الثورات العربية – وإن كانت قبل مجيئها هي أمل الشعوب في نيل حريتها واسترداد كرامتها وإنسانيتها من أنظمة مستبده ضنت على ما يبدوا بنزعاتها التسلطية
أن تجفيف منابع الفكر الحر وقمعه والعمل على إضعاف المجتمع واستنزاف ثرواته الوطنية ونهبه، وجعله فقيراً وضعيفاً اقتصاديا واجتماعيا، سيحصنها ومناصبها ويضمن لها البقاء على المدى الاطول..
فجاءت - الثورات - معاكسة لما رسمته هذه الأنظمة.. مكتظة عقول وقلوب الناس بفكرة الحرية والإرادة الكريمة في الحياه، وفي تغيير أقدار المجتمعات الضعيفة والفقيرة نحو الأحسن..
لكنا إذا بحثناها من الناحية الواقعية وقارناها بالأحداث والنتائج التي جاءت مغايرة لتطلعات الشعوب نستطيع أن نستنتج أنها – الثورات – شكلت فرصةً استثنائية لقوى خارجية(غربية – وعربية) وفي مستوى من الخباثة والشيطنة السياسية كان لابد أن تغطى هذه الثورات بغطاء ايديولوجيا يدعم وجودها ويؤمن وصولها لتحقيق أهداف ومخططات استماتت في تحقيقها إلى أن لاحت أضواء هذه الانتفاضات فكان هذا هو المقصود في تحقيق الحلم المنشود..
لذلك عملت هذه القوى على تنويم العقول العربية وإجهاض وعيها وثوراتها ودفنها في دوامة الصراع الطائفي والمذهبي. وخلق العداوات ونشر الفوضى بين أبناء الوطن الواحد وتفريقه. تحت مسميات زائفة من نسج فكرها ومكرها السياسي..
قد يتعلل البعض بأن ما جرى ويجري في بعض أرجاء الوطن العربي، محض جعجعة ثورية لأن المراحل الانتقالية التي تعقب الثورات لابد أن تشهد حالات من الصراع والتخبط والحروب والصدامات. ولا شأن لأي قوى خارجية غربية كانت أو عربيه في ذلك...
وهنا لابد من سؤال : هل الانتفاضات والثورات حققت أين من أهدافها الخاصة بها والمعبرة عن كل القوى المنضوية تحت لوائها من الشباب والمواطنين العاديين والفلاحين والفقراء وأبناء القوميات المضطهدة والمحرومة؟؟ أم أن هناك من التبس رداء الايدلوجية الثورية وأنقض عليها ؟؟
مما حال دون نجاح انتفاضة شعبية عامة. بل كتلً هلامية من أحزاب وطوائف وجماعات جندت ووظبت بمجموعاتها لخدمة وتحقيق أهداف ومآربالقوى الخارجية والقومية والمصالح الخاصة..
تونس – مثلاً- شرارة الثورات وبوابة الربيع العربي (كما سموها) أنجبت يأساً ثورياً يليق بانتفاضتها التي أذهلت الشعوب.. وكما يقول أغلب التونسيون( أنهم ممتعضون مما يحصل بعد أن استحوذت على المناصب العليا في الدولة أحزاب سياسية لم تكن في النشاط الثوري والجماهيري،غيرت مسار الثورة وجاءت بنتائج بعيدة عن مطالبهم الأساسية وأهدافهم و....و...) مؤكدين ضلوع قوى خارجية لا تريد للبلد الأمان..
ليبيا دفعت ثمن ثورتها لتنجب مجموعة من الثورات _ حيث يؤكد أكثر الساسة الليبيون وجود قوى خارجية استغلت ضرف الثورة وفرضت اتفاقات مجحفة بالحق الليبي كثمن لتدخلها في إسقاط القذافي بالقوة. وهي عودة للهيمنة على تلك الثروة..
مصر – أيضاً- مثل شقيقاتها أنجبت في هذه المسرحية دروساً في اليأس الثوري – فحكم العسكر الذي ثار عليه الشعب هو حكم العسكر الذي يختاره الشعب – بإرادة ومباركه القوى الغربية والقومية...
اليمن هي الأخرى حلمت بثورتها نصراً قادماً وشعاً موحداً،حلمت بالحرية بالعدل بالمساواة حلمت وحلمت، حتى استفاقت على خطيئة الأحزاب والطوائف. شعب مجزأ ونسيج ممزق وثقافة عنصريه وطائفية تجتاح عقول العامة دون تمحيص.
انتظرت أحلامها كي تصادفها في قارعة الأسوأ على جميع الأصعدة.بتدخل قوى خارجية واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، فاليمن هي الملحمة أو الغنيمة أو الكعكة الوحيدة والثمينة التي تسعى لاقتسامها أكبر هذه القوى المتمثلة في (السعودية – إيران –إمريكا)..
كثيرةً هي الدلائل وأكثر منها الوقائع والاحداث والأمثلة اللافتة إلى وجود قوى خارجية ساعدت حركات داخلية ذات قيادة عربيه في إجهاض كل المشاريع الثورية النابعة من أوجاع الناس وآلامهم..وصناعة ثورات زائفة تصوغها وتحركها وفق ما تقتضيه المصلحة ويضمن لها تحقيق مشروعها ونفوذها على صعيد عالمي..
ختاماً : إنا لو نظرنا إلى الوراء تحديداً السنوات الثلاث الأخيرة لنبصر صورنا الفوتوغرافية البيضاء والسوداء لكأننا (بأبو لعزيزي) يستشرق المستقبل ويجهز لنا مأدبة بكاء فاخرة تليق بثوراتنا القاتمة.