لم استطع منع نفسي من الضحك وانا اتنقل بين قناة عدن لايف وعدد من المواقع الالكترونية التابعة للحراك بحثا عن المشاهد والصور التي التقطت لمليونية الحراك ،التي نظمها للاحتفال بذكرى الاستقلال المجيد،لكني لم اجد الا صورة يتيمة للمشهد العام للفعالية ،التقطت من زاوية بعينها،ويظهر فيها الشارع الرئيسي في المنصورة ممتلىء بالمواطنيين.
-كان يفترض مع مثل هذا الحشد الضخم ان يتم توثيقه بعشرات اللقطات والصور ومن اكثر من زاوية لما لذلك من اهمية كبيرة للحراك ومناصريه وقدرته في توصيل الرسالة التي يريدها من اقامة الفعالية إلى مختلف الاطراف داخل وخارج اليمن ،لكن ذلك لم يحصل ،وركزت قناة عدن لايف بدلا عن ذلك على بث مشاهد مقتضبة لجموع المصلين في شارع المعلا اثناء تشييعهم جثمان الشهيدة فيروز اليافعي،اضافة إلى مسيرات لاتباع الحراك في شوارع فرعية .
-ما اريد قوله ان عدم نشر مشاهد وصور واضحة للمشهد العام لفعالية المنصورة والاكتفاء بصورة وحيدة ،يكشف زيف تلك المليونية ،واذا ماسلمنا بعدم التلاعب بتلك الصورة ،فان عدد المشاركين الحقيقين فيها يتراوح مابين اربعين الف ومئة الف شخص،مع ملاحظة ان صحيفة واشنطن بوست ذكرت في تقرير مقتضب لها عن الفعالية انهم عشرات الالاف.
-لجوء الحراك إلى مثل هذه الشطحات يؤكد تحوله إلى ظاهرة صوتية ،منتهجا اسلوب النازيين (اكذب اكذب حتى يصدقك الاخرون )كوسيلة للبقاءوالصمود اطول فترة ممكنة، ومحاولة منه للفت الانظار عن ما يعانيه من انقسامات داخلية وصراع مرير لقياداته على المناصب والنفوذ والتبرعات المالية،والتي اثرت بقوة على مستوى التفاعل الشعبي مع فعالياته جراء عزوف الاف الجنوبيين منذ العام المنصرم عن المشاركة فيها حسب اعتراف عيدروس النقيب نفسه-الذي نشط كثيرا في الاشهر الماضية للترويج للمشروع الانفصالي – وذلك في مقاله (ملاحظات على الحراك).
-تجاهل اهم القنوات الفضائية العربية والدولية فعالية الحراك،وقبلها كلام جمال بن عمر للقيادات الجنوبية التي التقاها في القاهرة ،وتأكيده على الموقف الدولي المتمسك بالوحدة اليمنية وضرورة الحفاظ عليها،يعتبر احدث صفعات المجتمع الدولي للمشروع الانفصالي ،كما ان توجه الوسطاء الدوليون للضغط على قيادات الحراك من اجل اقناعها بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني ،يعني عمليا نكسة كبيرة منيت به قيادات الحراك في الخارج والداخل ،وفشلا لجميع جهودها المبذولة خلال السنوات الماضية لإقناع المجتمع الدولي بإعادة النظر في موقفه من الوحدة اليمنية ودعمه لها.
-الامر الهام الذي يجب على قيادات الحراك معرفته هو السبب وراء اخفاق الحراك في الحصول على دعم المجتمع الدولي للمشروع الانفصالي أو حتى في اقناع قطاع عريض من ابناء الجنوب انفسهم به رغم مرور نحو خمس سنوات على ظهور الحراك.
