يقال أنه عندما ينظر المتشائم وكذا المتفائل في كوب ماء واحد، ينظر إليه المتشائم أنه نصف فارغ بينما ينظر إليه المتفائل أنه نصف ممتلئ. وفيما يتعلق باليمن، من السهل أن نرى ما هو ناقص في الكوب وهو أن الوضع الأمني في أجزاء عديدة من البلاد لا يزال سيئاً، وزادت حدة الأزمة الإنسانية التي أثرت في أكثر من نصف الشعب اليمني خلال السنوات الماضية والاقتصاد لا يشفى إلا ببطء، ولا زال الفساد والمحسوبية منتشران وكذلك التوتر السياسي في الجنوب لا يزال عاليا، وتبقى الأحزاب السياسية بعيدة عن الاتفاق حول شكل مستقبل الدولة في اليمن، إذن لا أحد يستطيع إنكار أن الكوب لا زال نصف فارغ.
لكن كما سيشير إليه فقد تحققت انجازات كثيرة منذ بدء العملية الانتقالية، فقد تحقق الانتقال السلمي للسلطة إلى الرئيس التوافقي، عبدربه منصور هادي، رغم كل الصعاب وقد أحدث هيكلة الجيش تقدماً ملحوظاً وقد جمع مؤتمر الحوار الوطني الشامل كل القوى المتناحرة حول طاولة الحوار وقد حققت بعض فرق العمل في مؤتمر الحوار الوطني قفزة كبيرة في تقديمها لتقاريرها للمرحلة الأولى من الحوار.
وكمراقبين دوليين وأصدقاء لليمن، يجب أن نرى معظم أوجه الحقيقة والاعتراف بالتحديات والإشارة إلى أوجه القصور لكن أيضا يجب تقدير الانجازات، والأهم هو أنه يجب علينا أن نتعرف على الفرص ونذكر القادة السياسيين بمسئوليتهم للتعامل مع مطالب الشعب اليمني المتمثلة في مستقبل أفضل والحرية والسلام والمساواة والنمو اقتصادي والحكم الرشيد.
وبدون أن نكون إما متشائمين أو متفائلين، فإن الملاحظ النزيه سيرى أن هناك فرصا حقيقية حول ما يحدث في ليمن هذه الأيام، رغم أنه قد لا يكون واضحاً لأولئك الذين لا يزالون يعانون من كل المشاكل المذكورة أعلاه، أن العملية الانتقالية قد تحقق التغيير الذي أراده اليمنيون عندما خرجوا للشوارع قبل عامين، وصحيح أن الثورة لم تؤد إلى إطاحة كاملة وسريعة للنظام السياسي كما حدث في بعض الدول العربية الأخرى، لكن أدت إلى تسوية سياسية، وهذه التسوية التي تبلورت في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ليست حاجزاً على التغيير ولكن فرصة لتحقيق هذا التغير تدريجياً وبطريقة مدروسة ومستدامة.
لقد لعب المجتمع الدولي دوراً في عمله كحاضن للعملية الانتقالية، حيث ساعدت الدبلوماسية المكوكية للمستشار الخاص لأمين عام الأمم المتحدة جمال بن عمر والعمل المستمر للبعثات الدبلوماسية في صنعاء وكذا الضغوط السياسية التي كان يمارسها أحياناً مجلس الأمن على طرف أو آخر قد ساعد كل هذا على إبقاء كل الأطراف على توافق، لكن في نهاية الأمر كان اليمنيون أنفسهم هم الذين حققوا هذا بقبولهم الوساطة الخارجية والتفاوض على حلول مع بعضهم البعض والخروج بتسويات رغم أن بعضها كانت مؤلمة، وعند قراءة تقارير بعض فرق عمل مؤتمر الحوار الوطني التي تغلبت على اختلافاتها بعد جدل ساخن، يجب على المراقب الخارجي أن يعترف بالتقدم الذي أنجزه اليمن منذ العام 2011م وهذا هو إنجازكم أيها اليمنيون.
بالتطلع إلى الأمام، من الواضح أن التحديات ما زالت كبيرة وسيتطلب المزيد من الجهود من كل الأطراف وتسويات تاريخية في بعض الأحيان.
