رغم كل النيات الحسنة والتصريحات المطمئنة التي تتحدث عن أهمية استمرار بقاء اللقاء المشترك لاستكمال مهامه؛ إلا أن هناك أسبابا تفرض على قيادات المشترك أن تدخل في مرحلة يسمونها في القاموس العسكري "وقفة تعبوية" يتم فيها مراجعة الأداء السابق بصراحة تامة لا تقتصر فقط على قيادات الصف الأول ولا على جانب دون آخر، وبهدف تنقية الصف من العوامل السلبية: الداخلية والخارجية التي تعمل بدأب على إضعاف المشترك بل تفكيكه لصالح العدو المتربص على الباب وطابوره الخامس النائم على السرير!
ليس في ذلك أي عيب، ولا يشين أحدا، فإحدى أقوى مواصفات اللقاء المشترك كتحالف سياسي أنه قام على أسس واضحة نجحت خلال الفترة الماضية الصعبة في المحافظة عليه؛ رغم كل ما بذله النظام السابق لهدمه من مؤامرات، وتحريضات، وإغراءات، وإثارة للشقاق، وممارسة دور العجوز الساحرة الخبيثة التي تتحرك في الداخل لزرع المشاكل والفتن! وقبل أسابيع قيل إن اللقاء المشترك أقر وثيقة لتطوير أدائه ومؤسساته؛ لكن إن لم يكن ذلك قد حدث بعد مصارحة حقيقية ومراجعة جادة فأخشى أن تكون ثمرته ضعيفة، ولا تؤدي إلى تحقيق أماني الحريصين على استمراره.
أبرز عامل يفرض المراجعة هو وصول المشترك إلى السلطة، ومشاركته في إدارة البلاد وتحديد مستقبلها، ومن الطبيعي أن تكون فترة المشاركة في السلطة هي الأصعب التي تواجه اللقاء المشترك، فتحت القصف الهمجي، ومع تدفق الدماء وإزهاق الأرواح، ووجود الخصم في موقع القوة المؤثرة يتناسى الحلفاء ما يفرق بينهم لصالح ما يجمعهم.. أما مع السلام، والهدوء، وانفتاح الدنيا فتعود عوامل النخر لتطل برأسها؛ وإن كان ملحوظا أن ذلك قد حدث بالفعل بنسبة ما منذ الشهر الثالث للثورة الشعبية؛ لكن حرارة الموقف يومها أجهضت المحاولات الداخلية الغبية التي حاولت القيام بمهمة تفجير اللقاء المشترك نيابة عن.. الخصم الأصلي!
[2]
ما ينبغي التذكير به للمشترك: قياداته وأعضائه هو أن العدو ما يزال على البوابة بل داخل الحصن، وما يزال لديه رغبة في إعادة الأوضاع القديمة يمكن ملاحظتها بسهولة في ممارساته وتصريحاته، وما يزال لديه من الحقد والإمكانيات العسكرية والمالية المنهوبة ما يجعله يشكل خطرا على ما تحقق حتى الآن من مكاسب؛ إن وجد في المشترك غفلة وهرولة وراء الخلافات البينية على حساب مواجهة الخطر الأصلي، واستكمال تحقيق هدف الثورة الشعبية الأول: بناء دولة ديمقراطية سليمة.
ولأن الأمر كذلك؛ فعلى المشترك أن يستحضر الروح التي كان عليها وهو يقود المواجهة السياسية ما قبل الثورة وأثناءها، وهو يشارك بفعالية في مواجهة عدوان النظام السابق لإجهاض التحرك الشعبي العارم ضده.. ولذلك فإن الوقفة التعبوية ضرورية، ولنبدأ من قيادات الصف الأول، ومن الإعلام المشتركي الرسمي لتحصينه من أن يكون وسيلة لخلخلة قناعة المشتركيين باللقاء المشترك، فليس من المعقول أن يستمر هذا النخر الإعلامي من داخل المشترك وفي الصحف الرسمية بالذات، حيث يتبارى بعض قيادات المشترك ويتسابقون لتوجيه الإساءات لبعض مكوناته؛ كما كان يفعل المتوكل ويفعله الآن حسن زيد؛ وهما يظنان أنهما يمارسان حقا أصيلا لهما متجاهلين أن القيادات الأخرى قادرة إن أرادت أن ترد الصاع صاعين وعشرة.. ولكنها قيادات تعرف معنى أن تكون مسؤولة.. ومهما تكن حيثيات هذا أو ذاك فإن مقتضيات التحالف تربأ بحليف أن يتحول إلى عدو أو خصم لجوج في الوقت الذي يدوام فيه على حضور أنشطة المشترك كأنه لم يفعل شيئا ولم يقل شيئا.. والأسوأ أن ذلك يتم في وسال إعلام بقايا النظام السابق التي وجدت في هؤلاء مصدرا لا ينضب من الاستعداد لتلطيخ كل شيء، وتوجيه الاتهامات دون تحرز من..النجاسة!
