من الأرشيف

هل كورونا سلاح الحرب العالمية الثالثة؟ 1

صلاح المختار يكتب حول: هل كورونا سلاح الحرب العالمية الثالثة؟


تأنيت كثيرا في الغوص في موضوع كورونا بعد ان كتبت ونشرت مقالين واضحين جدا حول الفايروس وهما (الاشتراكية والراسمالية قبل وبعد كورونا) نشر يوم 23-3-2020 في شبكة البصرة وغيرها ،ومقال (سمات عالم ما بعد كورونا) نشر يوم 27-3-2020 في شبكة البصرة وغيرها ،وحددت فيهما فهمي لهذا الموضوع بصورة موجزة وما سيترتب عليه من تحولات عاصفة في العالم وشخصت بعض اهمها بدقة.

ولكنني انتظارا لتطور (جائحة كورونا) ،واضع العبارة بين قوسين وسترون لماذا ،قررت دراسة الموضوع بقدر اكبر من التفاصيل العلمية، خصوصا وان هذا الموضوع سبق لي الكتابة عنه بالتفاصيل منذ عام 1981 حينما تفجرت قصة الايدز.

وتكررت كتابتي عن دور الفايروسات في الصراع العالمي في فترات متقطعة، واخرها في كتابي الاخير ( متلازمة أمريكا ) الذي صدر في لندن في عام 2016 وخصصت حيزا كبيرا لموضوع نشر الفايروسات ، ولكن تواتر الاحداث وادخالها في خانق قد يكون قاتلا للبشرية كلها وتوفر معلومات وادلة علمية حول اسباب ونتائج انتشار الفايروس وتحديد ضحاياه الرئيسيين، والاهم ظهور مؤشرات قوية جدا على ان هناك من لايريد الوصول الان لعلاج له رغم توفر الامكانية،

كل ذلك وغيره دفعني لتناوله مرة ثالثة ولكن بصورة تفصيلية لتجنب المعالجة الجزئية وهي ناقصة وتعمق الغموض والحيرة والارباك وهي من متطلبات خطة نشر الفايروس. في هذه المقدمة اطرح الملاحظات التالية لاهميتها في تسليط الاضواء على ما يجري وكشف خفاياه ثم سأدخل في التفاصيل خصوصا وان الاغلبية من المثقفين قد عرفت الموضوع والكثير من خفاياه وصار اسهل تقبل فرضيات وحقائق كان صعبا قبولها في بداية نشر الفايروس:

1- ظهر الان ورغم كل محاولات التضليل والتزييف ان فئة كبار السن هم الضحايا الاساسيين لكورونا ففي ايطاليا مثلا والتي يشكل فيها كبار السن اكثر من 27% وهو رقم قريب للحالة في بقية دول الاتحاد الاوربي، اعلن عن وفاة حوالي 25 الف انسان حتى يوم 22-4 منهم ستة الاف من كبار السن ماتوا في المصحات التي تركتهم بلا رعاية وباهمال متعمد ، اضافة لوجود حالات وفاة بين المسنين لم تسجل لانهم ماتوا في بيوتهم وهم اكثر ممن ماتوا في المصحات مما يجعل رقم الضحايا من كبار السن اعلى بكثير ويتجاوز ثلثي عدد الموتى طبقا لمصادر غربية،

وهذا حصل في ايطاليا واسبانيا وأمريكا وغيرها، فالمؤسسات الصحية تتهم بأنها تعمدت ترك هؤلاء يموتون، وفي أمريكا انغمس الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس في مناقشة هل يجب التضحية بالشيوخ ام لا وكأنهم ادوات احتياطية انتهى زمنها؟! والاهم اصبح موضوع انهاء الحظر وعودة الاقتصاد للعمل هو الاولوية التي طغت بقوة استجابة لضغوطات رجال الاعمال وهي تتناقض جذريا مع رغبة عامة الناس في تجنب الموت وهو ما يفرض بقاء الحظر !