-اسباب الفشل :يمكن ارجاع فشل الحراك إلى اسباب متعددة اهمها:
-اول هذه الاسباب تسييس الحراك للقضية ،لان ذلك ادى إلى صعوبة اقناع الكثيرين بعدالتها وعبر عن دخول القيادات الانتهازية التي تضررت مصالحها من الوحدة على الخط وسعيها لاستغلال معاناة البسطاء وحقوقهم المنهوبة لصالحها ،ففي البداية كان هناك تفهم وتعاطف واسع النطاق داخل اليمن وخارجه ازاء الظلم والتعسف ونهب الاراضي والممارسات الغير قانونية التي طالت كثير من المواطنيين في المحافظات الجنوبية بعد حرب 94م ،بل ان غالبية المواطنيين في المحافظات الشمالية ابدوا تفهما لمطلب استعادة الجنوب الشراكة في النفوذ والسلطة التي كان معمول بها عقب قيام الوحدة المباركة ،لكن ذلك التعاطف والتفهم تراجع كثيرا مع تمترس القيادات الانفصالية وراء مطلب الانفصال وفشلها في تقديم مبررات لإقناع الاخرين بمنطقيته.
-ثاني اسباب الاخفاق يتمثل في اخفاق قيادات الحراك في توحيد الجنوبيين وراء قيادة منتخبة وموقف موحد،بل ان ركوب القيادات التاريخية لموجة الحراك ،وجلبها لخلافاتها وصراعاتها البينية معها،كان سببا رئيسيا في حالة التشظي والانقسامات المتواصلة التي يعاني منها الحراك ،والتي ادت إلى وجود مايقارب الـ200 فصيل وكيان حراكي حسب بعض التقديرات.
-اما ثالث اسباب الفشل فتمثل في ايمان المجتمع الدولي ان بقاء اليمن موحدا هو امر ضروري لضمان امن واستقرار المنطقة والعالم .
غباء قيادات الحراك :
معظم المبررات التي تسوقها قيادات الحراك للترويج للمشروع الانفصالي غير مقنعة لاحد لمجافاتها للواقع والمنطق ،مما جعل قيادات الحراك تظهر متخبطة حينا ومتناقضة مع ما تدعو اليه حينا آخر ،بل وظهرت في بعض الاوقات وكأنها محدودة الذكاء، وسأوضح ذلك من خلال الامثلة التالية :
-لعل اكثر المبررات غباءً التي يسوقها الانفصاليين للترويج لمشروعهم هو انكارهم ليمنية ابناء الجنوب ،ولا اعرف كيف دار بخلد هؤلاء الاعتقاد انهم قادرين على اقناع المواطنين في الجنوب بانهم ليسو يمنيين ،وان التاريخ والجغرافيا وعلاقات القربى والنسب والعادات والتقاليد المشتركة كلها مجرد اكاذيب ووهم ليس اكثر ،مع العلم ان هذا المبرر لم يقنع غالبية انصار الحراك المنقسمين بين مؤيد للجنوب العربي وبين رافض له ويطالب بالعودة إلى الدولة الشطرية.
-يتجاهل الحراكيون حقيقة ان العوامل المشتركة ومستوى التقارب والاندماج بين المواطنيين في محافظات شمالية مع اخوانهم في محافظات جنوبية يفوق بمراحل ماهو موجود بين محافظات شمالية شمالية أو جنوبية جنوبية ،بمعنى ان العوامل المشتركة ومستوى التقارب والاندماج بين المواطنيين في عدن وتعز مثلا يفوق بمراحل المستوى الموجود بين المواطنيين في عدن وشبوة ، وبالمثل نجد ذلك ايضا بين المواطنيين في ابين والبيضاء ،وبين اب والضالع ،ومارب وشبوة وهكذا .
-ظهر الحراك متناقضا مع نفسه عندما احتفل بثورة اكتوبر الخالدة ،في حين انها تدعو في هدفها الخامس إلى تحقيق الوحدة اليمنية.