والحق أنه ما لم يحسم اللقاء المشترك موقفه من بعض قياداته ورموزه التي تناست التناقض الرئيسي له مع النظام السابق لصالح تناقضات ثانوية؛ وبصرف النظر عن صحتها؛ مع مع مكونات داخل المشترك فإن الحديث عن بقاء المشترك سوف يصل عاجلا أم آجلا إلى ما يشبه الحديث عن أهمية الجامعة العربية على لسان المسؤولين العرب.. ونحن هنا نتحدث عن هؤلاء الذين يبدون عداوة لبعضهم بأشد مما كانوا يبدونه للنظام السابق بل تناسوه، وهرعوا للعمل في وسائل إعلامه وهم يعلمون أن فتح الأبواب والجيوب لهم ليس حبا فيهم ولكن كراهية للبعض الآخر في المشترك! فصاروا مثل ذلك السلف الطالح الذي قيل له: سلم منك الروم والفرس ولم يسلم منك أخوك المسلم.. وهؤلاء لم يسلم منهم روم اليمن وفرسها فقط؛ بل اصطفوا معهم وكأنهم يخوضون معركة الفصل التي غفلوا عنها يوم انخرطوا في النضال ضد نظام صالح!
يحتاج الأمر إلى مزيد من الصراحة والبعد عن الغمغمة والمداراة طالما أن أبرز مكونات اللقاء المشترك ما تزال تؤمن بأهمية بقائه، ولنتنبه أن هناك أعضاء سابقين وآخرين جمدوا نشاطهم في أحزاب اللقاء المشترك؛ وبعضهم محسوبون عليها إعلاميا؛ يعملون بخبث وبعضهم بغباء وبخفة لتنفيذ أجندة النظام السابق، واستغلال التباينات المعترف بها بين مكونات اللقاء المشترك لخلخلته وتوهين الثقة بينها.. وفي ما حدث خلال الأيام الماضية دليل على ما يمكن أن تصل إليه الأمور بعد أن أهملت القلوب وعوامل المحافظة على الثقة فتراكم فيها ما تراكم.. فصار نشر شيء من الحق أو الباطل سببا لتعكير الأجواء داخل اللقاء المشترك، مع أن ما حدث مثله ضد آخرين أكثر بكثير، وبعضه ما يزال حبره لم يجف بعد، وإساءاته ما تزال تدوي في الفضاء!
إلقاء مسؤولية إساءة ما على حزب في المشترك (أقصد هنا الأحزاب الحقيقية) لأن شخصا محسوبا إعلاميا عليه، أو كان يوما ما عضوا فيه وخرج قبل سنوات؛ أمر خطير لأنه يفتح بابا عريضا للشر؛ فلا يوجد بعد الحزب الذي خرج عليه ومنه العشرات والمئات، ولو ولج الجميع باب الشر هذا فابشروا بعودة.. النظام السابق عاجلا غير آجل!
[3]
من الطبيعي أن يتألم الناس من استهدافهم بتهم باطلة، لكن ماذا عن حلفائهم المشتركيين الآخرين الذين استهدفوا منذ بدء الثورة بأقبح مما حدث مؤخرا، وليس مرة بل مرات لا تحصى وما تزال مستمرة حتى الآن.. ومع ذلك لم يكن ذلك مدعاة للغضب من زملائهم الذين ينتمي المسيئون ومروجو الأكاذيب إلى أحزابهم، بل بعضهم أعضاء في هيئاتهم القيادية، ولو مس أحدهم بكلمة أو خبر سلبي لظهر العرق الأزرق في الوجه، وأطلقت التصريحات، ودبجت البيانات النارية!
