أحدهم يبصق بشكل علني مقزز، والثاني يدخن ويشتم من يعترضه على مرأى ومسمع، بينما الثالث يريد منك رشوة لا تعرف لماذا بالضبط؟!
تلك بعض الشواهد التي رأيتها سريعاً في مطار صنعاء مؤخراً، وهو بمجرد الوصول إليه سرعان ما يصيبك بالأسى على حال البلد مقارنة بالمطارات الراقية، بل لعله يظهر وبقوة حالة استسلامنا البليدة لسيئات الدولة وحماقات إرادتنا المعطلة كشعب.
فالحاصل أن كل مسئول يمني يخرج إلى العالم ليرى مطارات تجلب الشرف لبلدانها، لكنه يعود دون أدنى شعور بالمهانة أو بالألم على حال بلده من خلال بؤس مطار صنعاء القروي والمال العام المهدر فيه وذهنية الفساد اللامبالية التي لاتزال تسيطر.
بالتالي يجب تغيير معظم كادر هذا المطار بأسرع ما يمكن..
ثم أليست هذه مرحلة جديدة كما ينبغي؟ أم هي الاستمرار الأكثر فجاجة لمرحلة صالح ووعيها؟
نعم.. يجب التأكيد على تطور وعي اليمنيين من خلال الاهتمام اللائق بالمطار كبوابة ثقافية وأخلاقية للبلد.. ويا ترى ما المانع من استئجار شركة دولية لخدمة أهم مطار يمني؟
فالمطار لايزال ببوابتين يتيمتين لا تدفعان للإعجاب بحاضر أو مستقبل أحلامنا في التطور الحقيقي، كما أنه ليس من تطور يستحق الذكر في هذه المنشأة الحيوية العامة غير تطور التخلف المشين المتبع فيها منذ عقود.. ثم ما هي الصورة التي يأخذها الوافدون اليوم عنا من خلال هذا المطار المخزي؟.
بالتأكيد سيكونون فكرة مصدومة عن كيفية تصالحنا كصنف لا يبالي من البشر مع أفكار بدائية تقود إلى الانحدارات.
كذلك من يشاهد حال مطار صنعاء لا يثق بأية تحولات يقال إنها تحدث في البلد خصوصاً بعد ثورة يفترض أنها كانت ضد الاخلالات المتراكمة التي مازالت تحصل في إدارة الدولة والمجتمع.
فلا أهلية لمطار صنعاء كما نعرف، بينما وعي الدول في التحول يظهر في مطاراتها بشدة. بالمقابل لايزال مطار صنعاء القروي بلا مدرجات هبوط وإقلاع محترمة، كما لا تُقدم فيه أدنى الخدمات الشاملة والراقية للمسافرين، بل أكاد أجزم أنه أحط مطار بالعالم على صعيد النقل الجوي.
لكن للأسف.. يبدو أن الهمجية والانفلات في عدم تطبيق الصيغ والقوانين الحديثة من أهم سماتنا العامة كيمنيين، بحيث صارت تستمر في التحكم بحياتنا؛ كونها التفكير الرسمي السائد، أي بدون اعتبارات حقيقية لضرورة التقدم واستيعاب شرطه الأول المتمثل بأهمية تحمل الدولة لمسؤوليتها، ما جعل عقل هذه الدولة مستمرة في إرث ارتكابها للأخطاء الجسيمة منذ عقود، بل وتزداد الإشكالية المكرسة في تواني الدولة عن تقديم أية بارقة أمل للتصحيح، حتى صار الظن الجمعي يرى في تلك الأخطاء المقدسة استحواذاً على كافة تصرفات الدولة والمجتمع معاً.. الاستحواذ المتفق عليه كما هو واضح بين الشعب ومسئوليه بوعي وبدون وعي أيضاً.
وهكذا.. متى سيكون مطار صنعاء دولياً بالفعل، وكمركز اقتصادي يجلب الاعتزاز لليمنيين ودولتهم؟
متى سيكون بوابة رئيسية نموذجية للبلد؟ ومتى على وجه التحديد ستضطلع الدولة بالاعتماد على الكفاءات فيه وعدم الفهلوة في الإدارة والتنظيم؟
أرجوكم أرجوكم اشعروا قليلاً بالخجل فقط..
ولنعول على وزير النقل الجديد الذي خلال فترة قياسية جعلنا نثق بإمكانيات التغيير؛ نظراً لما ينطوي عليه من وعي مسئول وإحساس قدير بمهامه، مع أنه يتعرض لضغوط وإعاقات كبيرة من أزلام فساد تاريخيين لا يريدون سوى استمرار وضعهم الذي يرونه طبيعياً في الإثراء على حساب تدهور البلد ومنشآتها أكثر فأكثر.