السبق الذي تريد أن تحققه بعض القوى السياسية استعداداً لخوض الانتخابات العامة لا يمكن أن يكون بعيداً عن آمال وتطلّعات الجماهير وتحقيق رغبة الإرادة الكلية للشعب، ومن يفكر في جماعته أو فئته أو حزبه فقط لا يمكن أن يرقى إلى مستوى القبول الشعبي، لأن المرحلة المقبلة لم تعد تقبل بالتوافقات المتعلقة بالقيادات الحزبية دون العودة إلى الجماهير، بل إن الجماهير عندما قبلت بالوفاق خلال المرحلة الانتقالية كانت تعتبر ذلك ضرورياً للخروج من الأزمة السياسية الكارثية، ومن أجل الإعداد والتهيئة للعودة إلى ديمقراطية الشعب وحقه في الاختيار الحر والمباشر الذي يجعل المنتخب يستمد قوته من الإرادة الشعبية وليس من قيادة القوى السياسية.
إن الديمقراطية التوافقية لا تعبّر عن الرضى الشعبي الذي يجعل الحاكم قوياً بقوة الاختيار ولا يتوفر فيها سوى أدنى درجات القبول الذي لا يعد عاملاً قوياً في إضفاء الشرعية الشعبية للسلطة بقدر ما يحقق القبول الصامت على مضض بوفاقات القوى السياسية، بمعنى أكثر تحديداً أن الوفاقات السياسية تحيّد الشعب فقط أما أنها تضمن الولاء المطلق فإن ذلك من الأمور المستحيلة في واقع الحياة السياسية، بل إن الوفاقات السياسية تجعل السلطة ضعيفة وغير قادرة على تحقيق الرغبة الكلية للشعب وتظل رهن رغبات قيادات القوى السياسية التي قد لا يفكر أغلبها في مصالح البلاد والعباد بقدر تفكيرها في المصالح والمنافع الخاصة جداً.
إن قوة الحاكم المنتخب عبر الاختيار الحر المباشر من خلال الانتخابات التنافسية المفتوحة تستمد من الإرادة الكلية للشعب الذي يستمد قوته من الإرادة الإلهية التي لا غالب لها على الإطلاق، ولذلك فإن المسئول المنتخب بهذه الطريقة أكثر تحرّراً من الضغوطات والاشتراطات ولا تستطيع أية قوى سياسية فرض رغبات خاصة عليه وسيكون مقيّداً بالقيد الذهبي وهو الدستور والقانون فقط وهو العقد الاجتماعي الذي سيوافق عليه الشعب ويمثل إرادته الكلية والمطلقة بإذن الله.