النية للمصالحة يجب أن تأتي من الأطراف أنفسهم وليس بمقدور المجتمع الدولي استبدالها. وليس بمقدور أحد أن يفرض على اليمنيين كيف يمكن إعادة صياغة العقد الاجتماعي بينهم وبين الدولة لكي تضمن حقوقهم وتلبي مطالبهم الشرعية.
وما يمكن ويجب أن نقدمه نحن الأجانب هو المشورة المبنية على خبراتنا من أجل المشاركة في دروس تعلمناها من نجاحاتنا وكذلك اخفاقاتنا، يسعى هذا المقال إلى تقديم هذا.
مؤسسات فعالة ومستقلة
لعل أهم التحديات التي تواجهه اليمن هو تأسيس مؤسسات قوية تضمن توزيع عادل للثروة والذي يشجع المواطنين أن يرقوا إلى مستوى امكانياتهم الكبيرة بدلاً أن يخنقوا طموحاتهم بالفساد والمحسوبية وذلك يمنع احتكار السلطة، وهذا يتطلب إصلاحا أساسيا للوضع الحالي قد يتطلب تطبيقه سنوات. ولكن من الممكن تحقيقه.
وأصبح معتقدا شائعا خاصة بين اليمنيين الشباب في أن الطريقة الوحيدة للحصول على وظيفة حكومية هي إما بالانضمام إلى حزب سياسي أو عبر ارتباطات شخصية أو عائلية، وهذا يقوض طموحات تطوير مهاراتهم وكذا جودة ومصداقية القطاع العام حيث ينبغي أن يتم التوظيف بناء على القدرات بدلاً من الانتماء الحزبي أو العلاقات الشخصية.
ومن أجل تحقيق هذا، فإن عملية التوظيف ، خصوصا في المناصب العليا ذات المسئولية يجب أن تكون شفافة وتحوي عدداً من المؤسسات المستقلة مثل البرلمان والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والنقابات وإذا أتفقت أطراف عديدة على أن مرشحا ما مؤهلاً للوظيفة، فإن احتمالية استخدام الارتباطات ستنخفض كثيراً.
من أجل ضمان اتباع القوانين، فإن القضاء المستقل مطلوب لمراقبة تطبيقها، وهذا يتطلب تغيرات في التشريع لمنع الجانب التنفيذي من التأثير على قرارات القضاء وخصوصاً فيما يتعلق بعمليات التوظيف كما ذكرنا أنفاً.
الفساد أيضا عنصر يقتضي أن يعالج بطريقة جدية، أحد الحلول الممكنة لتخفيض الفساد هو نظام التدوير الوظيفي لأنه يمنع بناء القطاعات في داخل المؤسسات الحكومية.
بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون الهيئة العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة مستقلين تماماً عن أي تأثير سياسي، في الجانبين النظري والعملي.
والرواتب أيضا هي عنصر آخر مهم لمكافحة الفساد، فمن السذاجة أن نفترض أن كل القضاة أو مراجعي الحسابات أو أصحاب مناصب عالية أخرى الذين يتحملون مسئولية كبيرة ويحصلون على رواتب ضعيفة يستطيعون مقاومة إغراء الفساد، لذلك يجب أن ترفع أجور أو دخل من يتولون مناصب مسئولة تدريجياً بناء على مستوى أدائهم ومسئوليتهم.
من نافلة القول أن زيادة الرواتب عملية مكلفة، من هنا يجب أن تكون هذه العملية مصحوبة بانخفاض تدريجي وحساس في القطاع العام، قد تكون الخطوة الأولى هي التخلص من الأزدواج الوظيفي والقوى العاملة الوهمية، والتي قد وافقت الحكومة على معالجتها ثانياً يجب التخلص من العمالة الزائدة وفي نفس الوقت الإبقاء على إعطائهم مرتبات وتأهيلهم لوظائف في القطاع الخاص، وينطبق هذا أيضا على الجيش الذي يحتوى على أكبر عدد من القوى ويكلف أكثر من الاحتياج ، ومن أجل المقارنة ، افترض أن دولة مثل ألمانيا بعدد سكان أكثر من 82 مليونا وجيشها 185 ألف جندي فقط، بينما اليمن تدفع أجور لأكثر من ضعف هذا العدد فاليمن مثل ألمانيا لا تواجه خطراً عسكرياً كبيراً من الخارج.
