لا خلاف على أن الرئيس عبدربه منصور هادي كان ذكياً وموفقاً حينما كرس العام الأول من رئاسته لإطفاء الحرائق وتهدئة التوترات وغليان الانقسام في المشهد السياسي في اليمن الذى خرج من أزمة 2011م مثقل بعوامل الاحتقان وعدم الثقة وانفعالات أزمة تعددت مساراتها ومرجعياتها ومشيخياتها السياسية والاجتماعية.
وأن الرئيس هادي أحسن صنعاً عندما أدرك مبكراً انه ومهما كان حجم الدعم الإقليمي والدولي المسنود به فإن هذا الدعم يصبح دون معنى إن لم يجر توظيفه بشكل سليم لخدمة الأهداف الوطنية الآنية والمستقبلية وإنجاز التحول التاريخي الذي يخرج اليمن من نفق الأزمات والصراعات الداخلية ورواسب الماضي السحيق ولابد وأن الرئيسهادي قد لمس تماماً مدى تجاوب الناس مع هذا التوجه واستعدادهم للتضحية من أجل الوصول إلى المخارج الآمنة من المأزق الذي يحيط بالبلاد والعباد كما أنه الذي لمس عن قرب آن الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب قد تحملوا اكراهات المرحلة الانتقالية بصبر وجلد وروية يحسدون عليها بعد أن شعروا أن لحظة الفرج التي حددوا لها.
موعداً هو 18 من سبتمبر الجاري هي آتية لا محالة بخروج مؤتمر الحوار في هذا اليوم بخارطة طريق ترسم ملامح مستقبلهم وتؤسس لعقد اجتماعي متين يحررهم من مخاوفهم وتخيلاتهم وجحيم القلق الذى ظل يحوم فوق رؤوسهم على مدى أشهر الحوار الستة.
ولابد وأن الرئيس هادي أيضاً يعلم علم اليقين أن معاناة الناس التى تتوزع بين الفقر والبطالة وتراجع مستويات الخدمات الصحية والتعليمية والأداء التنموي والاقتصادي والحكومي بكل مفاصله، ناهيك عن المعاناة الناجمة عن الانفلات الامني وفوضى انتشار السلاح وتهديدات اعمال الارهاب قد وصلت إلى درجة خطرة وشديدة القتامة ومع ذلك فهناك من لازال يعمل بكل مكر وخبث على اطالة هذه المعاناة والدفع بها نحو الانفجار اما عن طريق وضع العراقيل امام مؤتمر الحوار واستثمار كل ما يراه من اوراق لكسب الصراع والضغط على الطرف الآخر أو عبر الانحراف بهذا الحوار إلى حيث ينصب الشيطان رايته.
وإذا كان من المسلم به أن الرئيس هادي يحمل الكثير من النوايا الطيبة ويسعى جاهداً إلى انتشال اليمن من وهدة الهوة السحيقة التي قد ينزلق اليها وأنه الذي لا يريد الا الخير لوطنه وتشهد على ذلك السيرة المتزنة للرجل، لكني شخصياً كمواطن أتمنى عليه التوقف عن مهادنة الطرف الذي صار يتلاعب بصورة مكشوفة بمصير مؤتمر الحوار الذي يرتبط به مصير هذا البلد بأكمله, خصوصاً بعد أن حول ذلك الطرف مؤتمر الحوار إلى ساحة رماية مفتوحة على كل المصطلحات التي تذكي النعرات المناطقية والاحقاد والضغائن بين ابناء الوطن الواحد.. كما أتمنى على الرئيس هادي ككثير من المواطنين البسطاء ألا يخضع بأي شكل كان لأي جهة أو مكون أو فصيل أو حزب يحاول الإضرار بمصالح البلد الذى أؤتمن عليه لاعتبارات نفعية أو انتهازية تتعدد بتعدد أمراض المجتمع المزمنة جهوية ومناطقية وشطرية ومذهبية حتى لا يصبح مثل هؤلاء سيفاً مسلطاً على رقاب هذا الشعب الصابر والموجوع.
