتى وصل العمران إلى سفوح جبل عصر ونقم ومناطق أخرى ومن ثم ارتفعت أسعار الأراضي بصورة غير مسبوقة وصلت إلى مئات الأضعاف، هذا التمدد وارتفاع قيمة الأراضي فتح شهية العديد من الجهات والأفراد للسيطرة على مساحات واسعة بإسم مصالح عامة أو خاصة، رافق كل ذلك ضعف ملحوظ لأجهزة الضبط الأمنية والقضائية، ومع قبول المجتمع بتخصيص أراضي للخدمات العامة سواء بتعويض أو بدونه، إلاَّ أن الرفض والصراع يبدأ عندما تخصص الأراضي لصالح الأفراد أو نتيجة الصراع بين الأفراد حول الملكية، وقد برزت عدد من القضايا في السنوات الأخيرة نذكر منها على سبيل المثال:
أ- مشكلة الأراضي التي تم السيطرة عليها من قبل قيادة الحرس الجمهوري والتي تعود ملكيتها لمواطنين من مديرية بني مطر، ويحاول أبناء بني مطر تصعيد الموضوع وتحويله إلى قضية راي عام من خلال صلاة الجمعة التي يقيمونها في احدى الشوارع العامة.
ب - قضية أرض أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة صنعاء والتي صدرت توجيهات من الرئيس السابق بتخصيصها منذ ما يقرب من عشرين عام، وكانت جزء هام من مطالب الإضرابات العديدة التي نفذها أعضاء هيئة التدريس، ولها قصة تنقلت من مذبح إلى بني الحارث إلى منطقة ضبوة بسنحان..
وقد أقرت الهيئة الإدارية أخيراً توزيعها على أعضاء هيئة التدريس، وقد نتج عن ذلك التوجه ظهور جبهة معارضة من قبل الإداريين والهيئة المساعدة وإدارة الجامعة، وتحاول بعض الجهات تحويل القضية إلى صراع حزبي على إعتبارأن النقابة مكون يتبع اللقاء المشترك وإدارة الجامعة تتبع المؤتمر الشعبي العام، وقد ظهر ذلك التوجه بشكل واضح من خلال تبني وسائل إعلام المؤتمرلهذا التوجه، وصباح يوم الخميس20/9/2012م شاهدملايين الناس هؤلاء يرفعون اللوحات المنددة بالهيئة الإدارية للنقابة ويصرحون ضدها، ولكن بفارق(4)ساعات فقط وجدناهم يزاحمون على كروت الأرض على إستحياء ومنكسين هامتهم خجلاً من فعلتهم الصباحية بل ويقولون دون حياء دعونا نحلم وعندما تسئلهم لماذا تغيرت مواقفكم من الصباح يكون ردهم الصباح ببلاش والآن قيمة القطعة الأرض(28)مليون من يديها لك وبعدين (السكن هو الوطن، ثم أنا وأولادي أولاً وبعدي الطوفان)..
من المؤسف أن هذه المجموعة قدموا صورة سيئة لأعضاء المؤتمر الشعبي العام وأعضاء هيئة التدريس فحديثهم عن الوطنية والمصلحة العامة لم يصمد حتى(4)ساعات، هؤلاء وصوليون يخدعون حزبهم وجماهيرهم حتى يحصلوا على مكاسب زائلة هؤلاء يستغلون حزبهم للحصول على المناصب الإدارية والسياسية بقصد المنفعة الشخصية فقط!!!ه
ؤلاء على المؤتمر الشعبي العام أن يتخذ ضدهم أشد العقوبات الحزبية، فهؤلاء في الصباح مؤتمريين وفي المساء من أنصار اللقاء المشترك، من المؤسف أن غالبية المعارضين الذي يسوقون الأسباب المنطقية لوقوفهم ضد توزيع الأراضي يقولون أعطونا وسوف نسكت وإلا سوف نعارض ونحرض ونشكوا...الخ، تلك قضية من قضايا الصراع على الأرض لدى النخبة الثقافية في المجتمع التي أظهرت انفصاماً في الشخصية وازدواجية تدعوا للحسرة والألم.
ج- قضية عجيبة تتعلق بأرض مصنع الغزل والنسيج فمع توقف المصنع بدأ عمال المصنع ببناء بعض المساكن الشعبية في أرض تابعة للمصنع وتداعى عمال المصنع للبسط على تلك الأرض بشكل هادئ لما لها من أهمية قصوى كونها في قلب المدينة، عندها تدخل الملاك الأصليون للأرض لأنهم تركوها للمصنع للاستخدام الشخصي، وتحول الخلاف إلى مواجهات مسلحة تدخلت على إثرها الشرطة، وأزالت تلك المباني العشوائية، وعلى الرغم اعتداء العمال على أرض المصنع فإنهم حالياً يطالبون بالتعويض عن المساكن المزالة!!!
