[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

"البئر": أول رواية يافعية

صالح شنظور يكتب: "البئر": أول رواية يافعية


قبل ثانيتين وجزء من الثانية انتهيت من قراءة رؤاية "البئر"، للكاتب الأديب د. محمد مسعد، أحد الكتاب الذي ولدتهم الضالع تلك الأرض التي أراها قطعة من يافع أحزن لحزنها، أفرح لفرحها، والولادة بالرجال على العديد من الأصعدة، وشرارة الثورة الجنوبية الحديثة.. سبع ساعات كانت كافية لابتلع تلك الرؤاية برفقة أغصان الروح أشتراهم أخي م.حازم شنظور بسبعة آلاف، حتى نقرأ وهو الرؤية التي استوقفنتي أحداثها المسرودة عن السابع من يوليو الذي أظهره الكاتب كيوم شؤم، فيه تسقط حياته، وتجارته، وبلده في البئر.

تتحدث هذه الرؤاية عن حياة الإنسان اليافعي الذي يتأقلم مع أشد الظروف العاصفة في البلاد، ليشد تجارته، ويصنع قفص حياته، وينحت سعادته على الجبال الشامخة، وعندما يؤسس نفسه ويبدأ عود وعيه وتجارته يشتد؛ ينفق بكل ما أوتي من قوة للجهود الرامية لإزالة الأزمة الغارق فيه الوطن.. ثم تزول الأزمة ليصبحوا خونة، عملاء، مكانهم السجن، أو الهروب بأجسادهم إلى الخارج، ومع ذلك لا تحيدهم تلك التصرفات الطائشة عن نسيان أرضهم وبلدهم وقضاياهم الصادقة.

كانت قرية الركب، منطقة رخمة، أو الرخمة كما أحب الكاتب تعريفها في روايته، هي المعمورة التي تجولت الرواية فيها في بدايتها، ومنتصفها، ونهايتها، وما بين البداية والنهاية يقفنّ: عدن، وكندا، وجدة، ولحج، وصنعاء، والبيضاء، والضالع؛ وهنّ يحملنّ كل المآسي والأحزان والآلام، الحب الكره، الصدق الكذب، الوفاء الخداع، الطيبة الحسد، الفقر الغناء، الظلم العدل، العفو والحقد.

مكتب كلد أحد مكاتب يافع الكبيرة التي تلامس البحر العربي، وعدن، ولحج، والبيضاء، وأبين، وتتشابك حدوده مع مكاتب يافع السفلى الأخرى السعدي، ذي ناخب،اليزيدي، واليهري؛ ليكون بذلك قد أطل على حكاية الرجل اليافعي ككل، فالركب هي مسقط رأس سلاطين يافع، وكلد هو الأب الذي تقف بقية مكاتب يافع السفلى على ظهره، ثم تصطف يافع العلي بمكاتبها الخمسة على سفوح يافع السفلى وكأن هذا ما جعل الكاتب يقصد الركب دون غيرها من قرى يافع، ومكاتبها.

الرواية عين تحكي حكاية ثلاثة أجيال، جيل الاحتلال، جيل التحرر، وجيل الوحدة والثورة الجنوبية، وقد تحلى الكاتب بقدر كبير من الحياد حتى مع المحتل نفسه، وهذا يظهر مدى رحابة صدر كاتب الرواية.

شدني أثناء قراءتي حرص الكاتب على غرس القيم السليمة، التي تنبذ التعصب للرأي، الدين، المنطقة، بل تطرق إلى علاقة أبناء يافع مع أبناء عدن، وكيف تصرف "سيف" بطل الرواية بسماحة، وشهامة مع "عزام" صديقه العدني الذي وجد منه أشد أنواع الغدر والخيانة.

مشهد آخر تذكر الرواية فيه شهامة اليافعي؛ عندما سافر "سيف" مع زوجته إلى كندا للعلاج، فوجد جاره السعودي، وذهبوا جميعا لنزهة بجوار أحد شلالات كندا؛ حيث أخذ الشلال ذلك السعودي، ليفارق حياته تحت المنحدر الكبير الذي رماه الشلال فيه، وقف سيف بجوار أسرته حتى وجدوا جثته، وعادوا سويا إلى المملكة.

تذكر الرواية المرأة اليافعية كمثال للجمال، العفة، الشرف، الحب، الوفاء، وكذلك الكبرياء، والتفاني في إعطاء الحب لأزواجهن بغزارة، حيث قادت فاطمة تلك المرأة التي سكنت جدة بسن الثلاثين أكبر شركة لتصميم الأزياء التقليدية بعد أن قامت بتأسيسها، فصارت تلك شركة هي الأفضل على مستوى المملكة، بدورة واحدة في الخياطة استطاعت أن تصنع ذلك، بعد أن كانت لا تجيد غير الزراعة، والرعي، وتربية الأولاد وإعطاء الحب.

غيرة الرجل اليافعي، وما تعانيه المرأة من غيرة مريدها، طوال حياتها، وكيف يتصرف الإنسان بطيش ووحشية عندما يعيش بعيدا عن الله وناكرا له.

ربطه لتغير تضاريس يافع تماشيا مع تضرر الأخلاق السياسية والاجتماعية في البلاد، وميناء عدن الذي غادرت مياهه البارجات، والسفن الكبيرة.

لن استطيع في مقالي هذا أن اشرح كل ما وجدته في رواية صفحاته تزيد عن 200 صفحة، وتتكون من 13 فصلا، لكل فصل حكايته المرتبطة بالفصل الأول، لكنني أنصح الجميع لقراءة الرواية اليافعية الأولى، خصوصًا اليفع.

ولا يسعني في هذا الحديث إلا أن أهدي شكري الكبير د. محمد مسعد على اهتمامه لكتابة رواية تحكي عن الرجل اليافعي، وما عاناه بعد كل منعطف تمر به البلاد، وربما الجميع يعاني ما يعانوه، مع ذلك فإن خصخصة هذه الرواية حول قصة واحدة من تلك المعانات كان كافيا وشافيا ليشرح لنا حجم الألم والتيه الذي يصيب أبناء الوطن بسبب طيش قيادته، وكلما خرج من بئر أدخلوه بئرا آخر .. ولك الله يا وطني.

غلاف رواية البئر

عناوين قد تهمك:

زر الذهاب إلى الأعلى