صنعاء مدينة مفتوحة على حد قول الكاتب القصصي الشهير محمد عبدالولي ولكنها منذ عقود غدت مفتوحة للفوضى والبناء العشوائي ، الإشكال الآخر والمؤسف ان الأنظمة المتعاقبة قد ساهمت في خنق العاصمة بعدم الأخذ بفكرة اللامركزية في إدارة الحكم فغدت صنعاء تضم الجامعات والوزارات والشركات وهيئات المجتمع المدني وكل هذه بصلاحياتها المطلقة دون منح المحافظات والمناطق البعيدة المشاركة والخصوصية ، وهذه الخاصية احدى محاور الأفكار المطروحة للحوار ، كما انها إحدى أسباب اندلاع الثورة وتوسع دعوات الانفصال ناهيك على ان الفوضى يشوه أطراف أمانة العاصمة في كل مفاصلها ومنذ نصف قرن ونتيجة عدم التخطيط المسبق المدروس والجاد فقد غدت صنعاء المدينة التاريخية منطقة جذب لكل من يبحث عن سبل العيش ، وتمحور بعض المؤسسات في محيط المدينة الذي اتسع عشرة أضعاف بل في الأحياء القديمة وفي ذلك مخالفة لدعوات منظمة اليونسكو التي كانت ترعى بعض المدن اليمنية الكلاسيكية والتي من ضمنها صنعاء وزبيد وشبام حضرموت وغيرها.
وهكذا تراكمت الأخطاء ولعل آخرها احتضان العاصمة للمعسكرات أيضا والتدريب الجوي للطيران العسكري والاستيلاء على بعض المباني لمؤسسات حكومة لعل أهمها مبنى الأمن القومي والذي غدى قبل ايام مضت ساحة ، وهنا لا أريد الخوض عن مدى احقية اوخطاء تلك المسيرة ولكني أسلط الضوء هنا على الخطاء الجسيم بتحويل احد المباني القديمة التي من العهد العثماني وفي حي جميل تراثي قديم كان مركزا للإدارة التركية في العهد العثماني ويضم جامع البكيريه الشهير وكذا أكبر واهم حمام تركي في صنعاء القديمة ، وبقايا قصر غمدان (ومكتب الأيتام) أي مدرسة الأيتام الذي تخرج منه الرعيل الأول من قادة الحركة الوطنية والاهم بأن حي الميدان المعروف يضم أكثر كثافة سكانية في العاصمة تحول بفضل التوجيهات الرعناء للنظام السابق إلى تحويل ذلك المبنى الجميل للأمن القومي وكأنه يرمى بذلك الاحتماء بالمواطنين وتحويلهم لدروع بشرية فأين حقوق الإنسان واليونسكو من تشويه صنعاء التي حوت كل فن في الشكل والمضمون ، ومنذ ذلك التاريخ دخل سكان الحي في كابوس مزعج ومتواصل كان آخرها احداث المظاهرات المشار إليها.ولن اتطرق هنا عن صواب تظاهرات ماعرف بالحوثيين من عدمها والمقصود هنا هو تسليط الضؤ على مكان الحدث من حيث هو وليس التظاهرة فذلك موضوع آخر وقد كتب الاخرون حول ذلك.
ومن حق الدولة تشكيل مؤسسات أمنية ولكنها يجب أن تكون كالمعسكرات خارج المدن وكأن سكان صنعاء لم ينقصهم سلسلة من المأسي المتواصلة كنقص المياه لكثرة تدفق السكان ولا ضيق الطرقات وكثرة المركبات ولا نقص التشجير ومشاكل ايصال الخدمات ونحو ذلك ، ونقص التشجير وندرة المنتزهات ، وقد زاد من همومهم حين يختلف أركان السلطة فيما بينهم وتتحول صنعاء لساحة معارك حقيقية كل تلك التساؤلات مطروحة للنقاش ولأمين العاصمة النشط أن يبدءا في إنشاء إدارة بالأمانة تهتم بدراسات تحسين صنعاء وتاريخها والتخطيط لمستقبلها في ضوء كل ما يتوفر لديهم من معلومات أو انتقاد ونحو ذلك ، الموضوع جدا مهم فقد يأتي يوما تستقر فيه اليمن وهذا المؤمل من مخرجات الحوار وتصبح اليمن بلد سياحي يستقطب زواره من الشرق والغرب ولكن بعد خراب مالطة فصنعاء التاريخ ستكون بعض بيوتها العتيقة قد انهارت أو آيلة للسقوط والمجاري قد هزت قواعد المباني القديمة وبعض المؤسسات قد غزت حاراتها القديمة وبساتينها قد نهبت للبناء فيها ..
وفي سبيعينيات القرن الماضي جرت مسابقة لأفضل المدن الإسلامية التي لم يختلط إحيائها القديمة بالحديث فلم تتصدر الفوز سوى ثلاث مدن إسلامية هى أصفهان وفاس وصنعاء ، ذلك أن هذه المدن تحتفظ بتقسيم الأجزاء القديمة عن المستحدثة وبهذا تكسب جمالا اخاذاً ، وألاحرى باليمنيين ان يهتمون بمدنهم القديمة كصنعاء وشبام حضرموت وجبلة وزبيد وكذا المعالم الحضارية المنتشرة في كل بقاع اليمن من اسواء وقلاع وحصون ومساجد وقصور .
سيأتي يوما ما قصر الزمن ام طال تكون اليمن احدى وجهات السياحة في المنطقة لما تتمتع به من مقومات جاذبة كالشواطي والجزر الطبيعة والآثار ونحو ذلك وصنعاء احدى الوجهات الرئيسية انها متحف مفتوح فحافظوا عليها حتى لاتكون جوهرة في يد فحام.