يلعب التوقيت دورا مهما في تفسير الأحداث التي تطرأ بلا مقدمات مقنعة.
وبالنظر إلى عامل التوقيت في عدوان الحوثي على قرية دماج، نلحظ التزامن مع اللمسات الأخيرة لمؤتمر الحوار الذي بدأ يشعر مهندسوه بصحوة شعبية تجاه مخرجاته التمزيقية تحت لافتات براقة: الفدرالية والاتحادية ومنع الانفصال وإنهاء سطوة المركز.
بطبيعة الحال لا يحتاج الحوثيون لمبررات لاقتحام دماج واستئصال شأفتها، لكنهم يدركون ان الاقدام على خطوة كهذه دون تنسيق قد يجلب عليهم تحالفا شعبيا ورسميا يقلص من مساحة النفوذ التي باتوا مسيطرين عليها، ولهذا فهم في تقديري أمِنوا في هذه المرة جانب السلطة مقابل القيام بعدوان يصرف اهتمام المجتمع من ضاحية موفنبيك إلى ضاحية دماج مع قيام السلطة بإدارة ذكية لمهمة اللجنة الرئاسية تجعل منها أداة لإطالة أمد العدوان حتى يتنهي مهندسو موفنبيك من إعداد المسودة الختامية لمؤتمر الحوار دونما تعكير.
بالنظر إلى عامل العدة والعتاد لا يصعب على الحوثيين التفوق الميداني مهما كانت خسائرهم كبيرة جراء استماتة طلاب دماج في الدفاع عن مركزهم وبيوتهم وأطفالهم. والتاريخ يثبت أن مظلومية أية مجموعة معتدى عليها تقوي صمودها لكن الكلمة الأخيرة تظل لموازين الشوكة والمقصود أن العدوان الحوثي يدار بطريقة تطيل من أمد المأساة. وبعدها تتكفل خبرة الحوثيين الكبيرة في سلب الناس ذاكرة المأساة.
تستحق مأساة دماج الاهتمام الوجداني والإعلامي والإغاثي بل وإسنادهم بكافة متاحات الصمود، ولكن ضمن انتباهنا لأطراف اللعبة مجتمعة.. ولا يزال مطلوبا من الكثير منا ألا يخدعهم شعار الحوثي في سبر واستكناه حقيقة الدور الراهن الذي يلعبه سادة الحوثي ولصالح من.
لماذا يلعب الحوثي هذا الدور؟ لانه من جهة لا يريد بقاء دماج، ومن جهة أخرى يساعد في تمرير الفدرلة التي تشرعن له التموضع الحالي في شمال الشمال وتفتت وطن أيلول وتشرين بطريقة يسهل معها ابتلاع هذا الوطن المنكوب بهمة أعدائه واختصام أبنائه.
لقد ذهبت كل الدول اليمنية التي انبلجت خلال الألف سنة الماضية دون عودة.. الصليحيون والرسوليون والطاهريون.... وظلت الإمامة مشروعاً كامناً يمتلك آلية التجدد والعودة من جديد عبر شعارات خادعة وفي بيئة متصارعة وسلطة خائنة وجيل طيب يرسب في مادة التاريخ فيمزق دفتر الجغرافيا.