أخيراً، يجب أن تكون ميزانية كل فروع الحكومة شفافة من أجل تمكين المواطنين من الرقابة على صرف الضرآئب التي تدفعونها، على نفس النمط، يجب أن تكون رواتب الموظفين المدنيين في القطاع العام موحدة ومنتظمة ومعلنة رسمياً.
النظام اللامركزية
تعد اليمن على أرض الواقع دولة غير مركزية إطلاقاً سيطرة الحكومة المركزية على معظم أنحاء البلد محدودة وبعض الأنحاء شبه غائبة، ومع كل ذلك، فإن الموارد وصناعة اقرار تتركز بشكل كبير بيد الحكومة في صنعاء حيث كان يتم توزيع هذه الموارد بطريقة غير منصفة، وكان يؤدي هذا التطور إلى خيبة أمل الكثيرين الذين عائشين بعيداً عن العاصمة ومن ثم إلى المزيد التشظي السياسي، ولعل ظهور الحراك الجنوبي والتهامي وكذلك الحركة أنصار الله هو عواقب لهذا الأسلوب.
ويعني تقديم مشورة لليمن لتبني النظام اللامركزية الاعتراف بأن الحفاظ على وحدة واستقرار اليمن ليس ممكنا إلا عن طريق حل النقيض بين النظام المركزي نظرياً وانقسام البلد على أرض الواقع، ولا يمكن تحقيق هذا إلا عبر نقل الصلاحيات والموارد من المركز إلى المحيط بشكل منتظم مقابل الاعتراف بالسلطة المركزية من قبل كافة القوى السياسية.
وعلاوة على الضرورة السياسية في إشراك القوى النابذة التي تهدد استقرار البلاد، لدى النظام اللامركزية العديد من المزايا الفعلية، وفي النظام اللامركزية ، تصنع القرارات التي تؤثر على الحياة اليومية لسكان الأقاليم بالقرب من دوائرها علاوة على ذلك فإن الرقابة الديمقراطية تجدي أفضل عندما تكون الهيئات متأثرة بشكل مباشر بالقرارات التي يتخذها قادتها.
ثالثاً، تجعل اللامركزية الاحتكار السلطة والموارد أمرا صعبا، ومع أنها لا تستطيع منع الفساد ذاته، فهي تجعل تأثيره أقل شدة في ما يتعلق بتقويض الديمقراطية، بل إنها تخلق منافسة إيجابية بين الأقاليم لتطوير أدائها، فعندما يشهد سكان إقليم ما أن وضع جيرانهم في إقليم آخر أفضل منها بكثير، فمن المرجح أن تطالب بمسؤلية من قادتها، على عكس النظام المركزي حيث يؤخذ كل قرار في مكان بعيد في العاصمة.
بطبيعة الحال أن هناك نماذج عديدة للامركزية وأن اليمن ستطور النموذج الخاص بها من أجل التعامل مع احتياجاتها الخاصة حيث لن يناسب وضع اليمن نموذجاً خارجياً لكن هناك العديد من الدروس التي يمكن أن نستخلصها من تجارب دول أخرى.
أولاً: انقسام السلطة على المستوى المركزي والإقليمي بحاجة إلى تحديد سواء إن تسمي النظام بالاتحادي أو الفيدرالي أو بأي سمة أخرى فهذا أمر ثانوياً، لكن المهم هو أن تقسيم الكفاءات بين مستويات مختلفة من الحكم من الضروري تعريفه من أجل تحاشي صراع مستقبلي.
في معظم الأنظمة اللامركزية، تقع مسئولية الدفاع والعلاقات الخارجية والنظام النقدي «أي العملة» على عاتق المستوى المركزي وفي أماكن أخرى تكون مسئولية صناعة القرار كاملة على المستوى المركزي أو الإقليمي أو أن تكون بالشراكة بينهما معاً، حيث قد يعني هذا أن المستوى المركزي يصدر إطاراً للتشريع بينما قرر السلطات الاقليمية تفاصيلها، وقد يعني أيضا أن السلطات الإقليمية المختلفة تتخذ قرارات مع بعضها البعض أو بالمشاركة مع المستوى المركزي، ومن أجل تمكين حكم مشترك كهذا، ثبت أن تمثيل السلطات المحلية على المستوى المركزي نافع، سواء عبر غرفة عليا للبرلمان «مثل ال« بوندسرات» أو المجلس الاتحادي في ألمانيا» أو من خلال مؤسسات دائمة معنية بصناعة القرار.
