حين تنوي كإعلامي أن تشوّه خصما سياسيا أيا يكن ذلك الخصم، فإن سوق الحيثيات لن يكون صعبا بحال، أيا تكن طبيعة الدوافع، وأيا تكن المصالح المترتبة على ذلك، وأيا تكن الجهة التي تريد تقديم الفاتورة أو الفواتير لها.
من أدمنوا القفز من مربع أيديولوجي إلى آخر، أو من حضن سياسي إلى آخر، لن يرفَّ لهم جفن حين يلبون المطلوب بتشويه هذا الطرف أو ذاك، لأن الرذيلة تكون صعبة في المرة الأولى، ثم يسهل اقترافها شيئا فشيئا حتى تغدو جزءا من تقاليد الحياة.
في مصر تحديدا رأينا تجليات العهر السياسي الذي يمارسه قطاع كبير من الإعلاميين والصحفيين، ليس خلال الأسابيع الأخيرة منذ التحضير لموقعة 30 يونيو، وإنما منذ اليوم الأول لفوز الرئيس مرسي بالرئاسة، بل قبل ذلك حين فاز الإسلاميون بمجلسي الشعب والشورى، وهنا أيضا سنجد أننا إزاء مواقف تراوح بين تنفيس العقد الشخصية (أيديولوجية، حزبية، طائفية)، وهي الأقل، وبين تلبية مطالب جهات داخلية وأخرى خارجية، وهي الأكثر شيوعا.
حين ينصّب البعض أنفسهم قضاة على الإسلاميين في مقالات أو تقارير يشيطنونهم من خلالها، فهم يزكّون أنفسهم ابتداءً، وربما يزكون الجهات التي يفضلونها على غيرها؛ وهي يحاكون أسلوب بشار الأسد الذي اعتبر الإسلام السياسي (وفي مقدمته الإخوان المسلمون) خطرا على الأمة والبلاد والعباد لأنه يستخدم الدين لأهداف سياسية، بينما استثنى من ذلك حزب الله وإيران لأنهما لا يتعاملان مع الناس طائفيا، لكأن دفاع نصر الله عن المالكي حتى وهو يتعاون مع الاحتلال بوجود مقاومين شرفاء لذلك الاحتلال، كان موقفا مبدأيا، فضلا عن مواقف إيران من سوريا ومن العراق وربيع العرب.
والعجب كل العجب أن يضم بعضهم (كذلك بشار) حزب العدالة والتنمية التركي إلى قائمة فروع الإخوان المسلمين التي تتسم بالانتهازية السياسية التي ليس لها هدف غير الوصول إلى السلطة والبقاء فيها، متجاهلين أنهم هم أنفسهم من كانوا يشبعوننا غزلا بتجربة الحزب التي اكتشفوا انتهازيتها (الآن) بسبب بطاريات “الباتريوت”، في تجاهل لحقيقة أن تركيا كانت ولا تزال عضوا في الناتو.
أسوأ ما في الحكاية هو الحديث عن التجربة المصرية، ونقل ما تقوله فضائيات الفلول التي تعيش على المال الحرام المسروق من جيوب المصريين، والآخر القادم للمفارقة من عواصم النفط والغاز التي يجري إشباعها هجاءً حين تنتصر للشعب السوري، حتى لو كان لبعضها دوافع أخرى تتعلق بمواجهة إيران (النفط والغاز الإيراني ألذ طعما في أفواه بعضهم على ما يبدو!!).
تسمع هراءً بلا حساب عن رمي المخالفين من أعلى البنايات، وهي قضية سخيفة تستند إلى واقعة من ترتيب أجهزة الأمن (بدليل اللحية المركبة للمجرم)، وتسمع الكثير عن عنف الإخوان المزعوم ضد المخالفين، بينما يتم السكوت عن مجرزة الحرس الجمهوري ضد الراكعين.
والحال أن عقدة إخوان مصر من العنف تبلغ حدا مرضيا، لكن أصحاب المواقف لا يرون من حشود رابعة العدوية ونهضة مصر التي يتحدث فيها أناس من أشكال شتى؛ لا يرون فيها غير بضع كلمات تنم عن تهديد باستخدام العنف من الصعب ضبطها من المنظمين، بينما يتجاهلون مئات الكلمات التي تؤكد على العكس تماما، في ذات الوقت الذي يصطادون فيه على طريقة قنوات الفلول كلمة ضد الجيش من متحدث، ويتجاهلون عشرات الكلمات التي تمعن فيه مدحا (الجيش شيء، وجنرالاته الكبار الذين أفسدهم حسني مبارك شيء آخر في اعتقادي).
ليست لدى إخوان مصر أية نوايا لاستخدام العنف، وهم واضحون في ذلك كل الوضوح، سواءً عاد مرسي أم لم يعد، وسواء سيقوا إلى السجون أم ظلوا طلقاء، وسواءً أطلق الرصاص عليهم، كما في مذبحة الحرس الجمهوري أم لم يطلق.
أما السخف بعينه، فهو حديث أولئك عن لقاء بين الإخوان وبين السلفية الجهادية في سيناء وغيرها، وهم هنا يضيفون إلى السخف جهل مركب، إذ يكفيهم متابعة المنتديات الجهادية ليروا موقف ذلك التيار من الإخوان، وليتابعوا ما يجري في تونس ومناطق أخرى، فضلا عن تكفير بعض رموز التيار في مصر لمرسي. ولا ننسى اتهام حماس بالعنف، لكأنها جنّت حتى تهدد منفذها الوحيد إلى العالم الخارجي.
أما اتهام الإخوان باستدعاء الأساطيل الأجنبية فينطوي على تجاهل لحقيقة الدولة القطرية التي تركت آثارها على كل القوى القومية واليسارية والليبرالية، فحين يميل شعب إلى طلب المساعدة من الخارج، فسيكون من الصعب على قواه السياسية أن تقف في المربع الآخر، لاسيما إذا كان مطحونا بالدكتاتورية والقمع الدموي أو الاحتلال، ففي العراق رحبت سائر القوى بالقوات الأجنبية، ثم كانت هناك مقاومة من الإخوان، ومنخرطون في العملية السياسية انتقدتهم فروع الإخوان الأخرى، تماما كما انتقدناهم هنا بقسوة، في وقت كان نصر الله يدافع عن أصحابه (من القوى الشيعية) الذين يقفون في ذات المربع. ينطبق الأمر (استدعاء المساعدة الأجنبية) على ليبيا، وعلى سوريا الآن (لا تدخل أجنبيا هنا)، تماما كما كان الحال مع الكويتيين بمختلف تياراتهم إثر الغزو العراقي عام 90، ما يعني أن الأمر لا يخص الإسلاميين وحدهم، بل سائر القوى.
خلاصة القول هي أن ثمة فرق بين النقد الموضوعي، وبين التنفيس والاستهداف متعدد الدوافع، ففي الأول يمكنك العثور على قراءة لأخطاء لا تخلو منها حركة تعمل في ميدان السياسة، لكنك لا تعثر في الثانية سوى على كذب وتزوير، وأقله تدليس هدفه تشويه خصم سياسي أو فكري لا أكثر ولا أقل.