صباح اليوم وعلى طاولة الوزراء ، يناقش المجلس انضمام اليمن لمنظمة الجات ، هكذا تدار الأمور في البلاد وتجبرنا على وضع علامات استفهام طويلة ، لربما كنا نشعر في السابق بالامتعاض كلما اعترضت كرواتيا على انضمام اليمن لمنظمة الجات ، كانت في كل مرة تقدم تبريرات اعتراضها منفردة ، ونحن في كل مرة أكثر حماساَ وإصراراً للانضمام ، لاندري لماذا تدار الأمور بكل هذه السذاجة ، نلهث خلف المنظمات بطريقتنا البدائية وعقولنا المتعثرة .
اتفاقية الجات فكرة مبهرة بعض الشيء إلا أن اشتراطاتها تبدو كمن يسلب ما تبقى لديك ثم يجبرك على التبضع في أسواق أوروبا وأمريكا الفارهة دون أن يتيح لك خيار آخر لتسد جوعك ، ثمة أمور لا تصلح حتى للمقارنة وليست بحاجة للاستشهاد ، ندير التجارة بطرقها قبل البدائية ، وتتجسد صورها النمطية في (حمالين ، دينة أو مجنونة، محاسب سفري ) هذه تجارتنا ، الأدوية والسلع المهربة تغزوا كل نقطة في البلاد ، تجارتنا بلا ضمانات ولا دولة .
الاقتصاد الوطني برمته مهدد بخسائر فادحة وتراجع كبير ، هو غير مهيأ البتة للانضمام (هكذا قال خبراء وأساتذة الاقتصاد والأكاديميين) حيال اتفاقية الجات ، لسنا مدركين جسامة ما نفعل ونحن نعرض الاتصالات اليمنية كثروة هي ما تبقى للشعب إلى التبديد والبعثرة ، كيف بإمكاننا أن نتخطى مستقبل مجهول يتربص بعشرين ألف عامل ينزفون عرقاًَ في ميناء عدن والمصانع الوطنية والاتصالات ، هم الآن يقفون عند آخر نقطة من البناء والتشييد وما أفنوا حياتهم لأجله ، وعلى الوزراء اليوم أن يقفوا أمامه بعين العناية والاهتمام ، حري بهم أن يضعوا هشاشة البنية الاقتصادية وجاهزيتها المتعثرة نصب أعينهم ، المرحلة الصاخبة التي تمر بها البلاد غير قابلة لخوض المزيد من المغامرات والمجازفات غير المحسوبة .
نتداعى للتعقل والحكمة في إدارة البلاد ليس من قبيل الترف وبلوغ درجة النقاهة إنما بحثاً عن ملاذ آمن ينقذ البلاد والناس من متاهات وطرق ملتوية لا طاقة لنا بها ، لازال أمامنا وقت طويل حتى نستعيد الثقة في وطن منهك لا يحتمل إخفاقات وكوارث إضافية ، الاقتصاد الوطني متعطش لتوثيق أسسه وعراه وتطوير بناه ودعمه وتأييده لا أن نغرقه في السوق الحر ومنظمة الجات دون دراية بالمصير ودون الاستناد لأساس اقتصادي سليم ، لا ننتظر من وزرائنا اليوم التعديل في الاتفاقية فحسب بقدر انتظارنا للإلغاء الكامل أو التأجيل المفتوح حتى تنتهي الحكومة من سن التشريعات وتوفير ما يضمن للاقتصاد الوطني ثباته وتماسكه ، لقد تجاوزنا أموراً كثيرة وكان التعقل والحكمة حجتنا ، البلد يعيش بمجلس نيابي عمره تجاوز العشر سنوات ، نعيش زمن التمديد والصبر والجلد ، تحملنا ونتحمل مرارة التدهور الأمني المر بغطاء التعقل والحكمة أيضاً ..
فكيف بنا أن نهرع لجحيم الجات بسرعة الجنون...