د- هناك قضايا عديدة تتمثل بالبسط على مساحات واسعة لصالح شخصيات نافذة أو مجموعات من العاملين في القطاعات المدنية والعسكرية، على الرغم من ملكيتها لأسر من مديريات أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء .
ه - المعارك الدائمة بين الأفراد للسيطرة على أراضي يختلف في ملكيتها ويذهب ضحيتها العشرات من المواطنين بين قتيل وجريح.
ثانياً/ محافظة الحديدة : وهناك نجد مافيا تبسط على الأرض وتحولها إلى مزارع أو مدن سكنية دون حسيب أو رقيب، ففي الحديدة مزراع أجبر ملاكها على بيعها بثمن بخس فخيارتهم محدودة بين البيع أو النهب، والأمر ممتد كذلك إلى مساحات تحولت إلى مدن سكنية ومنشآت عمرانية، وكم من حالات يجبر فيها صاحب العشة على ترك عشته مكرها لتحويلها إلى حوش لأحد جيرانه النافذين، بل وامتدت أيادي النافذين إلى حرم مطار الحديدة الدولي، في الحديدة معركة غير متكافئة بين سكان بسطاء، ونهابين مدججين بأحدث الأسلحة، وأجهزة أمنية دورها معدوم في حماية الحق العام أو الخاص لأسباب تتعلق بتركيبة تلك الأجهزة وعلاقتها بمراكز النفوذ، وبالتالي أصبح المواطن مغلوب على أمره والمال العام لاحارس له، ويكفي كمثال مانشرته الحديدة موثق بخريطة لمزرعة للرئيس السابق تصل مساحتها(9.7كيلومترمربع أي حوالي220ألف لبنة)وجواره عدد من المزارع في منطقة تسمى (الجر)تخص زملاء العمل السياسي من كبار مسئولي الدولة حتى سماها البعض بمنطقة الحي السياسي أسوة بمنطقة حدة.
ثالثاً/ المحافظات الجنوبية: بداية بلقاء للدكتور صالح باصرة مع صحيفة اليقين حيث أكد(أن أكثر من ستين شخص عندهم أكثر من مائة بقعة وكل بقعة مساحتها من ألف فدان إلى(20)ألف فدان، والعشرين ألف فدان=84مليون متر مربع أي مايقرب من مليوني لبنة عشاري أو8400هكتار وبحسبة بسيطة أن أرض واحد من هؤلاء الفطالحة لو وزعت على سكان الجمهورية اليمنية لكان نصيب كل فرد حوالي(3.5مترمربع)، وأكد أن هؤلاء النافذين وناهبي الأرض فيهم رجال أعمال وقيادات عسكرية وسياسية وقبلية وبعضهم شخصيات أعطيت لهم الأرض لكسب ولائهم وشعبيتهم وتأثيرهم، وأنهم يتوزعون على عدد من المحافظات وبما يصل تقريباً إلى20%محافظات جنوبية و80محافظات شمالية، تلك من أبرز القضايا حيث وجدت قوى النفوذ أرض واسعة وملكية شخصية محدودة، ووفق ثقافة الفيد لم تجد تلك القوى ما يمنعها من استباحة مئات الكيلومترات، وبدأت أعمال التسوير وتشييد المشروعات السكنية والتجارية...إلخ، وأصبح إبن المحافظات الجنوبية يكافح في الحصول على قطعة أرض تأويه بينما يرى بأم عينيه مساحات شاسعة يلتهمها أمراء الحرب وحلفاؤهم، ويكفي أن نعرف أن السبب المباشر لتصاعد المطالب الانفصالية قضية الأراضي المنهوبة في المحافظات الجنوبية، ومن ثم يمكن القول إن أي مكروه تتعرض له الوحدة اليمنية لا سمح الله يتحمل وزره تلك المجموعة المتنفذة من نهابي الأراضي سواء كانوا من شمال الوطن أو جنوبه.
أخيراً ما سبق كانت نماذج من حرب الأراضي بينما هناك عشرات القضايا التي لا يتسع المحال لذكرها وربما لدى القارئ الكريم قضايا أخرى عديدة لم يسبق إثارتها على المستوى الإعلامي، لذا لابد من إعادة النظر في التعامل مع قضايا الأرض التابعة للدولة، ويجب على حكومة الوفاق الوطني ورئيس الجمهورية وبصفة عاجلة معالجة قضايا الأرضي التي سيطر عليها المتنفذون بصورة غير مشروعة ومن ضمن ذلك ما تم شراؤه من الجهات الرسمية بالحيلة وبثمن لا يتوافق مع سعر الزمان والمكان، ونعتقد إلى حد كبير أن معالجة تلك المشكلة سواء في المحافظات الجنوبية أو الشمالية سيؤثر بصورة مباشرة في معالجة التوتر السائد في المحافظات الجنوبية وسيشعر سكان سهل تهامة أيضاً بالحدود الدنيا من المواطنة المتساوية.