-يبرر حيدر العطاس وغالبية القيادات الانفصالية معارضتهم لوحدة 22مايو على انها تمت بقرار فردي من البيض ولم يستفت فيه ابناء الجنوب ،رغم اقتناع العطاس وغيره ان ذلك الامر كان تحصيل حاصل لان الشعب وبالذات في الجنوب كان متلهفا ومايزال للوحدة ، ،اضافة إلى ان الاستفتاء على الدستور والانتخابات التي جرت في البلاد بعد ذلك،عبرت بوضوح عن المزاج الشعبي المؤيد للوحدة .
-يرفع علي سالم البيض شعار فك الارتباط في حين انه وقع على وحدة اندماجية وليس اتحادية ،وليس هناك في الدستور المستفتى عليه مايمنحه الحق في ذلك ،كما يحرص الانفصاليون على ارجاع المشاكل التي واجهتها الوحدة في سنواتها الاولى إلى الرئيس السابق ،في حين يتجاهلون حقيقة ان البيض يشارك صالح مسئولية ماحدث ،بسبب مايعرف عنه من حب التسلط واحتكار القرار ونزقه وعصبيته ،وكلها صفات ساهمت في تعكير الاجواء في ذلك الوقت وبصورة مشابهة لتصرفاته في الوقت الراهن ،التي كانت عامل رئيسي في المأزق الذي وصل اليه الحراك.
-يزعم الانفصاليون ان حرب 94م انهت وحدة 22مايو تماما ،الغريب انهم يريدون اقناع المجتمع الدولي وفي المقدمة الولايات المتحدة بذلك ،متناسين ان وحدة الولايات المتحدة لم تثبت دعائمها الا بحرب قادها الرئيس ابرهام لنكولن ضد الولايات الجنوبية المطالبة بالانفصال ،ولذلك يعتبر لنكولن من اهم الزعماء في تاريخ أمريكا ويحظى بمكانة خاصة لدى غالبية الأمريكيين .
- تلح قيادات الحراك في المطالبة بمنح الجنوب حق تقرير المصير ،متجاهلة حقيقة ان القانون الدولي لايمنح هذا الحق الا في حال وجود تباين عرقي أو اثني أو لغوي في مجتمع ما،وجميعها غير موجودة في بلادنا .
-تصر قيادات الحراك بان يكون الحوار بين شمال وجنوب مستندة إلى قراري مجلس الامن (924و931)رغم ان نائب السفير الالماني بصنعاء اكد لهم بوضوح وبعد مراجعة دقيقة وحرفية لصيغة ومضمون القرارين انه لايوجد فيهما ماينص على ان يكون الحوار بين شمال وجنوب ،وانما يركزان على دعوة جميع الاطراف إلى الجلوس على طاولة الحوار .
-يطالب الانفصاليون بالاعتذار للجنوب عن حرب 94م ضمن شروطهم للتهيئة للحوار ،وهو مطلب غير بريْ لعدة اسباب منها ان الاعتذار يثبت ان الحرب كانت بين شمال وجنوب في حين ان الحقيقة ان ثلثي الجنوب شارك أو وقف إلى جانب الوحدة، امابالنسبة للاعتذار فالواجب ان يكون على الظلم وانتهاكات حقوق الانسان والممارسات الغير قانونية التي تعرض لها الكثير من المواطنيين بعد الحرب.
-يتمترس البيض وراء موقف اقل مايمكن وصفه بلغة اخواننا المصريين بانه "استهبال" ،فالرجل يطالب بحوار بين الشمال والجنوب من اجل الانفصال ،فاذا كان الهدف من الحوار هو اضفاء شرعية على الانفصال فلا داعي له، واجزم ان غالبية اليمنيين يفضلون بقاء الوضع على ماهو عليه ولا الذهاب إلى مثل هذا النوع من الحوار ،والانتظار إلى حين تعافي الدولة وتحسن قدرتها في حلحلة المشاكل في الجنوب واستعادة ثقة المواطنين هناك وسحب البساط تدريجيا من تحت اقدام القيادات الانفصالية.
