كثيرا ما يخرج علينا بعض الساسة بإدعاء أن ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن, وما يحدث في سوريا والعراق وغيرها, ما هي إلا مخططات غربية, وسبق أن رددت كثيرا على هذا الإدعاء، وناقشه الكثير من الكتاب والمفكرين إلا انه ما يزال يتردد.
ما زال يردده الحكام والساسة، ويردده من سار سيرهم وأحب العيش تحت كنفهم وحمايتهم، سواء أكان دفاعهم حب للحاكم واقتناع بما يفعله أو كره للتغير وخوف منه وكما يقول أخوننا المصريون " إللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش " أو كما نقول في الجزيرة العربية " خلنا على طمام المرحوم " أي أترك البيت كما بناه الأقدمون ولا تحاول التغيير .
ولكن الغريب أن يصرح كل حاكم يتظاهر شعبه، أن مطالب الشعب مشروعة ومحقة وأنه سيعمل على تحقيق هذه المطالب. بينما هؤلاء الحكام حقيقة لا يفعلون شيئا سوى المماطلة والتسويف، فلماذا يماطلون ويسوفون في حقوق شرعية وحقيقية؟
ولماذا يدّعون أن الحركات الشعبية التي تحمل مطالب شرعية كما يقولون, هي مؤامرات أجنبية، وهل الغرب هو الذي حرك الشعوب وسيحرك البقية من اجل المطالبة بحقوقه؟
وما هي الحقوق التي تطالب بها الشعوب؟
إذا أردنا إجمالي مطالبات الشعوب سنجدها بديهية، وحقيق بكل إنسان الحصول عليها، يل يلزم اعتبار عدم الحصول عليها حالة شاذة لا يمكن استمرارها إلى الأبد .
مطالب الشعوب هي :-
- محاربة الفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ومحاربته والوقوف ضد ممارسيه وقفة جادة واضحة.
- سيادة القانون على كل إفراد الشعب، فكلهم سواسية ولا يجوز قبول مخالفة علية القوم ووجهائهم والتغاضي عنها بينما يحاسب غيرهم من أبناء الشعب حسابا عسيرا على أخطاء تقل كثيرا في الحجم والمستوى عما اقترفه المقربون من الحاكم وأهله وأبناء عمومته .
- المساواة في توزيع الثورات، فلا يجوز أن يحصل الحاكم والمقربون منه وأهله بنصيب الأسد من الثروات الوطنية بينما لا يحصل الشعب إلا على الفتات, وحتى الفتات يحصل عليه حسب قربهم أو بعدهم من الحاكم أو أهله وجماعته .
- مراقبة أداء الحكومة، ومراقبة اداء المسئولين، ومحاسبة المقصرين والفاسدين والمفسدين، لا أن يبقى المقصر منهم في السلطة، ولا أن يتحكم الفاسدون والمفسدون في مصير الأمة ويبقون في مناصبهم حتى يقرر الحاكم التخلص منهم .
- حرية الكلمة والتعبير، وعدم التعرض لأصحاب الفكر المخالف بالأذى والسجن والتغريب لا لشيء سوى أنه يفكر بطريقة لا تناسب الحاكم أو لأنه ينقد أدائه أو أداء بعض المسئولين، فلا يجوز شرعا ولا عقلا أن يضار أحد بسبب فكره . فحتى إن كره الحاكم وحاشيته مخالفيهم وكرهوا أرائهم فيكيفهم قوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} ألا يسعهم ما وسع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما جاءه قاتل أخيه زيدا في حروب الردة ، فقال له عمر: أأنت الذي قتلت زيداً؟ قال: نعم، قال عمر: اغرب عن وجهي، فإني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم!.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، أوَ يمنعني هذا حقي؟ قال: لا. فقال: أيحل هذا جَلد ظهري؟ قال: لا. فقال الرجل: ما لي ولحبك، إنما يبكى على الحب النساء.
هذه هي مطالب الشعوب، فلما لا يحققها الحاكم؟ لماذا يحتاج الشعب لأن يثور مطالبا بحق يقره الدين و الشرع؟ لما يقتل ويشرد من يطالب بها؟
والسؤال هنا للحكام ومؤيديهم ومن يناصرهم . هل مثل هذه المطالب مؤامرة خارجية؟ هل من يطالب بحقوقه مرتبط في الخارج؟
لا أنكر أن الغرب والشرق يحاول اقتناص الفرص والوثوب على هذه الأمة والسيطرة عليها، ولكن السؤال هنا :- من أعطاهم الفرصة؟
هل هو الشعب الذي صبر وصبر ثم صبر حتى ملّ الصبر, هو المخطئ أم هو الحاكم الذي يمسك بزمام الأمور ويستطيع رد المظالم وإقامة العدل والشفافية في الحكم؟
كيف يسكت المسلمون وهم يقرءون قوله تعالى: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون"حيث فسرها القرطبي: "أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه"
إصرار الحكام على الاستمرار في ظلم شعوبهم وسرقة ثروات وطنهم هي الخطيئة الكبرى في حق الشعوب، أتساءل هل مر عليهم قوله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى}.
كتبت هذا ردا على تصريح رئيس مجلس الشورى الإيراني على لاريجاني الذي يقول فيه أن المظاهرات التي تخرج في العراق وسوريا وباكستان هي مؤامرة أمريكية . ويحضرني ما ورد في الأثر أنه كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - يطلب منه مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول عاصمة الولاية. فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم.
نعم أيها الحكام، حصنوا أوطانكم بالعدل، وطهروها من الظلم، حينها ستكون شعوبكم وأوطانكم محصنة قوية ولن تسقط ضحية أي مؤامرة . فحقوق الشعوب ليست مؤامرة .