آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

عن معنى العيد ورسائل البردوني

(معنى العيد) ليس كلمات ظاهرة تُقال فتُنسى، ولا عبارات مكرورة تُنسخ فتُلصق، إنه معنى عميق يتسرب إلى النفس، ويتشربه القلب كنسمات باردة لطيفة، فتطمئن به الروح، وتتسامح مع من حولها من البشر والجماد والحجر.

هذا ما أخفق في التعبير عنه الشعراء في قصائدهم والدعاة في خطبهم.

العيد هو المعنى الإسلامي الإنساني العظيم، الذي يفصل بين حياتين، إحداهما روحية، والأخرى مادية، الأولى استعادت فيها الروح حياتها الحقيقية، والأخرى يغالب فيها الجسد تجليات الروح مستعيناً بقوته الاستهلاكية والاستمتاعية.

لماذا تفرح العبودية بالعيد؟ لأن عبوديتها تحررت وتسامت إلى الأعلى من علائق المادة. لماذا كان رمضان أفضل المعلمين؟ لأنه أضاء شمعة في الطريق؛ فسرنا في هداها، وحين وصلنا إلى المنعطف عرفنا الطريق فتوارت الشمعة.

***
سأمارس هنا أيضاً عملية إسقاط تاريخي لما حدث في اليمن، ويحدث الآن في مصر، فالعيد الذي مرّ على شاعر اليمن عبدالله البردوني - رحمه الله - كان ذا مذاق سياسي خاص عنده، سكب فيه تجربة اليمن الأليمة مع رجال السياسة. يقول في قصيدته (زمن بلا نوعية):

ماذا جرى؟ عهد "الرشيد" انتهى*** واحتل (مسرور) محل (الرشيد)
حلت محل القبضتين العصا*** كانت عصا، صارت يداً من حديد
والآن باسم الشعب، عنه نرى*** نحيي بقانون، بثان نبيد
نغير الألوان، هذا بذا*** نستبدل الأعياد، عيداً بعيد

وفي قصيدة له بعنوان (حضرة العيد) بدا كأنه يتحدث عن واقع الثورات الحالية، وقبل نشوء مصطلحات على شاكلة الربيع العربي وحكم العسكر والدولة العميقة، فماذا قال:

فيا عيد أين هلال الشعوب*** لماذا انطفأ قبل أن يقمرا؟
أخِلت زمان الغزاة انقضى؟*** فهذا الهشيم الذي أثمرا
برغمي حسا الأطلسيُّ الخليج*** ولصَّت عيون المها (بربرا)
فيا عيد مَن عبَّأ الضوء موتاً*** ودسَّ بآباطه العسكرا؟

ما أشبه الليلة بالبارحة، كل عام وأرواحكم أسمى، وقلوبكم أطهر.

زر الذهاب إلى الأعلى