وفي مخاض عسير كهذا وإن اقتضى من الرئيس هادي أن يقف في بعض الوقت على نفس المسافة من الجميع لما من شأنه الحفاظ على شعرة معاوية مع كافة الفاعلين السياسيين على الساحة الوطنية فإن هذا النهج لا ينبغي له أن يصبح بديلاً عن (الدبلوماسية الناعمة) التي تعتمد أسلوب (العصا والجزرة) والتى نجد أنها قد تفيد أكثر من غيرها في حلحلة الملفات الساخنة وبالذات ملف القضية الجنوبية الذى بات أخطر ما يتهدد نجاح مؤتمر الحوار وكذا عملية الوفاق السياسي سيما إذا ما استمر استكبار الحراك الجنوبي على الشراكة الوطنية وظل أطرافه المأسورون بالايدلوجيات يتوزعون الأدوار على حساب هذا الوطن ووحدته وامنه واستقراره.. حيث نجد منهم من يعمل على إغواء بعض الأطراف الإقليمية والدولية بمغريات الشراكة في النفط والغاز واخر بجعل سوق الجنوب المنفصل حكراً لبضائعه وثالث يتنازل عن السيادة الوطنية ولا يرى مانعاً أن يغدو الجنوب قواعد عسكرية لكل من سيدعمون انفصاله.
ولعل الرئيس هادي لا يجهل أنه ومع كل يوم يمر على الاحتقان في اليمن تختفي وجوه وتبرز وجوه جديدة اشد تطرفاً من المتاجرين بالقضية الجنوبية وسماسرة الحروب وقد علمتنا التجارب في اكثر من صراع داخلي ان نجد الوصوليين والحكماء والانتهازيين والعقلاء والمتآمرين والمصلحين كما هو حال الكثير من الاطراف الذين يتغزلون باليمن ووحدته ويلعنون الانفصال والداعين اليه في النهار فيما يمضون ليلهم بالتخطيط لهذا الانفصال والانغماس في مخططات تفوح منها رائحة الفتنة والدم والخراب.
اليمنييون الخائفون على وحدتهم ووطنهم واستقرارهم من حقهم على الرئيس هادي الذى توافقوا على شخصه ومنحوه ثقتهم ان يسمعوا منه ما يطمئنهم ويهدى من مخاوفهم على مستقبلهم وذلك بمصارحته لهم بموقفه من الاملاءات والشروط التى يتمسك بها فريق الحراك الجنوبي والذى اعاد احياء الظاهرة الصوتية للانفصال التى بدأت تخبو وتتلاشى في الشارع الجنوبي عبر منبر مؤتمر الحوار حتى ظن البعض ان هذا المؤتمر اصبح معنياً في تحويل الانفصال من ظاهرة صوتية إلى فعل حقيقي على الارض..
حيث وان مثل هذه المصارحة صارت ضرورية حتى يعلم الجميع اين تقف سقوف الحوار واين يمكن لها ان تنتهي خصوصاً وقد أصبح الجميع مقتنعاً بأن هناك طبخات للساسة وهناك طبخات للخارج ول ايدري أحد أي الطبختين تنضج الأخرى في مطبخ صارت فيه كل الخيارات واردة وكل الاحتمالات ممكنة رغم قناعتنا بأن الرئيس هادي بما يمتلك من شرعية شعبية ودعم اقليمي ودولي قادر على ايقاف اللعبة السمجة التى يمارسها الحراك الجنوبي بهدف خلط الاوراق واعادة الاوضاع إلى المربع الاول وان الرئيس هادي بمقدوره تصحيح الخطأ الذي وقع فيه القائمين على مؤتمر الحوار عندما اعتبروا فريق الحراك الجنوبي المكون من 85 عضواً ممثلاً للجنوب فيما الجنوب ممثل بأكثر من 280عضواً من قوام المشاركين في الحوار والذين تم اختيارهم من احزابهم ومنظماتهم ومكوناتهم على اساس هذه الصفة فكيف يختزل تمثيل الجنوب في فصيل واحد وتنزع هذه الصفة عن الشخصيات الجنوبية الاخرى التي يهمش قراراها وموقفها بشكل غريب ومريب.
للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبارة معروفة تقول (من لايحزن على تفكك الاتحاد السوفيتي السابق لا قلب له ولا وطنية) وفي حالنا فمن لا يحزن على اليمن الموحد لا عقل له ولا قلب ولا ضمير لانه يضحي بمستقبل وطن وامة من اجل سواد عيون بعض المغامرين والمقامرين الذين وادوا دولة الجنوب عام 1986م وهربوا إلى الوحدة ويسعون اليوم إلى تخريب اليمن باكمله ليس لشيء وانما لانهم وجدوا في ذلك وسيلة للثراء والظهور والزعامة .. ومخطئ من يظن ان المشكلة هي بين اليمنيين وان هناك خلاف فعلي بين الشمال والجنوب سواء على السلطة أو الثروة وكأني في ذلك استلهم ذلك الصحابي الذي قال (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله وعليه وسلم عن الخير وكنت اساله عن الشر مخافة ان يدركني الاشرار).