بعد أن قامت ثورات الربيع لم أكن متفائلاً بهذه الثورات لأنها ليست الوسيلة المشروعة للتغيير والإصلاح، فالمظاهرات والصراخ وعدم الوضوح له مخاطره ونتائجه الخطيرة، وما إن خرج هؤلاء بطلب التغيير الذي وافق آلام ومعاناة الناس من الظلم والفساد والقمع وغلاء الأسعار والبطالة والأوضاع التي خلفتها الأنظمة العسكرية الشمولية التي أدعت أنها جاءت للتحرير والثورية ....الخ من شعارات..
إن هؤلاء الذين خرجوا للمظاهرات المطالبة بالتغييري ليسوا محصنين ولا يحملون فكرا وكان دور أجهزة الإعلام وشبكات التواصل في توجيه هؤلاء الشباب بأفكار تريدها أن تصل لعقول هؤلاء، وفعلاً كان هناك ثعالب في الداخل وذئاب في الخراج، فثعالب الداخل هم الساسة وأصحاب الأحزاب المعارضة التي بعضها مفلس لا رصيد له، وبعضها وجدها فرصة للوصل إلى السلطة، وذئاب الخارج كانت تخطط لحروب وجر المنظمة لصراعات طائفية ومذهبية وعرقية وتمزيق هذه البلدان..
وقد حصل فعلا اختفى هؤلاء الشباب وضاعوا، وتحول بعضهم أبواقاً لساسة وأحزاب لها أجندات ليست في مصلحة الأمة، وهي لا تختلف عن الأنظمة السابقة إلا في المسمى، وفعلا عاد نظام مبارك في مصر بمسميات جديدة، وعلى مراحل واستطاع نظام الدولة العميقة هذا أن يوجه ضربة لخصومه، فكان وصول مرسيي للرئاسة مرتب له ترتيباً تكتيكيا ذكيا، وانخدع الرجل ومن معه وصدق إنه رئيس جمهورية، ولم يكن الرجل يعرف ماذا يراد له، وللأسف أنه قبل ببعض الممارسات كحل مجلس الشعب وساير العسكريين ونظام مبارك على ما أرادوه ، وهؤلاء قرروا أن يحرقوه ويدمروا من معه ويعيدونهم لنقطة الصفر، وبخسارة كبيرة، وفعلا خرج مرسي من الحكم خاسراً وبطريقة مذلة واستطاع خصومه أن يحرقوا سمعته وتحالف الجميع ضده وضد فكرته التي تخلى هو نفسه عنها..
وتمكن الإعلام من شن حملات قاسية غيرت الشارع ضده، وضاع الشباب الذين خرجوا، فلم يعرفوا أين يكون موقعهم واضطربت لديهم الأفكار. واختل الوضع في مصر وانشغلت مصر بمشاكلها الاقتصادية وتعثرها ولم تعد ذات موقع قيادي أو لها أي دور، وهو ما اراده ذئاب الخارج، وأصبحت الأوضاع بشكل محزن وانقسم الشارع إلى أنصار مرسي وإلى أنصار الدولة الجديدة. وكان ذلك على حساب قضية فلسطين والقدس الشريف ودور الأمة العربية وضياع الهوية.
وكان هذا متزامنا في اليمن من ظهور حركة الانفصال التي تقف ورائها إيران من خلال دعم علي سالم البيض في الضاحية وغيرهم والتدريب والتمويل كجزء من مخطط يشمل العراق وسوريا والبحرين وغيره، وكذلك تمويل الجماعات الإرهابية، وذلك لتمكين الأحزاب الشيعية من السيطرة والذين تم إعدادهم من السبعينات، وما جرى في اليمن أخيرا من توسع الحوثي ظاهراً من خلفه الأحزاب الشيعية وإيران والعراق وحزب الله تنفيذاً للمشروع الصفوي للإمبراطورية الإيرانية، ولا زال الأمر يسير من فوضى وخوف باليمنن وفشل القيادات والأحزاب التي هربت إلى مشاريع أخرى، كمشروع الأقاليم وغيره والوقوف بسلبية لمستقبل وأمن واستقرار اليمن، وجره لحرب أهلية تخدم مصالح خراجية وأجندات تستهدف الأمة وضمت عربي وضياع هؤلاء الشباب وانشغل من وصلوا إلى السلطة عبر الربيع بالكراسي والمظاهر ولم يقدموا أي برنامج أو إنقاذ بل أصبحوا يسيرون في المخطط المرسوم لهم، ولم ينظروا إلى الأبعاد الحقيقية وظنوا أن الدول الغربية ستقدم له حلولا ونسوا أطماع هذه الدول وموقفها من قضايانا المصيرية وظلمها للشعب الفلسطيني.
وهذا ما رأيناه في ليبيا التي تصدرتها الجماعات المسلحة ولم تعرف طعم الأمن والاستقرار، وهذا مسلسل تابع للسودان ومأساته، ومن كارثة العراق التي هي أكبر مأساة إنسانية في التاريخ المعاصر، وما يجري في سوريا وتلاعب الغرب.