بعد المصالحة بين فتح وحماس، والاتفاق على حكومة وحدة وطنية في مايو/أيار الماضي، وقد تم تشكيلها برئاسة رامي الحمد الله، وأصبحت المسؤولة عن حماية الشعب والأرض على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة.
(1)
من هذا المنطلق، نقول إن ردع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، وكذلك اجتياحات مدن الضفة الغربية، واختطاف مواطنين فلسطينيين في وضح النهار، وصل عددهم إلى أكثر من 700 معتقل، مسؤولية السلطة (محمود عباس)، فإذا تساهلت في واجبها الوطني، فليس لها الحق في منع الآخرين من تحقيق ذلك. المواطن العربي يصاب بالدهشة، عندما يعلم أن عباس شريك في صياغة المبادرة المصرية إلى جانب خبراء مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، والتي تصب في مصلحة الاحتلال.
لقد تناول أهل القلم نص تلك المبادرة، بالشرح والتحليل، منهم الذي أيّد والذي اعترض على تلك النصوص، لأنها لا تأخذ حقوق الفلسطينيين في الاعتبار. يؤكد أهل القلم، عرباً وأجانب، أن المبادرة لم تتوفر فيها الشروط اللازمة لمنع إسرائيل من العدوان على غزة، كلما واجهت الحكومة الإسرائيلية أزمة سياسية في الداخل.
إنها، أيّ الحكومة الإسرائيلية، تصدر أزماتها تلك، إلى غزة، بشن عدوان مسلّح، واجتياحات في الضفة، لاعتقالات النشطاء في العمل الفلسطيني، لتوهم الرأي العام في إسرائيل بأنها حكومة جادة في تحقيق مطالب الإسرائيليين.
(2)
المبادرة المصرية لم تكن في صالح أهل غزة والضفة الغربية، ولهذا تحفظ عليها قادة الفصائل الفلسطينية العاملون في الميدان، إلا محمود عباس ورهطه في حركة فتح. لم تشتمل على نص ضامن عربياً ودولياً بعدم تكرار العدوان على غزة، وملاحقة إخوانهم في الضفة الغربية، وإطلاق سراح المعتقلين والأسرى الذين تم اعتقالهم في الضفة الغربية، عشية انطلاق العدوان على غزة، وضمان حق الفلسطينيين في أداء الصلوات في المسجد الأقصى، وهم آمنون، من أيّ انتهاكات لحرمة المسجد الأقصى من المستوطنين أو الجنود الإسرائيليين، وفتح المعابر بصفة دائمة، على أن يكون القيمون أمنيا على تلك المعابر في الجانب المصري فريق من الأمنين، المصري والفلسطيني، ولا شراكة لأيّ جهة كانت في تلك المهمة سواهما.
(3)
تحدث، يوم الجمعة 18 يوليو/تموز الجاري، العميد (عسكري) علي حسن من مصر في برنامج إخباري في "بي بي سي"، أن معبر رفح على الحدود مع غزة مفتوح طوال العام، 24 ساعة يومياً ولم يغلق إطلاقاً.
ويبدو أنه لا يعلم، في تقديري، أين يقع معبر رفح المغلق في وجه الفلسطينيين، أكثر من سبعة أعوام، ويفتح في أوقات غير مبرمجة، نحو ثلاث ساعات، ويقف أمامه في الأثناء أكثر من 15 ألف فلسطيني، يريدون السفر، وغزة منفذها الوحيد مصر، وهم إما طلاب يدرسون في الخارج، يريدون الالتحاق بجامعاتهم، أو موظفون يريدون العودة إلى وظائفهم في دول عربية، أو مرضى وجرحى، يبحث لهم أهلهم وأقاربهم عن علاج في مصر أو خارجها. ويقضي هذا الجمع الكبير أمام معبر رفح أياماً، لعلهم يجدون فرصة السفر، إلا أن السلطات المصرية تضع العقبات في وجوههم، من دون أي سبب سوى أنهم فلسطينيون.
(4)
تناقلت وكالات الأنباء أنّ المقاومة الفلسطينية في غزة تقدمت بمبادرة جادة لوقف إطلاق النار فوراً، وسلمت نسخة منها إلى وزير خارجية دولة قطر، وسلمها إلى نظيره الأميركي، لتكون واشنطن الضامن لتنفيذ بنود المبادرة.
هنا، يأتي امتحان الحكومة المصرية. هل تريد أن تقف هذه الحرب على غزة، مرّة وإلى الأبد، خدمة لأمن مصر، وحفاظاً على غزة وشعبها المحاصر. ومن هنا، تقبل التعديلات الفلسطينية المكتوبة في أرض المعركة، وليس في مكاتب السلطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
ومحمود عباس بصفته رئيس السلطة الفلسطينية، والذي وصل مع حركة المقاومة حماس في غزة، إلى إنهاء الانقسام، وشكل حكومة وحدة وطنية، قادر على أن يتخذ قراراً لا لبس فيه، بتأييد مبادرة المقاومة، أعني حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والعمل معا لإعادة الحياة الطبيعية إلى أهل غزة.
كل شرفاء الأمة العربية يناشدون محمود عباس بأن يجعل مصالح الشعب الفلسطيني فوق مصالحه الخاصة، ومصالح شركائه في حركة فتح. وإذا "لا يستطيع هزيمة إسرائيل ولا يقدر على أميركا"، كما قال للدكتور موسى أبو مرزوق، فعليه أن يتنحى ليفسح الطريق لقيادات قادرة على هزيمة بإسرائيل، وإلغاء مشروعها التوسعي.
آخر القول: هل يعود العقل إلى صحافة مصر وبعض صحافييها، فيكف هؤلاء عن النباح على كل منبر؟ حماس ليست خطراً على مصر، ومشروعها وطني فلسطيني، ومصر كبيرة، لا تخيفها حركة حماس. إنها تشكل دعامة لأمن مصر، ولا تشكل تهديداً لها، فهل تدركون؟