هناك العديد من المجالات التي تتناسب مع شراكة المسئولية بين المستوى المركزي والإقليمي ففي حالة اليمن يبدو أنه من المعقول أن نحافظ على نظام تعليمي على مستوى البلاد بالكامل من أجل منع المزيد من الانقسامات وقد يطور هذا المنهج على سبيل المثال، بالشراكة مع السلطات المحلية من أجل ضمان عكس كل المصالح ووجهات النظر الإقليمية في المنهج.
فيما يتعلق بإدارة البنية التحتية اللازمة لنشر الخدمات التعليمية والصحية وخدمات أساسية أخرى، فالأجدر أن تكون المسئولية على المستوى الإقليمي، فقرارات أين ستبني المدارس والعيادات وأين تشق الطرقات وأين تبني خطوط الكهرباء وأين تشيد وحدات الصرف الصحي لها علاقة مباشرة مع مواطنين تلك المنطقة.
بالطبع هناك مشاريع بنية تحتية محددة ذات أهمية وطنية مثل الطرقات بين المحافظات والمحطات الكبيرة لتوليد الكهرباء أو المستشفيات ويجب أن يقرر في هذا بين المناطق المعنية والمستوى المركزي.
والأمن هو مسئولية مشتركة بامتياز فبينما تكون المهام اليومية للشرطة هي مسئولية محلية فإن حماية الحدود والشواطيء وكذا محاربة جرائم عبر الحدود الإقليمية ومحاربة الإرهاب يتطلب قوات شرطة وطنية، ومن أجل منع احتكار بمختلف الأجهزة الأمنية يجب أن تعرف قوانين «قواعد» الاشتباك بوضوح ويجب أن تكون هذه القوانين تحت إشراف القضاء.
وفيما يخص السلطة القضائية ذاتها، من المعقول الحفاظ على نظام موحد مع فروع في كل إقليم من أجل تطبيق التشريعات المحلية والإقليمية معاً، والسبب في هذا هو أن الأنظمة القضائية الخاصة بكل إقليم قد تكون مكلفة جداً، وقد تجعل تقسيم النظام القضائي صعباً ضمان درجة منسجم من المهنية أو الاستقلالية في كل أنحاء البلاد، إلا أنه قد يطلب من القضاة والمحامين والوكلاء الذين يطبقون التشريعات الإقليمية الحصول على تدريبات إضافية لدى الفروع الإقليمية المعنية.
وبعد القرار على توزيع الصلاحيات، فإن العنصر الأكثر حسماً في اللامركزية هو توزيع الموارد المالية، حيث من المهم أن يؤخذ بعين الاعتبار أن أي مؤسسة على المستوى الإقليمي تأتي بتكلفة إضافية قد يصعب تحملها كل ما صغر الكيان المحلي، رغم أنه من الممكن إيجاد أنظمة منفصلة لجباية الضرائب «كما هو الحال في الولايات المتحدة ».
فالخيار الأقل هو جمع الموارد كلية والقيام بتوزيعها على المستوى المحلي والمركزي حسب آليات متفق عليها وعبر هيئة وطنية مستقلة وفي الحالة في اليمن، التي تنتج فيها دخل الدولة مركزياً إلى حد كبير، سواء من الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز أو عبر التعريفات الجمركية، فهذا يجعل هذا الأسلوب منطقياً .
