مثلت انطلاقة ثورة 25 يناير في مصر بارقة أمل للجماهير العربية في مصر وباقي الدول العربية بالانتقال من نظام الحكم العسكري إلى نظام حكم مدني ديمقراطي منتخب يضع حدا لهيمنة العسكر وتأثيرهم على المشهد السياسي الذي طغى خلال الحقبة التاريخية المنصرمة والممتدة لأكثر من 60 عاما ذاقت فيها الشعوب ويلات الحكم الديكتاتوري الذي أنتج انهيار الاقتصاد وانتشار الفقر والبطالة وعدم استقلال القرار السياسي ..
وكانت الثورة أول قرار شعبي بالتعبير عن الرغبة في الانتقال إلى نظام حكم مدني والذي أثارت هذه التطلعات تحفظات العديد من القوى المتحكمة بصناعة القرار خوفا من انتهاء نفوذها وأصبحت امام مأزق الثورة الذي ستقضي على دورها وتأثيرها لصالح تيارات المدنية والحداثة ومن هذه القوى مؤسسة الجيش والمؤسسات المرتبطة بها والتي أصبحت تعرف حاليا ( الدولة العميقة ) والتي هي عبارة عن مؤسسات راسخة ومتماسكة جعلتها الثورة امام مرحلة مصيرية وفاصلة..
ولذلك كان المخرج هو القفز على قارب الثورة والتشبث بقشة الانحياز للشعب وحماية الثورة وتمت ازاحة مبارك الحلقة الأضعف في المشهد المرتبك بفعل الثورة، وبذلك قدم الجيش نفسه كشريك ثوري بالتخلص من الرأس، والإبقاء على بقية الجسد وفرح المصريين بنجاح ثورة لم تكتمل بعد سرعان ما انقشع غبار النصر عن غيوم وسحاب ملبدة بالكثير من التحديات واقتنع المصريون بمقولة (الجيش الوطني) ونزوله للشوارع لحماية الثورة من منطلق وطني مع أن الحقيقة التي لا تقبل الشك هي انه تم الإيعاز إلى الجيش بالقيام بهذا الدور من قبل الإدارة الأمريكية التي تنفق سنويا عليه بمبالغ تصل إلى مليار ونصف المليار دولار كثاني جيش يحصل على هذه المساعدات العسكرية الكبيرة بعد جيش الكيان الصهيوني للسيطرة على المشهد من جديد وتأهيله لأدوار قادمة وللأسف انطلت الحيلة على كل قوى الثورة المصرية من التيارات الإسلامية واللبرالية والقومية وأصبح المشهد المصري غير واضح المعالم..
إذ أصبحت القوى الشريكة في الثورة منقسمة وتتبادل التهم فيما بينها بخيانة الثورة والمؤسسات المحسوبة على بقايا النظام ثورية إذا اعتقد الاخوان المسلمون ان الجيش شريك ثوري و آمنت بذلك ، واعتقدت باقي القوى الليبرالية والقومية بعدم ثورية الاخوان وتكلل ذلك الانقسام بالتنافس فيما بين هذه القوى بمرشح وحيد لكل تيار في الانتخابات الرئاسية واتضحت أدوار الجيش الوطني اكثر بإخراجه مسرحية المحاكمة الهزلية على طريقة هوليود لمبارك وابرز رموز نظامه والذي في تمثل في نهاية المشهد باغلاق الستار عن هذه المسرحية بتبرئة المتهمين الرئيسيين بقتل المتظاهرين وخصوصا الجريمة المشهورة بموقعة الجمل .
وسار الموكب المظفر المكون من (قوى الثورة) ومؤسسات النظام البائد (الجيش والأمن والقضاء والإعلام) في مركب واحد وعين الجيش تتربص الايقاع بالثورة من داخلها والذي كان لا بد من المفاصلة بين الثورة وبقايا النظام التي قامت عليه وحصل الانفصال بين جسدين مختلفين عن طريق الانقلاب والذي للأسف بدل ان يكون لصالح الثورة أصبح لصالح قوى الفلول التي أعادت إنتاج نظام مبارك البائد بنسخة مطورة مغطاة بمساحيق الفتاوي الدينية من شيخ الأزهر ومن رمز الأقباط وقوى ليبرالية وقومية وحتى سلفية ووجوه شبابية للحصول على شرعية مفقودة.
بدأت أولى محاولات الانقلاب في تأخير إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بعد أن عرفت قوى الفلول تقدم مرشح الإخوان ولكنها قبلت النتائج على مضض وتركزت جهود هذه القوى في محاولة تقليص صلاحيات الرئيس المنتخب وعرقلة مهام الحكومة واصطناع الأزمات وخلق الاضطرابات والانفلات الأمني المتعمد سواء في سيناء أو في بقية المحافظات لتعمد إفشال الرئيس والحكومة وتأليب نقمة الشعب عليهم ساعدهم في ذلك أخطاء من الحكومة والرئاسة وسؤ تقدير لبعض المواقف وتضخيمها من قبل الإعلام ولكن في الأخير لم تتم إتاحة الفرصة الكاملة للرئيس لتنفيذ وعوده حتى نهاية فترة رئاسته .
اليوم وبعد الانقلاب أصبح المشهد أكثر وضوحا من أي وقت مضى فقد عاد العسكر إلى المشهد السياسي من جديد وبدعم داخلي وخارجي كبير أولى خطواته تمت بإزاحة أول رئيس مدني منتخب وتليها قمع الحريات وتكميم المنابر الإعلامية بعد ان قدمت ثورة يناير في سبيل تحقيق أهدافها أكثر من 1000 شهيد ولكن يبدو أن هناك توجهات لطمس تاريخ هذه الثورة واستبدالها بحركة تمرد ( 30 يونيو) ومخطئ من يظن أن التأمر ضد شخصية مرسي أو جماعة الإخوان وإنما المستهدف بالدرجة الأولى هو روح وجوهر ثورة 25 يناير والتي مثلت بداية انتهاء حكم العسكر بانتخاب أول قيادة مدنية في تاريخ مصر البالغ 7 آلاف سنه .
فهل يعي العسكر المخاطر التي يجرونها على البلد في محاولة إعادة العجلة إلى الوراء وتحديدا إلى ما قبل 25 يناير بنسف مكاسب الثورة وإعادة مصر إلى الوراء 50 سنه ، وهل يستوعب المصريون الدرس والمستقبل الذي ينتظرهم جراء إجهاض عملية التغيير والديمقراطية الوليدة بعودة نظام مبارك من جديد .