هذا تحول غريب جدا في طريقة تعامل الغرب مع الانسان الذي جعل ادعاء الدفاع عنه محور غزاوته للعالم الثالث التي تسببت بنشر كوارث بشعة فيه بحجة نشر الديمقراطية وحماية حقوق الانسان فأسقط كورونا شعار حقوق الانسان الغربي بالضربة القاضية.الان نرى كثير من الناس في الغرب يتهم الحكومات بتعمد قتل كبار السن ،
وهذا صحيح فهدف الرأسمالية الذي لايعلوه هدف هو كسب الدولار وليس حماية الانسان لذا فان رعاية الشيوخ في وقت التفاقم الخطير للازمة البنيوية للنظام الرأسمالي الأمريكي عبء مالي ضخم يزيد حدة الازمة ، وهذا هو السبب في وقوف ترامب ضد خطة الرعاية الصحية للرئيس السابق اوباما ((Obamacare رغم انها لم تكن كافية، فالدولة الرأسمالية هي تحديدا شرطي وظيفته الاساسية حماية عملية صنع المال وزيادته وليس تبديده وبقدر خدمة صنع الربح تتم عملية الاهتمام بالانسان .

2- تأكد الأمريكيون ان النظام في بلدهم سجل على الاقل فشلا لوجستيا Logistics كارثيا في مواجهة كورونا في عصر تزداد فيه اهمية اللوجستيك لانه قاعدة ادارة اي تجمع بشري وضامن لتوفير مقومات حياته من سلع وخدمات بما في ذلك الطبية وغير ذلك، والتقصير اللوجستي لم يكن ثمرة عجز وانما نتاج اقتصاد النفقات لتعظيم الربح حتى لو تم على حساب الناس..

فهو تعبير دقيق عن الجشع المرضي للنظام الرأسمالي، كشف عن اهمال متعمد من السلطات لضرورة تأمين حياة الناس بخطط طوارئ اثناء الازمات وهي عملية تضعها في الحسبان الدول الفقيرة والغنية المتقدمة والمتأخرة، وكان يجب ان تكون أمريكا التي تفاخر بانها الاغنى والاكثر تقدما اول من يوفر الضمانات لحالات الطوارئ لمنع مواجهة الأمريكي لحالة العجز عن العثور على سرير في المستشفى أو ليس لديه المال الذي يشترط دفعه مسبقا للعلاج من كارثة عامة لم يسببها هو بل غيره فتكون رعايته من مسؤولية الدولة لا ان يرفض دخوله المستشفى لانه لايملك المال.

وزاد الغضب على الحكومة عندما لاحظ الناس ان دولا عديدة تفوقت على أمريكا في حماية شعبها وتمثل ذلك في الاستعداد المسبق للطوارئ والقدرة على حشد الموارد بسرعة وشمولية وهي الاحتياجات الحتمية في حالات الكوارث ،فالصين وروسيا وكوبا ورغم انها ليست اغنى من أمريكا نجحت في تطويق انتشار الفايروس وقللت بصورة واضحة من انتشاره وبادرت لايجاد طرق معالجة اثاره الكارثية وتقليل الوفيات بصورة كبيرة،واعتبار العلاج حقا للناس وواجبا للدولة ،

بل ان الاردن البلد الفقير الموارد والذي يعتمد على الدعم المالي نجح في تقليص انتشار كورونا وعدد ضحاياه بقدرته اللوجستية، فلم فشلت أمريكا ونظم اوربية اذا وهي الاكثر غنى وتقدما ونجحت تلك البلدان وهي اما فقيرة أو اقل غنى بكثير؟

ولعل اهم مايجب لفت النظر اليه هو ان الفشل الأمريكي والاوربي ليس نتاج نقص الموارد المالية فهي موجودة واكثر من اي مكان في العالم خصوصا وان أمريكا تسرق العالم كله وعلنا ورغما عنه منذ عام 1974 عندما الغت اتفاقية بريتون وودز وقامت بطبع الدولار بدون تقويمه بالذهب وهو ما سنتناوله ،
اذ يكفي اتخاذ قرار بطبع تريليون دولار ليطبع وهو ما فعلته ادارة ترامب عندما اعلنت انها ستطبع اربعة تريليون دولار لتغطية نفقات الهدف منها ادامة النظام الراسمالي وليس انقاذ الناس، ومع وجود هذه الامكانية السهلة فان أمريكا لم تتراجع عن خطة التخلص من الاعباء المالية لكبار السن لانهم اداة انتاج انتهت صلاحيتها وحان وقت التخلص منها كما يتخلص صاحب سيارة من الادوات الاحتياطية المستهلكة فهل حقا ان خطة التخلص من كبار السن هي السبب وراء اهمالهم وليس التقصير الطبي أو المالي؟

