صحيح أن أخبار اليمن ما عادت في طليعة الأخبار العربية اليومية، لكن ما يجري هناك على أرض الواقع وما يحصل بين يوم وآخر، يشغل عالم السياسة الدولي والاقليمي الخليجي نظراً للموقع الاستراتيجي لليمن بمجاورتها للمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وغيرها من دول الخليج عبر صحراء الربع الخالي وتحكمها بمدخل باب المندب.
اليمن بتشظايتها الأمنية اليومية عبر تفرّق مناطقها سياسياً ووجود قيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب فيها، يجعل العيون مفتوحة عليها، وعلى رصد كل حالة تحدث في هذه المنطقة أو تلك وتأثيراتها على دول الجوار.
منذ التوقيع على اتفاق انتقال السلطة الذي وقّعه الرئيس السابق علي عبد الله صالح في عام 2011 برعاية الولايات المتحدة ودول الخليج، وبموجب الاتفاق سلم صالح السلطة لنائبه الرئيس اليمني الانتقالي عبد ربه منصور هادي، الأمر الذي وضع نهاية لشهور من الاضطرابات السياسية. والتي استمرت في ذلك التاريخ بحسب إجماع كل المراقبين لبقاء أبناء صالح وأبناء شقيقه في المراكز المفصلية القادرة على التخريب في أي لحظة من اللحظات، هذا بالإضافة إلى تحرك الحراك الجنوبي في جنوب البلاد والمطالبة بعودة الانفصال وتحرك تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كلما سنحت الفرصة، والنار التي تصطلي تحت الرماد في الشمال في صعدة على جبهة الحوثيين، هذا إلى جانب الملفات «العويصة» من أمنية واقتصادية واجتماعية في أفقر بلد في العالم العربي يبلغ عدد سكانه ما يزيد على الـ35 مليون نسمة.
منذ التوقيع على الاتفاق الاطار في السعودية برعاية أميركية وخليجية لانتقال السلطة في اليمن عام 2011، كانت الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة ودول الخليج الذين يخشون من أعضاء لتنظيم القاعدة ينشطون في بلد على حدود المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم ويطل على ممرات ملاحية عالمية رئيسية الاستقرار أولاً وآخراً.
في العاشر من شهر نيسان/أبريل الجاري، وبعد فترة تروّي كبيرة وحكمة من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وبعد تهدأة الشارع والنفوس عند أعضاء المؤتمر الشعبي العام، الذي ما زال يرأسه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. أصدر القرارات المفصلية التي أمّنت الأمان للشارع اليمني وذلك في عملية استكمال إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية في اطار المبادرة الخليجية التي لقيت ردود فعل واسعة ومؤيدة للقرارات سواء على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.
وبحسب المعلومات الواردة على الانترنت والمنشورة في بعض وسائل الإعلام وتلك التي حصلنا عليها من مصادرنا اليمنية في صنعاء فقد أعلنت أبرز الأطراف المعنية بالقرارات والتغييرات تأييدها للقرارات، وأكد اللواء علي محسن الأحمر الأخ غير الشقيق لعلي عبد الله صالح قائد الفرقة الأولى مدرعات الذي انشق عن الجيش عام 2011، خلال الإحتجاجات المناوئة لصالح والذي عيّن مستشاراً رئاسياً للشؤون العسكرية عن تأييده للقرارات، كما أعلن أحمد علي عبد الله صالح، قائد الحرس الجمهوري (سابقاً) تأييده للقرارات التي أبعدته عن موقعه العسكري المهم وعيّن بموجبها سفيراً ومفوضاً للجمهورية اليمنية لدى دولة الامارات العربية المتحدة.
وشملت قرارات إعادة الهيكلة إبعاد عدد من أقرباء الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي لم يعلق عليها حتى كتابة هذه السطور، إضافة إلى محسوبين على الأطراف الأخرى إلى خارج البلاد في مواقع دبلوماسية متعددة. ولا مجال لذكر كل الأسماء سوى ذكر أبناء شقيق صالح العميد الركن طارق محمد عبد الله صالح الذي عيّن ملحقاً عسكرياً في سفارة اليمن بألمانيا الاتحادية، كما عيّن شقيقه العميد الركن عمار محمد عبد الله صالح ملحقاً عسكرياً في سفارة اليمن في اثيوبيا، كما عيّن العقيد الركن هاشم عبد الله بن حسين الأحمر ملحقاً عسكرياً في سفارة اليمن لدى المملكة العربية السعودية.
ونصت القرارات الصادرة على تكوين مستشارية خاصة بالقائد الأعلى للقوات المسلحة في اليمن وشملت أحد أشقاء الرئيس السابق وغيرهم من كل الأطراف. أيضاً قسمت قرارات الرئيس هادي مسرح العمليات العسكرية إلى 7 مناطق عسكرية هي:
الأولى: في محافظة حضرموت.