هل نقول إن البعض أكل يوم أكل زملاؤه في اللقاء المشترك فلم يتمعر وجهه ولا قلمه.. ولا وجد أنه ملزم بكلمة لتبرئة رفاق المعركة الواحدة المستهدفين من الآلة الإعلامية للنظام السابق على أيدي بعض الثوار والثائرات.. وهم رفاقه في المشترك؛ من كان دمهم يسيل بين يديه، وأرواحهم تزهق بالمئات لحماية المنصة والخيمة التي يأكل وينام بسلام داخلها!
وهل نقول إن المشترك يواجه الآن استحقاقات إهمال حماية حديقة بيته من الآفات وأفعال الحمقى؟ إننا نخشى بالفعل أن القادة تعاملوا مع تلك الممارسات المتعمدة بالأسلوب الخاطىء الذي لا يأبه لخطورة الإعلام الكاذب الذي يواصل أكاذيبه دون توقف ليلا ونهارا.. وفي مواجهة الصمت والعجز فمن البدهي أن يحقق نجاحات واختراقات، وكما قالوا فإن الطلقة التي لا تقتل تدوش أي تثير إزعاجا وشوشرة، فإن استمرت دون توقف ودون مواجهة حقيقية فلا يلومنّ الضحايا إلا أنفسهم!
[4]
من نافلة القول إننا لا نقصد هنا تكميم الأفواه، أو وضع المتمردين على سياسات أحزابهم في شوالات كما اقترح أحد الزملاء قريبا بخصوص من عناهم من أعضاء الإصلاح فقط (متناسيا الآخرين كالعادة).. ليس هذا هو المقصود.. ولكن على قيادة المشترك؛ بعد أن تلزم قادتها بالقول المسؤول أو الرحيل الزؤام؛ أن تحافظ على الحد الأدنى من عوامل بناء الثقة والمحافظة عليها بين مكونات اللقاء المشترك فتجنب ما يتفق على أنه وسائل إعلامها الرسمية والمعبرة عنها من أن تكون ساحة للاستعراض السياسي والفكري ضد حلفائها! وعلى من يريد أن يمارس هوايته أن يفعلها في غير هذه الوسائل الرسمية، ولو في وسائل إعلام النظام السابق!
هذا هو الحد الأدنى الذي ليس بعده إلا الفوضى.. مع مراعاة أن قيادة أي حزب ليست مسؤولة عما يقوله أعضاؤها؛ فضلا عن المنسوبين إليها أو الخارجين عنها؛ مما يخالف سياسات المشترك إن تم ذلك خارج وسائل إعلامها باستثناء نوعية معينة من القيادات المسؤولة التي يتم الاتفاق على تصنيفها وتحديدها بالتساوي بين كل الأطراف!
وكذلك على الأحزاب أن تنأى بنفسها؛ ولا نقول تتبرأ؛ عن كوادرها المتمردة عليها وعلى سياساتها وهي تخوض معارك على حيرو ودون كيشوت ضد مكونات في المشترك أو جهات لها علاقة بها مهما كانت عناوين هذه المعارك.. فمن غير المعقول أن نجد أحزابا وقيادات تعلن عدم مسؤوليتها عن تصرفات كوادر من كوادرها تصطف مع أعداء المشترك ضده أو ضد بعضه بجنون وحماقة.. ثم عندما يرد الآخرون تنبري للدفاع والمحاجاة على الطريقة الجاهلية المعروفة، وفي بعض الأحيان على الطريقة القبلية المعروفة في طلب النصرة رغم كل العداء للقبيلة وأعرافها!
ونظن أن مثل هذا الترتيب سوف يجنب اللقاء المشترك جزءا كبيرا من سلبيات عوامل النخر والاستهداف.. فالحدود محسوبة، وكل واحد يعرف ما له وما عليه.. وفي المحصلة فكل فم مغلق لا يدخله الذباب!
[5]
في مواجهة العاصفة ليس من الحكمة أن يتعامل المتضررون منها معها على أنها.. نسمة هواء!