3-وتعمد التخلص من كبار السن ان كان في الغرب ظاهرة شبه طبيعية فانه في اغلب الشرق خطوة اجرامية تثير اعنف الرفض لان شعوب الشرق تربت على محبة الاب والام وكبار السن وخدمتهم ورعايتهم في كبرهم وليس تركهم، بل ان بعض الشعوب الشرقية تزيد محبتها لكبار السن وتضحي كثيرا من اجلهم ، فهل استهداف كبار السن سوف يمر بلا ردود افعال عالمية كبيرة خصوصا في الشرق؟

ما هي نتائج قتل كورونا الاف كبار السن بحيث لاتبقى عائلة بدون خسارة كبير سن أو اكثر؟ تخيلوا ان والدكم أو امكم أو عمكم يقتله كورونا وانتم عاجزون عن انقاذه وسط اهمال واضح ومتعمد من الدولة فماهو رد فعلكم تجاه من اخترعه أو نشره أو منع اكتشاف أو اختراع دواء له لانه يريد ان يزيد ثروته لا ان ينفقها على كبار السن؟ نتائج موت كبار السن هي احدى اهم القنابل التي زرعت في العالم وستنفجر بقوة لتناقض تقاليد العالم الخاصة بكبار السن ! الامر خطير جدا في كل العالم لان ما كشفت عنه ازمة كورونا لن تتوقف تبعاته بل ستتضاعف بمعادلات هندسية مميتة .

4-وما ان تأكدت الادارة الأمريكية بأن العالم كله بما في ذلك الأمريكيين ينظرون إلى أمريكا بصفتها مقصرة بشدة على الاقل، وظهرت الملايين التي تعتقد بان أمريكا هي من تسبب بكارثة الكورونا، حتى لجأت إلى اسلوبها التقليدي وهو نقل الازمة للخارج فبدلا من تحمل مسؤوليتها ،على الاقل اللوجستية ،ومعالجة فشلها والتعاون مع غيرها لايقاف كورونا وهو ما فعلته كل دول العالم، افتعلت معركة تتصاعد حدتها مع الصين بحجة تقصيرها في اخبار أمريكا بحقيقة الفايروس !

فأخذنا نسمع كبار أمريكا يطالبون بمعاقبة الصين وكأنهم امتلكوا الدليل الحاسم على انها هي من صنع كورونا رغم ان الامر مازال غامضا جدا ! تصدير الازمة للخارج مظهر اخر للسقوط الاخلاقي للرأسمالية الأمريكية فأمريكا ومهما اخطأت تتنصل من نتائجها وترمي بالمسؤولية على غيرها ولديها اعلام متقدم وفعال وجاهز للعمل باشارة من مموله بشن حملات على اي عدو حقيقي أو مفترض فبدأ الاعلام الأمريكي بشن حملات على الصين في ظرف كان يجب فيه اتحاد العالم للقضاء على كورونا !

خلاصة المقدمة : كلمة السر في فهم حقيقة (جائحة كورونا) وما يجري في العالم من احداث خطيرة تكمن في الانتباه لوجود غرفة انعاش وضع فيها الاقتصاد الأمريكي المريض منذ عقود لادامته رغم انه كان يحتضر ولكن الجسد الرأسمالي مات في عام 2007 عندما تفجرت الازمة المالية كمظهر لموته ولم تعد الغرفة تستطيع ادامة حركته ولو صناعيا!

وهنا دخلت الرأسمالية الأمريكية مرحلة صراع وجودي: فاما ان تبقى باي طريقة وباي ثمن أو تنهار بسرعة كارثية، فبدأت سلسلة احداث صممت لابقاء الجسد الميت متحكما بالعالم رغم وفاته، فكيف يتحقق ذلك؟ وغرفة الانعاش هي موارد العالم التي تنهبها أمريكا وتسخر لادامة الغرفة، ولولا هذه الموارد لماتت الرأسمالية الأمريكية منذ عقود ، وهنا نرى جذر ما يجري الان ! سنجيب على اسئلة كثيرة مربكة ومحيرة للعالم. يتبع.

زر الذهاب إلى الأعلى