العقل الجمعي للشعوب لا يخطئ. هو إحساس ضمني عام غير متفّق عليه يتجلّى في اللحظات الحاسمة، وفي أوقات الضرورة القصوى ليبلور المصلحة الوطنية العامة في موقف محدّد.
تجلّى هذا الموقف الجمعي في مساندة اليمنيين لجيشهم في معركته ضد تموضعات الإرهاب في أبين وشبوة، وفي تلاحمها مع الجيش كانت جموع اليمنيين تتطلّع وتراهن على أهداف أبعد من ذلك؛ كانت تتطلّع إلى أن تكون الحرب الثانية ضد جماعة ما يسمّى ب«أنصار الشريعة» الإرهابية نقطة فاصلة مع الانفلات الأمني في البلد بشكل عام، وبداية جديدة لفرض هيبة الدولة.
ومن هذا المنطلق كان اليمنيون في كل مدينة ومديرية وقرية مستعدين لمساندة جيشهم؛ حتى لو كان ظهوره وتجلّيه في مناورة حربية؛ ناهيك عن ظهوره في مهمّة استثنائية لم يجرؤ على الإقدام عليها والأمر بها حتى الرئيس السابق علي صالح في عز قوته.
وكأن الوعي الجمعي للناس العاديين يقول للجيش وللرئيس الذي أمر بالمعركة الوطنية ضد الإرهاب؛ يقول لهما، إن هذه المعركة إذا لم تكن نقطة انعطاف لاستعادة هيبة الدولة؛ فلا معنى لها ولن تنجح لا في القضاء على التنظيم الإرهابي ولا في استعادة الأمن والاستقرار باليمن.
وقد أدركت قوى الإرهاب والظلام والعرقلة هذه الحقيقة، واستوعبت خطورة ترك نصر الجيش واقتداره العظيم الذي تجلّى في المحفد وعزان والحوطة وغيرها من مناطق أبين وشبوة؛ يتعمّم كحالة عامة لفرض هيبة الدولة واستعادة زمام السيطرة في كل فضاءات الاختلال والفوضى.
ومن هذا الإدراك التخريبي ذهبت هذه الشبكة الإجرامية لتبديد فرحة اليمنيين بنصر الجيش عن طريق تعميم الظلام على مستوى الـ24 ساعة في العاصمة وبقية المدن وعواصم المحافظات.
أدركت قوى الإرهاب والعرقلة والتعطيل أهمية نصر الجيش وضرورة تعطيله؛ ولم تدرك الحكومة ضرورة تحويل نغمة النصر وروح المبادرة التي ظهر عليها الجيش إلى حالة عامة في البلد.
السماح لقوى الظلام بسرقة نصر الجيش اليمني جريمة بحد ذاتها. التهاون والتقصير أمام تخريب الكهرباء واللعب بالمشتقات النفطية وتحويلها إلى أشبه بسوق المافيا لم يعد يُحتمل، ولا مجال لتبريره وسرد الأعذار والحيثيات المطبعة لحالته الثقيلة التي قصمت ظهور اليمنيين وأربكت حياتهم وضيّقت عليهم عيشهم، وأحبطت آمالهم بالتغيير والوضع «الجديد» بمجمله.
استمرارية حالة اللامبالاة والشلل من قبل الأجهزة الحكومية إزاء مسلسل تخريب الكهرباء وحرب المشتقات النفطية وعذابها اليومي أمر لم يعد يحتمل.
إذا أراد المتوافقون أن يحاربوا بعضهم البعض فليفعلوا ذلك بعيداً عن حياة الناس اليومية ومعيشتهم، ليبحثوا لهم عن حلبة مصارعة، بعيداً عن الديزل والكهرباء والمشتقات النفطية والسيارات المفخّخة والعيش اليومي لليمنيين.
لا مجال بعد الآن للعب على حبال الحالة الأمنية واحتياجات الناس اليومية لخدمات الكهرباء والديزل والنفط. لا يوجد وزير ثابت أو حكومة مؤبدة.
الحكومة التي لا نسمع لها صوتاً يواكب معركة الجيش ضد الإرهاب، ولا توضح ما الذي يحدث من أزمات في النفط والكهرباء لا تستحق البقاء.
مركز المبادرة والتغيير في يد الرئيس؛ عليه فقط أن يستند إلى معيار المصلحة الوطنية العامة ويعزم أمره بالتغيير. الأحزاب التي قدمت إلى السلطة والحكومة باسم الثورة، وذهبت لشرعنة المحاصصة في الوظيفة العامة وتعايشت مع تعطيل مسار استعادة الدولة، وسوّغت لانحراف مسار الحوار لا تستحق الدعم والمساندة من المغلوبين على أمرهم في الشوارع والمدن والقرى والمديريات؛ هم ينتفضون اليوم كأحزاب للدفاع عن مناصب وزرائهم وليس دفاعاً عن مسار الثورة الذي أصبح خلفنا وبتأييد منهم هم أنفسهم.
هم يرفعون صوتهم الآن ليس من أجل تصحيح المسار المعوج، ولكن من أجل تسويغ «الجرعة» بمؤتمر حوار وطني جديد.
يريدون توافقاً أوسع من أجل تمريرها وليس من أجل وقف الجحيم اليومي الذي يصطلي بناره اليمنيون: المشتقات النفطية، الكهرباء، التقطعات، الاغتيالات، التفجيرات، وبقية سلسلة الاختلالات الأمنية والخدمية.
نريد طرفاً محدّداً يتحمّل المسؤولية أمام الشعب، لا نريد توافقاً على حساب الشعب اليمني وحياته اليومية وأمنه واستقراره.. ولن يكون الطرف البديل متمثّلاً بمن لفظه الشعب وثار عليه: المخلوع وحزبه. البديل ليس «الوريث» الذي أسقط اليمنيون مشروعه بثورتهم الشعبية في 2011م. . البديل تفرزه الانتخابات والدستور الجديد بعد تعديل مساره وتجنيبه فخاخ المخرجات الملغمة، ومن يقودنا في اتجاه البديل الشرعي المنتخب هو الرئيس الذي انتخبه اليمنيون وراهنوا على دوره، هو صاحب المبادرة وقائد الجيش اليمني وصاحب قرار السلم والحرب.
الفرامل موجودة في دار الرئاسة، في مركز الرئيس تحديداً، كوابح إيقاف البلد عن الاندفاع في هاوية الفوضى الشاملة بيد الرئيس، مستنداً ومستقوياً بالمصلحة الوطنية العامة لليمن وشعبها..؟!.