- من الواضح أن قيادة قوى الحراك لم تستوعب بعد طبيعة مرحلة مابعد ثورة 11 فبراير 2011 وانتخاب احد ابناء الجنوب رئيسا لليمن،وان مبررات التهميش والاقصاء التي ترفعها للمطالبة بالانفصال لم تعد منطقية أو مقبولة لدى غالبية القوى داخل وخارج اليمن .
-تزعم قيادات الحراك ضمن محاولتها التأثير على الموقف الاقليمي والدولي الداعم للوحدة ان قيام الدولة الشطرية في الجنوب ،يضمن امن واستقرار المنطقة وسلامة الملاحة الدولية ،وهو امر مردود عليه:
- في حال افترضنا جدلا ان الانفصال سيؤدي إلى تقسيم اليمن إلى شطرين فقط ،فانهما في الغالب سيكونان عرضة لمحاولات استقطاب من القوى الاقليمية والدولية ،ولان حالة التوتر والعداء ستكون هى السائدة في علاقات الشطرين،فان قيادة كل شطر ستميل اكثر إلى جانب القوى الاقل دعما للشطر الاخر ،وهو مايعني ان اليمن بشطريها ستتحول إلى ساحة رئيسية للقوى الاقليمية والدولية لتصفية حساباتها وصراعاتها .
-في الغالب ستنظر قيادة كل شطر إلى الشطر الاخر كمخرج للهروب من ازماتها ومشاكلها الداخلية ،عبر الترويج الاعلامي والسياسي لاظهار النظام في الشطر الاخر كعدو خارجي ،واستخدامه كأداة من اجل توحيد الجبهة الداخلية ،كما سيكون الشطر الاخر هو الشماعة التي سيتم اللجوء اليها لتعليق كل اسباب الفشل والاخفاقات في تلبية مطالب المواطنيين وتحسين ظروفهم المعيشية.
-اذا افترضنا جدلا ان الجنوب بثرواته وعدد سكانه القليل سيتمكن من تحقيق الاستقرار فيه ،لكنه سيجد نفسه واقعا في حرب استنزاف مع الشمال ،الذي لن يجد سوى افتعال الازمات المتتالية مع الجنوب هربا من مشاكله جراء قلة مواردة وكثرة عدد سكانه .
-اولى الازمات المرجح نشوبها بين الشطرين ستكون سببها الحدود ،وذلك بسبب عدم وجود اتفاقية حدودية سابقة بين الشطرين ،ونظرا للتداخل الشديد بين الشطرين ،فأن التوصل إلى اتفاقية لترسيم الحدود قد يستغرق سنوات طويلة ،بل ان هناك قوى في الشمال والجنوب غير راضية عن التقسيم الذي كان سائدا قبل الوحدة ،فهناك قوى في الشمال مقتنعة بان عدن اصلا مدينة شمالية بامتياز سواء بحكم الجغرافيا واعتبارها امتدادا طبيعيا للشمال أو لان اغلبية سكانها من اصول شمالية ،ولاننسى ان بريطانيا طلبت من الامام يحيى تعيين نائباً(محافظ)له في عدن ،ورفض ذلك بحجة عدم قدرة المملكة المتوكلية على دفع راتبه.
-وبالمثل اكد ناصر النوبة وقيادات اخرى في احدى فقرات مسودة الدستور المؤقت التي اصدروها العام 2010م على ان البيضاء ارض جنوبية ،وهو الامر الذي اكد عليه ايضاً محمد علي احمد اثناء لقاءه بوفد من مشائخ البيضاء عقب عودته إلى ارض الوطن ،والمعروف ان البيضاء ضمت إلى الشمال مقابل ضم الضالع ويافع الشرقية إلى الجنوب بموجب اتفاق بين الامام وبريطانيا في خمسينات القرن الماضي ،والطريف هنا ان انهاء العمل بهذه الاتفاقية معناه ان اهم معاقل وقيادات الحراك الانفصالي ستعود إلى الشمال .