وسواء حصلت كل الأقاليم دخلها أو حصلت عليه من الحكومة المركزية أو لم تقم بذلك، فإن مواردها يجب أن تعكس الدخل الذي نتج داخل حدودها وهذا يؤدي حتماً إلى عدم مساواة بين الأقاليم، وخصوصاً بين تلك التي لديها موارد طبيعية وبين الأخرى، فمن أجل ضمان درجة من الاندماج الاجتماعي عبر البلاد، يجب التعامل مع هذه الاختلافات بطريقة متضامنة حيث تختلف درجات التسوية بين الأقاليم من النظام اللامركزية إلى آخر، ففي حالة ألمانيا على سبيل المثال، لا يسمح باختلاف الميزانية «لكل فرد «من 8 في المائة بين الولايات وهذا يعني أن الولايات الغنية التي تحصل على أكثر من 104 في المائة من المعدل الوطني يجب أن ترسل جزءاً من دخلها إلى تلك التي لديها أقل من96 في المائة من المعدل الوطني، وعلى النقيض من ذلك،فإن الحد الأعلى للفارق ال بين الكانتونات «كما تسمى الأقاليم» في سويسرا 40 في المائة.
لعل السؤال الثالث الذي يجب الإجابة عليه هو التقسيم الإداري للأقاليم حيث لا يوجد حلول جاهزة تناسب اليمن، لكن هناك بعض المبادئ العامة يجب أن تؤخذ في الاعتبار:
آ- حيث أن تكون الهوية الإقليمية سواء كانت ثقافية أو تاريخية أو أي كانت، تشكل أساسا جيداً من أجل التماسك الاجتماعي والسياسي، والأقاليم المصطنعة التي ليس لديها هذه القاعدة، خصوصاً عندما تضم بفوارق اقتصادية كبيرة فإنها تتجاوز مخاطر التقسيم الداخلي على المدى البعيد.
ب- يجب وضع في الحسبان أن إنشاء مؤسسات إقليمية لها تكلفتها، وبالاعتماد على درجة اللامركزية، فإنه من الصعب على الأقاليم الصغيرة ذات الدخل المحدود أن تتحمل هذه التكاليف، هذه المشاكل تشعر بها أيضا حتى بعض الولايات الاتحادية الصغيرة في ألمانيا كونها تعاني من عجز مزمن في الميزانية.
ج- من ناحية أخرى يجب أن تكون المسافة الجغرافية بين عاصمة الإقليم ومحيطها معقولة حيث أن المسافة البعيدة بين صناع القرار ومجتمعاتهم قد يؤدي إلى الإبعاد السياسي.
على العموم، اللامركزية هي عملية معقدة يتطلب تطبيقها اهتمام عالٍ وجهود كبيرة لكن يبدو أن اللامركزية هي الإمكانية الوحيدة لإنقاذ البلاد من المزيد من التشظي الذي قد يؤدي إلى عدم استقرار البلاد والمنطقة ككل.
الاصلاحات السياسية والاجتماعية
بغض النظر عن شكل الدولة المستقبلي الذي يتفق عليه اليمنيون، فإن تطوير الاقتصاد هو الوسيلة الوحيدة لحل مشاكل اليمن الاقتصادية والاجتماعية على المدى البعيد، حيث أن المساعدات الدولية لن تحل هذه المشاكل إذا لم يصنع اليمنيون أنفسهم ظروفا لتنمية مستدامة، فالعملية الانتقالية تعتبر فرصة تاريخية لتحقيق هذا ويجب عدم فقدان هذه الفرصة.
حسب رجال الأعمال فإن العوائق الكبرى أمام الاستثمار في اليمن هي نقص الأمن ونقص سيادة القانون والفساد، لكن هناك أيضا عوائق أخرى أمام التطور الاقتصادي حيث هناك حاجة للاستثمارات في مجالات البنية التحتية لإيجاد فرص عمل ونمو، وكان من الممكن أن ترفع هذه الاستثمارات إن لم تصرف الحكومة أموالاً كبيرة من أجل دعم أسعار المشتقات النفطية التي تكلف اليمن أكثر من 550 مليار ريال كل عام، وهذا يعني أن اليمن تصرف أكثر على دعم أسعار الوقود مما تعهد به مجتمع المانحين ككل في مؤتمر الرياض لفترة العملية الانتقالية (2012-2014) تخيلوا كم ستنبئ من المدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة ووحدات الصرف الصحي وكم طرقا ستبنى بهذه الأموال.
