نصت المادة «7 - ب» من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية على أن «تبدأ المرحلة الثانية ومدتها عامان مع تنصيب الرئيس بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة وتنتهي بإجراء الانتخابات العامة وفقا للدستور الجديد وتنصيب رئيس الجمهورية الجديد».
اليوم بدأ الساسة التفكير في وسائل للتخلص من حبائل فشلهم في التوصل إلى نهاية مرحلة توهم أغلب اليمنيين أنها بداية الانتقال إلى عهد جديد، فإذ بهم يقادون إلى تفسيرات متأخرة من معدي المبادرة وآليتها شاركهم فيها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، بل إنه كان أعلاهم صوتا وأكثرهم صراخا متبوعا بوعيد أممي، وأنا هنا لا أسجل اعتراضا على النصوص ولا على الظروف القاهرة التي اعتدنا سماع مبرراتها، ولكني كنت أتمنى أن يجري الإخراج بصورة فيها احترام لآمال الشباب الذين قادوا حركة التغيير في ميادين اليمن وانتهت أحلامهم بارتباك وحيرة شارك في صنعهما الذين استولوا عليها وتوهموا أنفسهم حملة مشاعل المستقبل في قاعات الموفينبيك!
جرت العادة أن يتجاهل الحزبيون اليمنيون كل نص مكتوب متفق عليه، ثم يكتفون باقتباس ما يناسب الأغراض الحزبية والمطامع الشخصية وينطلقون عبر آلتهم الإعلامية في تحضير الأجواء بما يتلاءم مع مصالحها، ولعل الأكثر بروزا في هذا المضمار هو حزب الإصلاح الذي يمثل الجناح اليمني لجماعة الإخوان المسلمين، وكان هو الذي تقدم الصفوف لترشيح الرئيس السابق علي عبد الله صالح قبل أن يفعلها حزبه (المؤتمر الشعبي العام) في الانتخابات الرئاسية التنافسية الأولى في تاريخ اليمن التي جرت في سبتمبر (أيلول) 1999، بل إن زعيم الحزب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رحمه الله، خالف قرار حزبه في سبتمبر 2006 ووقف مؤيدا للرئيس صالح، في حين أعلن حزبه تأييد منافسه الراحل العظيم المهندس فيصل بن شملان.. واليوم يفعلها حزب الإصلاح مرة أخرى منطلقا من فقه الضرورة أو فقه المصلحة اللذين تستخدمهما الأحزاب المؤدلجة دينيا عند اقتراب مواسم الحصاد واقتسام الغنائم.
من المؤكد أن الأحزاب الأخرى ستكون مضطرة للحاق بما فعله الإصلاح، وخصوصا المؤتمر الشعبي العام الذي أصابته الحيرة، بينما كان الحزب الاشتراكي قد مهد مسبقا بالحديث عن الفترة التأسيسية التي فسر أهميتها لإعداد البلاد لمرحلة لا أحد يعرف ملامحها.. لن أتحدث عن الأحزاب الأخرى لأنها لا تمثل ثقلا مؤثرا في الساحة، وإن كان الالتفات إلى رأي الحوثيين (أنصار الله) مهما لما يملكونه من سلاح يغنيهم عن الوجود الحزبي المنظم.
إن مقاييس الربح والخسارة التي يمارسها بإتقان الساسة المحترفون والأحزاب اليمنية، تنطلق وتنتهي عند جردة الحساب النهائية التي يبتغونها فتتلون المواقف تبعا لأهواء الحاكم، أي حاكم، فتبدأ بتلمس أهوائه ورغباته ومزاجه وتبعا لذلك تصوغ خطابها الإعلامي وتجيره لحشد المناصرين وإيهام المواطنين بالمكاسب الوطنية التي سيجنونها، بينما واقع الأمر يؤكد أنهم أبعد ما يكونون عن همومهم ومتاعبهم، ولن يكد أي باحث حصيف في اقتفاء آثار التقلبات في المواقف المعلنة، والتي كان الهدف منها تخدير الشباب الذي خرج حاملا شعار التغيير فإذ به يفيق صفر اليدين من كل آماله وطموحاته.. واليوم ونحن على أبواب استمرارية المرحلة التي تلت انتقال السلطة فإن على الذين صاغوا الآلية التنفيذية أن يعلنوا للناس مقاصد نصوصها ولماذا لم يدافعوا عن أسباب تأخرهم في تنفيذها، لأن هذا هو المدخل الصحيح لتطبيق مبدأ الشفافية والمصارحة اللذين هما أقل ما يتوقعه الناس منهم.
