سؤال صار يتردد كثيرا على ألسنة اليمنيين وهم يتابعون تطورات المواجهات المسلحة بين العناصر الحوثية، وجماعة السلفيين والجارية منذ عدة اسابيع في محافظة صعدة الشمالية والتى سقط على اثرها المئات من القتلى والجرحى من كلا الطرفين إلى جانب ما احدثته من انقسام وشرخ واضح في البنية الاجتماعية بعد ان سعى كل طرف في هذه المواجهات إلى استقطاب المزيد من المناصرين وتحشيدهم على اساس مذهبي أو طائفي إلى درجة بات يخشى معها ان تؤدي هذه المواجهات إلى انزلاق اليمن في اتون صراع يضعه في عين العاصفة على شاكلة ما يجري اليوم في العراق الذى افترسته نزعات الكراهية بعد ان حلت الهويات الطائفية والمذهبية والعرقية مواقع هوية الانتماء المشترك.
وهنا تبرز صورة الدولة اليمنية ودورها وموقفها من ذلك الصراع المميت والسلاح الذى يدار به اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ما وصلت اليه الامور في تلك المواجهات والتى خرجت عن نطاقها الجغرافي الضيق ليتولد عنها ثلاث جبهات جديدة في عمران وكتاف وحرض، والغريب في الامر ان الاعم الاغلب داخل الحكومة وخارجها لم يلتفت إلى خطورة ما ستؤول اليه الامور في المستقبل إن بقيت الاحداث على ما هي عليه من دون ان يفكر الجميع بحلول سريعة وجذرية للأحداث المتسارعة في محافظة صعدة التى تحولت إلى ساحة قتال بين معسكرين يأكل احدهما الاخر دون تمييز أو تشخيص.
إن اعادة صعدة إلى سيطرة الدولة وسلطاتها ونزع الاسلحة من يد طرفي الصراع وان بدت من الناحية النظرية عملية شاقة وصعبة في ظل الظروف الاستثنائية التى تعيشها اليمن فان الاصعب من ذلك هو ترك الحبل على الغارب امام من ينفخون في كير تلك الفتنة لإحراق اليمن بمن فيه واعطاء المبرر لاي فئة من الفئات المسلحة للقيام بتنفيذ اجنداتها متذرعة بأنها من تسد فراغ عدم قيام الدولة بوظيفتها.
وقد اثبتت تجارب السنوات السوداء ان كل الويلات التى عانى منها اليمن في الماضي كان الفاعل الاساسي فيها تقاعس الدولة عن القيام بواجباتها ووظائفها واتاحة الفرصة لبعض الفئات لمنازعتها اختصاصاتها والظهور كند للدولة بل تجاوز الامر إلى ان اصبح هناك من هذه الفئات من يمتلك من القدرات والإمكانات والأدوار التى تضاهي قدرات الدولة ان لم نقل إن الجماعة الحوثية اصبحت تتعامل في محافظة صعدة وكأنها دولة داخل الدولة.
ما يجري في صعدة لا يمكن فصله عن ما يعتمل الان في عدة بلدان عربية وكل ما هو مطلوب حالياً وبعيداً عن كل الحسابات السياسية والحزبية والخلافات المذهبية القائمة بين الحوثيين والجماعة السلفية المتمركزة في منطقة دماج هو تجنيب البلد ارتدادات البراكين المتفجرة في عدة ساحات عربية وإنقاذ اليمن ومعه كل اليمنيين من كوابيس فتنة باتت تهدد بسقوط السقف فوق رؤوس الجميع خصوصا بعد ان سلك طرفا الصراع المسلك نفسه في التحشيد الطائفي والمذهبي واتجه الطرف الاضعف إلى التزود بأكبر قدر من السلاح بعد ان وجد نفسه في قتال مع جماعة تعتقد انها الاكثر تفوقاً منه قبل ان تتفاجأ بأن المسألة ليست بتلك السهولة وانها التى تبدو عاجزة وبعد عدة اسابيع من حسم المعركة وإلحاق الهزيمة بالطرف الاخر الذى تختلف معه في الفكر اوالمذهب.
ولا نخال ان يمنياً واحداً لا يشعر بالقلق جراء الفتنة المذهبية والطائفية التي تنشر سمومها في محافظة صعدة وتمعن في تمزيق النسيج الوطني فيما البعض يقف متفرجاً، والبعض الاخر يصب الزيت على نيرانها الخبيثة متلذذاً بدماء الضحايا دون ان نخجل جميعاً من عجزنا عن التصدي لكارثة تحاول اعادتنا إلى زمن الفتنة الكبرى التى وجدت من يغذيها من شياطين الحروب العبثية..