غباء ام سذاجة:
-اليس من الغباء ان تصر القيادات الانفصالية على منح الجنوب حق تقرير المصير في حين انها تدرك انها بذلك تفتح الباب على مصراعيه لتقسيم الجنوب من جديد،لان حصولها على حق تقرير المصير سيعطي الحضارمة فرصة تاريخية انتظروها طويلا للمطالبة بحق تقرير مشابه لهم ،ولاشك ان الشمال والسعودية سيدعمان مثل هذا التوجه ،ونظرا لان العطاس وقيادات اخرى تستند في مطالبها بحق تقرير المصير إلى النموذج السوداني ،فأن ذلك سيصب لمصلحة حضرموت ايضاً،لان اتفاقية نيفاشا للسلام اعطت منطقة ابيي النفطية الحق لسكانها في اجراء استفتاء لتقرير مصير منطقتهم .
-اليس من الغباء عدم اخذ تحذيرات قيادات جنوبية مخضرمة امثال الدكتور ياسين سعيد نعمان وانيس حسن يحيى وصالح باصرة وغيرهم،بأن الجنوب في حال الانفصال مهدد بحروب جهوية والتشضي إلى سلطنات ومشيخات عديدة .
-اليس من الغباء ان يتم تبرير كثير من الحراكيين مطالبتهم بالانفصال إلى نهب الشمال لثروات الجنوب وانهم سبب المشاكل التي يعانوا منها ،وذلك لانه يفتح المجال لحضرموت وشبوة للجوء إلى ذات المبررات للمطالبة بالانفصال عبر اتهام محافظات لحج والضالع وابين بانها مصدر المشاكل والازمات الرئيسية التي شهدها الجنوب قبل الوحدة ،والاعتقاد ان السعي لنهب الثروات النفطية والغازية للمحافظتين هي من اهم دوافع الصراع المحموم بين قيادات الحراك في المحافظات الثلاث للسيطرة على قيادة الحراك والجنوب مستقبلا .
-هل من الذكاء ان يتم تسخير امكانيات الحراك وتركيز جهوده لحشد الاتباع ،وماتحمله معها من احتمال انكشاف حجمها الحقيقي على الارض من اجل ارسال رسالة إلى المجتمع الدولي يؤكد فيها اصراره على موقفه ؟في حين ان هذا الطرف " المجتمع الدولي" لا يلقي بالا لذلك كونه قد حسم امره مسبقا من هذه القضية،الا تدرك هذه القيادات ان عدم التفات المجتمع الدولي لهذا الحشد سيرتد سلبا على معنويات اتباع الحراك ،وسيحدمن مشاركتهم في الفعاليات التالية.
-اليس من الغباء الظهور في موقف معارض للرغبة الدولية !!والظهور كمن يرفض الحوار من اساسه وعدم ابداء أي مرونة حيال ذلك ،الا يساهم مثل هذا التشدد في ظهور جناح متشدد في الطرف الاخر بل وترجيح كفته مستقبلا ،وهاهى اولى المؤشرات على ذلك قد بدأت في الظهور مؤخرا في تصريحات صادق الاحمر وفي البيان المنسوب لاتحاد علماء اليمن وتصريحات لأعضاء في مجلسي النواب والشورى وصحفيين وغيرهم .
- واهم من يتصور من ابناء الجنوب انه بمجرد الانفصال عن الشمال ستنتهى معاناته وستحل جميع مشاكله وبالذات الاقتصادية منها،وذلك لان الشطرين سيدخلان في حرب باردة طويلة الامد ،وستكون عشر محافظات حدودية على خط النار ،حتى لو افترضنا ان العلاقة بين الشطرين ستكون عادية ،فأن كل مايطرح من مقترحات من قبل قيادات الحراك لوضع الجنوب مستقبلا يقضي باعتماد نظام فيدرالي بين المحافظات ،بمعنى ان عائدات النفط والغاز ستذهب لمصلحة ابناء شبوة وحضرموت فقط .