الآن وبعد أن بدأ انقشاع الغبار من زحام الموفينبيك وانتقال أوراق الصفقات إلى خارج قاعاته، اتضح أن الانتقادات التي وجهها كثيرون لما كان يدور في المنتجع كان المقصد منها إعادة توجيه الحوارات إلى مبتغاها الذي من أجله خرج الناس إلى الميادين ونزفت دماؤهم فيها، لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح نتيجة الغرور والركون على اللاعبين الدوليين في إسكات كل صوت معارض أو منتقد، وارتفعت نبرة التهديدات والتلويح بعصا مجلس الأمن الذي بدا للبعض من السذج أنه متفرغ للشأن اليمني، وفقد مبعوثه في اليمن بريقه، إذ لم يستوعب حساسية اليمنيين من التدخلات الفجة الخارجية في شأن يمني خالص.. في المقابل يجب عدم إنكار أنه أدى عملا طيبا في البداية معتمدا على الاهتمام الإقليمي حينها والرغبة الدولية لوضع حد للأزمة اليمنية حتى يتفرغ هؤلاء لمتابعة ما يجري في أرجاء المنطقة من سوريا إلى ليبيا وإيران، وبعد انحسار الأضواء عن اليمن تصور مستشار الأمين العام أن الفرصة قد سنحت له للعب الدور الحاسم والوحيد، وعمد إلى تغييب الدور الذي كان يجب أن يكون الأهم والحاسم والأكثر حضورا لمجلس التعاون.
صارت الأحزاب اليمنية مستسلمة لما يبديه المبعوث الدولي، ولم تعد تتصور أنها قادرة على رفض مقترحاته أو تعديلها حتى إن لم تتواءم مع الرغبة الشعبية والمصلحة الوطنية، وصار كل طرف يطلب رضاه والتقرب منه طمعا بشهادة قد تجنب هذا أو ذاك دخول مجلس الأمن كمعرقل لتنفيذ المبادرة الخليجية حسبما يتراءى للمندوب الأممي.. وهذه المواقف أضعفت قيمة الأحزاب وهمشت الأدوار التي كان من المؤمل أن تقوم بها للتقرب من المواطنين وهمومهم ورغباتهم وإطلاق حوار خارج المنتجع للتعرف على وجهات نظرهم باعتبارهم أصحاب الحق الأصيل.
إن الذين يصرخون معلنين نسب النجاح وانشغالهم بوضع اللمسات النهائية للانتهاء من مؤتمر الحوار، يدركون مدى زيف ادعاءاتهم وأنها لا تستهدف إلا وسائل الإعلام، وهم يمارسون هذا الدور طمعا في مواقع تتناسب مع مهاراتهم الاستعراضية وأرقامهم الفلكية.. أما الرئيس هادي فليس بحاجة إلى ما تعرضه الأحزاب مجتمعة أو منفردة ولا إلى المزايدين والمنافقين، فالدستور الحالي فيه من النصوص ما يمنحه كل الصلاحيات لممارسة دوره كاملا، فهو بموجبه لا يحتاج إلى مكرمة حزبية ولا دعم إلا من المواطنين الذين يتوقعون منه الخروج بهم من سطوة الأحزاب والساسة المنهكين، ومن واجبه أن يفتح نوافذه مشرعة لدماء جديدة تعيد شيئا من الأمل إلى نفوس الناس واستبدال الوجوه الكالحة التي لا يعول عليها المواطنون.. هو وحده بيده أن يفعل ذلك معتمدا على الداخل فقط لمنحه المشروعية التي يحتاجها أي حاكم بعيدا عن مناورات الأحزاب وأوهام الخارج.