بعدما اختارت تسمية (انصار الله) المشابهة لاسمه وتذكر به، تتبع جماعة الحوثيين في تعاملها مع الدولة اليمنية ومختلف الاطراف السياسيين والقبليين في البلاد، النهج ذاته الذي اعتمده "حزب الله" في قضمه المتدرج لهيبة الدولة اللبنانية ومؤسساتها وصولا إلى الامساك بقرارها، وتستخدم ذرائع مماثلة لذرائعه في رفضها نزع سلاحها والانضواء في كنف الدولة، رافعة شعارات تماثل شعاراته عن "العدو الخارجي" و "العداء لاميركا واليهود".
ففي كلمة القاها الاسبوع الماضي لمناسبة توقيع اتفاق هدنة مع السلفيين بعد معارك همدان التي حصدت مئات الضحايا من الجانبين، قال زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي "يريدوننا ان نسلم سلاحنا، لكن بماذا سنحارب العدو الخارجي؟ بالحجارة؟"، من دون ان يوضح من يقصد بالعدو الخارجي ولماذا ينصب نفسه بديلا من الدولة في الدفاع عن ارض اليمن.
وهو المنطق نفسه الذي تحدث ويتحدث به "حزب الله" عندما يصر على ان "المقاومة" التي استنفدت اغراضها ودورها بعد حرب 2006 وقرار مجلس الامن 1701، يجب ان تبقى كيانا مستقلا عن الدولة، يعود اليها قرار الحرب والسلم، لأنها الأقدر على مواجهة "العدو الخارجي"، ولأن الدولة اللبنانية "ضعيفة وغائبة تعطل الانقسامات السياسية والطائفية دورها وقدراتها"، وكأنه ليس طرفا في هذه الانقسامات ولا يشجع عليها. واستخدم الحزب حجة "غياب الدولة" ايضا في تبرير حربه "الوقائية" في سورية لمنع "المتشددين" من دخول لبنان، وهو ما ثبت بطلانه.
وكان الحزب قام في بداياته بحملة تطهير في جنوب لبنان وسائر مناطق انتشاره استهدفت ابناء طائفته الذين يرفضون ارتهانها لإيران وكذلك ابناء الطوائف الاخرى الذين كانوا يرون في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي واجباً وطنياً يفترض ان يلبيه جميع اللبنانيين على اختلاف معتقداتهم الدينية والسياسية، ونجح في "حصر" المقاومة بنفسه، وربطها بالقرار الإيراني – السوري المشترك الذي يتحكم بتوقيت المواجهات وحجمها وتسوياتها، متخذاً قراراته بمعزل عن الدولة والجيش وسائر المكونات اللبنانية على رغم تحملهم تبعاتها.
وهذا تماما ما فعله "الحوثيون" عندما اقدموا على "تطهير" مناطق انتشارهم الرئيسية في محافظة صعدة من معارضيهم حتى بين الزيديين الشيعة، واخرجوا السنة منها بحجة انهم "تكفيريون" (التسمية ذاتها يطلقها "حزب الله" على المعارضين السوريين لنظام بشار الاسد ورعاته الإيرانيين)، ثم انتقلوا جنوبا إلى همدان التي لا تبعد عن صنعاء سوى 20 كيلومترا بحجة تأمين حرية الانتقال بين صعدة والعاصمة، وعادوا لاحقا إلى عمران في الشمال وهاجموا مواقع الجيش، معلنين رفضهم نتائج الحوار الوطني الذي قضى بتقسيم اليمن إلى ستة اقاليم اتحادية، لان قبولها يعني التخلي عن فكرة التوسع والاكتفاء بالحيز الجغرافي والسياسي المحدد لهم بموجبها.
وعلى غرار "حزب الله" رفع "الحوثيون" شعارات معادية ل "الشيطان الاكبر" الاميركي ولاسرائيل، واضافوا اليها اليهود، لكن على رغم ان الحزب عدّل لهجته وخففها تجاه الاميركيين نتيجة المفاوضات بين واشنطن وطهران، واصل الفرع اليمني "عداءه" للولايات المتحدة لاستقطاب متطرفي "الحراك الجنوبي" وتنظيم "القاعدة" الذين تستهدفهم الطائرات الاميركية بدون طيار، والذين يشاركون الحوثيين رفضهم للدولة الاتحادية.
حتى الآن لم يرد الجيش اليمني على استفزازات "الحوثيين" الاخيرة، ربما لرغبة الرئيس هادي في تلافي أي تصعيد يعرض خريطة الطريق التي وصل اليها الحوار الوطني للإنهيار، ويعيد الوضع إلى ما كان عليه في عهد علي صالح الذي خاض ستة حروب ضدهم اضعفت الجيش ولم تخضعهم. لكن اذا ما استمرت سياسة التجاهل هذه فقد تصل باليمن إلى وضع مماثل للبنان، حيث لإيران النفوذ الاقوى.