ولكنها تستخدم بطريقة تفيد أكثر الطبقة الأغنى على المجتمع مما تفيد تنمية البلاد مثل مالكي السيارات ومزارعي القات الذين يستخدمون الديزل المدعوم لتشغيل آبار حفرت عشوائياً لإهدار المائية التي تعتبر ثروة ثمينة.
وغني عن القول أن خفض دعم المشتقات النفطية يجب أن يطبق تدريجياً ومصحوباً بإجراءات تخفف أي تأثير سلبي على الطبقات الضعيفة ، حيث يجب أن تبين الأموال التي حصلت من خفض دعم أسعار المشتقات النفطية في الرأي العام من أجل أن تلقى هذه العملية قبولاً لزيادة أسعار الوقود، ويجب أن يعرف كل شخص أن مدرسة جديدة أو مستشفى جديداً يبنى بسبب خفض دعم المشتقات النفطية.
لعل العائق الكبير الآخر أمام التطور الاقتصادي في اليمن هو استهلاك القات بشكل الجماعي وشبه يومي حيث أن تأثيره على ساعات العمل وعلى مستوى دخل الأسر الفقرة وعلى الموارد المائية الثمينة في اليمن يشكل كارثة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية يعلم الكثير من اليمنيين هذه الحقيقة لكن قد يقولون أن هذه قضية مستحيلة التعامل معها، لكني أختلف مع هذا الرأي، حيث لا شك أن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها لكن يمكن تحقيقه كما قد تحقق تخفيض التدخين في أوروبا تدريجياً عبر تركيب من حملات التوعية والضرائب ومنع التدخين في أماكن عامة فلماذا لن يكون الأمر ممكنا بالنسبة للقات في اليمن؟
ففي البداية يمكن للحكومة أن تمنع تخزين القات في أماكن العمل لأنه يجب أن يكون موظفو الدولة ورجال الشرطة والجنود مثلاً يحتذى بهم ثانياً منع بين القات في أيام العمل مثلما كان الحال في جنوب اليمن قبل الوحدة ستكون خطوة تالية نافعة، وبخطوات مثل هذه، فقد يصبح استهلاك القات شيئاً تتمتع بها الناس في المناسبات الخاصة كما كان الحال قبل وقت ليس بطويل.
كيف نطبق كل هذا؟
أولاً يجب أن يُشرح للشعب اليمني ما هي التغييرات التي يحدثها الحوار الوطني ولماذ1ا حيث يجب تفسير الدستور، والقرارات الأخرى الصادرة عن مؤتمر الحوار بطريقة تفهم حتى للبسطاء. ويجب أن تتواجه حملات التوعية النقد المتوقع من قبل الأطراف التي تُهدّد مصالحهم الخاصة.
وعندما يتم تبني الدستور والقوانين عبر الاستفتاء بإذن الله وبإرادة الشعب فإن الخطوة التالية ستكون التطبيق. فاليمن لم تعان من نقص من الأفكار والخطط الجيدة ولكن التطبيق كان ناقصاً في كثير الأحيان.
إذاً فإن المرحلة التطبيقية لبناء وإصلاح مؤسسات وإقرار قوانين جديدة ومراجعة أخرى تحتاج إلى اهتمام خاص.
وخلال هذه المرحلة يجب أن يتم اختيار أعضاء الحكومة بعيداً عن الصراعات الحزبية بقدر الإمكان.
ومن الضروري أن تتفف الأحزاب السياسية على هدنة مؤقتة تسمح للحكومة تطبيق الإصلاحات.
وخلال هذه المرحلة، سيكون لدى الأحزاب دور يلعبونه عبر البرلمان المنتخب حديثاً.
حيث لاشك أن الديمقراطية بحاجة إلى أحزاب سياسية تتصارعون فكرياً وسلمياً حول السياسات الأفضل من أجل مصلحة البلاد. لكن سيقدمون خدمة كبيرة للوطن إن سمحوا لحكومة مستقلة خلال هذه المرحلة الحساسة أن تطبق الإصلاحات التي سيتفقون عليها هم أنفسهم قريباً إن شاء الله.
من نافلة القول إن كل الأفكار المطروحة هنا مجرد نصائح من قبل صديق لليمن. فهو ينبغي على اليمنيين أن يتبنوها وربما يطوروها إن رأوها مفيدة.
- نائب السفير الألماني بصنعاء