الثانية: في مدينة المكلا بنفس محافظة حضرموت.
الثالثة: في محافظة مأرب.
الرابعة: في مدينة عدن.
الخامسة: في مدينة الحديدة.
السادسة: في مدينة عمران.
السابعة: في مدينة ذمار.
ومن القرارات الصادرة عن الرئيس هادي، تحويل مقر الفرقة الأولى مدرع (سابقاً) والمجاورة لساحة التغيير قرب جامعة صنعاء والتي كانت مقراً للواء علي محسن الأحمر إلى حديقة عامة باسم حديقة «21 مارس/ آذار 2011». وأعلنت السلطات المحلية في صنعاء أن الحديقة ستكون الأكبر في اليمن.
أمام هذه القرارات والتغييرات الهامة أعلنت منظمات المجتمع المدني ومحافظون وهيئات حكومية وغير حكومية تأييدها، في حين اعتبر المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر «القرارات شجاعة» وقال «لقد لمست من خلال اتصالاتي ارتياحاً شعبياً ودعماً دولياً قوياً لهذه القرارات. وأنا على يقين انها سوف تصب في مصلحة تعزيز أمن اليمن واستقراره».
وفي ردود الفعل، أعلن مجلس التعاون الخليجي تأييده وترحيبه بقرارات هادي، وأكد الدكتور عبد اللطيف الزياني أمين عام المجلس، في اتصال هاتفي بالرئيس هادي، أن القرارات «جاءت في وقتها تزامناً مع مقتضيات ومتطلبات الحوار الوطني الشامل الذي انطلق في الثامن عشر من آذار/ مارس»، معتبراً القرارات بالشجاعة وخطوة بارزة وضرورية في طريق تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وقراري مجلس الأمن 2014 و2051. ان القرارات بهذه العمومية والشمولية قد مثلت نجاحاً حافلاً في طريق تنفيذ التسوية التاريخية في اليمن. ومؤكداً «التأييد المطلق لهذه القرارات للوصول إلى شباط/ فبراير 2014 الموعد المحدد لاستحقاقات الانتخابات الرئاسية».
الخبير العسكري اليمني العميد المتقاعد محسن خضروف، أكد أن القرارات الخاصة بإعادة الهيكلة عبأت الفراغات التي كانت ناقصة في القرارات السابقة، وبقي اتخاذ بعض القرارات الهامة، مؤكداً أن القرارات تستهدف «الحفاظ على الوحدة اليمنية بشكل أساسي، وجرى عمل حساب للحساسيات المناطقية، وأعتقد أن الرئيس عبد ربه منصور هادي هدفه الأساسي في الوقت الراهن، هو الحفاظ على وحدة اليمن ولا تهمه الانتقادات التي توجّه إليه في التعيينات، وهو يريد إزالة الفكرة السائدة لدى الجنوبيين وهي فكرة الغبن في العمل والمناصب والقيادات.
كما أسلفنا، هناك بعض القرارات التي سيصدرها هادي لاحقاً ولكن ما هي أجواء مؤتمر الحوار الوطني؟
كمتابعة للشأن اليمني، فإن أجواء مؤتمر الحوار تمر بصعوبات وتباينات في وجهات النظر من عموم الأطراف اليمنية وان كانت أكثرها حدة آراء الجنوبيين. وهذا الحوار هام جداً وعلى الجميع أن يطرحوا في هذه المرحلة الانتقالية والمفصلية في تاريخ اليمن همومهم وتطلعاتهم ومخاوفهم حتى يتم مناقشة كل جزئية بوضوح وشفافية، والمؤتمر كما قال الشيخ صادق الأحمر شيخ مشايخ قبائل حاشد: «هو البوابة التي يلج اليمنيون من خلالها إلى المستقبل الزاهر بإذن الله تعالى، أما النتائج فنحن نأمل أن يخرج المؤتمرون بالنتائج التي تحفظ وحدة اليمن وأمنه واستقراره وتجعله قادراً على تجاوز الصعوبات الاقتصادية الكبرى والتفرغ بعد كل ذلك لمرحلة جديدة من الوئام والوفاق والبناء والتطوير وسيادة القانون».
القرارات الجريئة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وتسويتها بهذا الشكل سواء تمت بالقانون أو «بالعرف اليمني» لمراعاة كل التوازنات ووأد الفتن، هي قرارات هامة وضرورية، وجيدة خاصة إنه إستطاع اتخاذها بعد هذا الوقت الذي يعتبر طويلاً خلال المرحلة الانتقالية.
العيون اليوم لمن يهتمون بالشأن اليمني مصبوبة على مؤتمر الحوار الوطني وما قد يصدر عنه لصالح اليمن ووحدته ولصالح دول الجوار.