- من المفروض ان تدرك قيادات الحراك الشابة خطورة رهن مصير خمسة مليون انسان في يد قيادات لعبت دورا رئيسيا في معظم المآسي التي شهدها الجنوب منذ استقلاله وحتى قيام الوحدة المباركة ،وكذا مشاركتها في ايقاع الجنوب في فخ الوحدة حسب مايراه الانفصاليين ،كما تسبب ركوبها لموجة الحراك في حالة التخبط والتشظي والصراع التي يعاني منها الحراك حاليا،الا يعتبر ذلك مغامرة خطيرة وقفز في المجهول!! الا يدرك انصار الحراك ان من يقتل ويسفك الدماء ويدمر لايستطيع احلال السلام وبناء الاوطان !!
-تعالوا نلقي نظرة على ابرز تلك القيادات ولنبدأ ب حسن باعوم الذي يحلو للبعض تسميته ايقونة الجنوب ،فباعوم رغم انه يتزعم جناح في مكون من مكونات الحراك ،الا انه يتعمد في تصريحاته والبيانات الصادرة عنه كتصريحه قبيل مغادرته إلى القاهرة ،على تنصيب نفسه رئيسا للجنوب باستخدامه مصطلحات مثل :شعبي العزيز ،وطني ...وتبدو الاناء حاضرة بقوة في تصرفاته ،ورغبته في احتكار السلطة لنفسه والتفرد في القرار واضحة لديه ،كما حصل عندما خول لنفسه خلال انعقاد مؤتمره العام مطلع اكتوبر المنصرم حق اختيار نائبه وعدم ترك ذلك للاقتراع ،وهاهو يحرص على توريث مكانته لاولاده ،وكأنه يستلهم تجربة الرئيس السابق في الحكم .
-يفترض مع وصف باعوم بالأيقونة ان يكون حمامة سلام وليس داعية حرب ، الا ان تاريخه المعروف وميله للصدام والمواجهة تكشف خلاف ذلك ،فباعوم اشرف شخصيا على سحل 18 رجل دين عندما كان محافظا لشبوة في سبعينات القرن الماضي،وهاهو في مؤتمر صحفي عقده مطلع اكتوبر الماضي بعد ان يأس من تجاوز قيادات الحراك خلافاتهم البينية يدعو قيادات الحراك إلى ترحيل خلافاتها إلى حين طرد "المحتل" وكأنه يبشر باستئناف القيادات الجنوبية دورة التصفيات الدموية التي كان يشهدها الجنوب كل خمس سنوات تقريبا .
-ولا يختلف حال قيادات الحراك الاخرى عن باعوم كالبيض وعلي ناصر والعطاس،فيكفي الدور الذي لعبوه في احداث 86 المروعة لترمي بهم في مزبلة التاريخ، وليس اعطاؤهم فرصة اخرى لذبح اليمنيين ونهب خيرات البلاد ،ولعل الكثيرين لا ينسوا ان العطاس ظل يرفض لقاء البيض حتى وقت قريب بسبب نهب الاخير لخزينة الجنوب خلال حرب 94م ، واحتكار المليارات لنفسه ،والملاحظ ان هذه القيادات لا تتحرج من رمي نفسها في احضان قوى اقليمية ،والظهور امام انصارها كأدوات لأجندات خارجية في مثل هذا الوقت الحساس .
-في حال افترضنا حسن النية في قيادات الحراك وانها بمجرد الانفصال ستتمكن من حل خلافاتها ولن تتحول إلى ادوات صراع إيراني –سعودي في الجنوب،فان الوضع في الكيان الوليدلن يستقر الا بعد تجاوز عقبتين رئيسيتين تتمثل اولاهما في انصار الوحدة من الجنوبيين ،وبحسب كلام سابق للبيض بأن 70% من الجنوبيين مع الانفصال ،مايعني ان هناك 30% مع الوحدة ،والمرجح ان غالبية هؤلاء يتركز تواجدهم في ابين وشبوة وعدن ،ونظرا لان الانفصال معناه حرمان ابناء ابين وشبوة من السلطة في عموم اليمن، التي بدوءا يسيطرون عليها فعليا ،الامر الذي سيجعل هؤلاء يقاومون بشراسة قيام الكيان الانفصالي .
-اما ثاني العقبات امام استقرار الوضع في الكيان الوليد، فستكون في الكيفية التي سيتم التعامل مع الطموح الحضرمي في اقامة دولتهم المستقلة عن الجنوب ،بمعنى ان هناك دورتان دمويتان على الاقل ستكون ثمن ضروري لابد من دفعه لضمان وقوف الكيان الشطري على قدميه من جديد وياله من ثمن .
-لوحظ في الاونة الاخيرة ان عدد ممن يسمون انفسهم رجال دين جنوبيين ،تصدروا عمليات التحريض المناطقي ضد ابناء الوطن الواحد ،متجاهلين ابسط تعاليم ديننا الحنيف ،من هؤلاء احد الخطباء في محافظة لحج ،الذي اعتبر اثناء احداث غزة الاخيرة ،أن ممارسات مااسماه الاحتلال اليمني بانها ابشع من الاحتلال الصهيوني ،اعتقد ان مثل هذه العقليات وشطحاتها قد تكون سببا لتعرض العلماء ورجال الدين في الجنوب لعمليات سحل وابادة تنفذها قيادات الحراك ذات الخلفية الماركسية في حال انفصل الجنوب .
-يحلو لإخواننا في الحراك وصف مايسمونه الاحتلال الشمالي بالقبلي والهمجي البربري والمتخلف وغير ذلك،ربما يكون في ذلك شيئ من الواقع جراء غياب الدولة وعمليات الفيد والبسط التي قام بها عسكريين وقبليين في السنوات الماضية ،لكن ماتقوم به قيادات الحراك الجنوبي لايخرج عن تلك الصفات ،فهاهي تتنازع على رئاسة دولة لاوجود لها ،وتتواجه إلى حد الاشتباك المباشر على اتفه الاسباب كما حصل في تنازع الشنفرة و الدكتور صالح بن يحيى على رائاسة اجتماعات المجلس الاعلى اثناء غياب باعوم خارج الوطن وما كان منهما الا اللجوء إلى عملة معدنية لحسم الخلاف ،بعدها يعترض الشنفرة على النتيجة لان القطعة تابعة للاحتلال اليس ذلك هو التخلف بذاته !! اليس تشظي الحراك إلى مايقارب الـ200 فصيل جراء التناحر على المناصب والتبرعات قمة التخلف والجشع ،الم يتراجع دور الاكاديميين والمثقفين في الحراك في الفترة الاخيرة مقابل تصدر المشائخ والعسكريين !!ويتناسون تجربة القبائل الماركسية،اعزائي خلو الطبق مستور كلنا من طينة واحدة .
-اخواني في الحراك وفي الجنوب الحبيب ادرك تماما ان ماطرحته سيثير غضب الكثيرين في الحراك وسيتسابقون لتوجيه مختلف الاتهامات لي بكراهية الجنوبيين والسعي لإثارة الفتن والخلافات بينهم وغير ذلك ،لكني اود التأكيد على ان لو كان عندي قناعة ولو بنسبة واحد في المليون بان في الانفصال حل لمشاكل الجنوب ،لكنت في مقدمة المؤيدين له.
-قناعتي ان الانفصال لن ولايمكن ان يكون حلا ابدا،ولن يأتي منه سوى خراب وتدمير البلاد،اذا اردنا الخروج من الازمة وحل مشاكلنا لابد من الابتعاد عن المزايدات والتشدد ولغة التخوين وتقديم مصلحة الوطن على ماسواها ،وان نتكاتف من اجل اقامة الدولة المدنية ،دولة النظام والقانون والعدالة والمواطنة المتساوية ،والعمل معا على قطع الطريق امام القوى التقليدية في الجنوب والشمال،والحيلولة دون سرقة احلامنا وثورتنا مرة اخرى .