عذراً أكتوبر القادة.. وعذراً عدن
د. محمد شداد يكتب: عذراً أكتوبر القادة.. وعذراً عدن
كل عام وانتم النور وانتم عمالقةً من الخالدين، خُلقتم كذلك، عمالقة بحجم الجبال التي كنتم عليها وبها تحتمون تضحيةً وكفاح، كنتم كباراً وكنتم وطن، شامخين شموخ الجبال شمسان الأشم، الضالع ويافع وردفان، وحضرموت الدان، وتعز الثورة وصحراء عتق عذراً غالب لبوزة وعلي عنتر قلب الصفاء الثوري وعنفوان الحق والصدق وحب الوطن، عُذراً سالمين أبو الفقراء وصديق المساكين صاحب اليد البيضاء والقلب الذي عاف الزمان نزاهةً عفواً، فتاح اسماعيل الشعر والفن والثورة والفلسفة بديع الزمان.
صالح مصلح، جبال المحابشة تسلم عليك أيها الوطني الجسور، لأنك قاتلت فيها يوماً فلول الإمامة، ومعك "مريم بنت سعيد الأعضب" المقاتلة الشجاعة، فخر ردفان وبطلة الثورتين أول امرأةً قاتلت الامامة والانجليز، عُذراً عبود الشرعبي "مهيوب علي غالب" من جبال الشراعب قائد العمليات الفدائية ضد الإمامة والانجليز، فيصل عبداللطيف مؤسس الفكر القومي التحرري، الرئيس قحطان الشعبي أول وجه أطل على العالم كأول رئيس لليمن الحر والعنفوان، عذراً لأنا لم نسلم عليكم لم نقبل اياديكم وجباهكم. عُذراً لأنا لم نصن تراب الأرض التي مشيتم عليها وسكبتم عليها دماءكم! عذراً لكل من فاتني ذكر اسمه.
استسمحكم عذراً أيها القادة إن خانتني الذاكرة من ذكر بعض أسمائكم، كما خانوكم اللاحقين ولووا أعناق مبادئكم وفجروا طريق العبور التي سافرتم عليها ومهدتموها لهم! عذراً لمن رحلوا وسلاماً لمن عاشوا. سلاماً علي البيض وعلي ناصر محمد سلاماً أحمد عبيد بن دغر، ياسين سعيد نعمان، سلاماً لأرواحكم الباقيات على الصدق مع جماهيركم مع الأرض سهولها والسواحل.
كنتم شباب الثورة، وفجرها الساطع حماساً وحباً. لم تموتوا بل أنتم الخالدين لأنكم لم تأتوا بمحض الصدفة أو من طلقة ولادة نادرة من زفرةً عابرة، بل كنتم صنيع الوطن، آلامه وتشظيه بين السلاطين. قرأتم الضيم في عيون المساكين، في وجوه اليتامى، في انكسار النساء حاملات معاول حراثة الأرض في لهيب الصيف وبرد الشتاء.
قرأتم الُنذُر الإلهية على صدور الجبال، أن قوموا فثوروا، سمعتم الآهات تنفجر من صدور الرجال، أن ثوروا أشعلتكم كل تلك المشاعل، غير أني أقول لكم عذراً لقد تغّير بعدكم لون السماء وشكل الأرصفة التي مررتم بها! تغّيرت بعدكم الذاكرة. أصبحت صفراء فاقع لونها! عذراً لأن البعض لم يحفظ ما قرأتم وما كتبتم وما أوصيتم به بعدكم.
ناضلتم من أجل ليمن الكبير، عينٌ كانت لكم في عدن وأخرى على صنعاء قلب الوطن أسيرة القبيلة والسلالة والخرافة، كنتم الصادقين للثورة الواحدة والنشيد الوطني الواحد، استضفتم أيوب طارش وشاعر الثورة الفضول وشدوتم معهم لحناً ثائراً وقصيدة بحجم الوطن، وصنعتم منها نشيداً ناغم ارواحكم الصادقة هو نفس النشيد الذي بات يتيماً حزيناً بعدكم اليوم! صنعتم من عدن الحضن الدافئ والملاذ للفارين من شمال الوطن عبر السنين. تعز الثورة والثقافة والمعرفة التي عرفتم تشكو إليكم عقوق رواد شوارع عدن لأبنائها فتحت لكم صدرها يوما ومنها فتحتم قلوبكم ومددتم أياديكم ومنها انطلقتم، فاصبحتم الوطن كله من المحيط إلى الصحراء ومن البحر أراضي مزون وكنتم لها اوفياء.. لكنها تقابل اليوم وابنائها بالجحود من بعض مشوهي الوجدان والذاكرة.
أقول لكم عذراً لأنكم خُذِلتم، خُدِعتم من شياطين المصلحة والهوى والغوى. آمنتم بالمبادئ الوطنية بأهداف الثورتين و ربيّتم صقوراً عليها اطلقتموهم يحملون حلماً جميلاً في سماء الوطن. كان جار الله عمر، وعمر الجاوي، ويوسف الشحاري، ومحمد الربادي قلوب الوديان الخضر الوطنية الصادقة، صقور الوطن، عذراً لأنا فهمناكم يوماً خطأ، لم نرع جميل صبركم، نزاهتكم وصدقكم في سبيل الوطن. كانت الشياطين تجوب الحواري والأزقة بحثاً عنكم لتنال من حلمكم الوطني النبيل! عشتم رغماً عن كل الشياطين وسطّرتم بأسمائكم أروع الملاحم والبطولات أسفار التاريخ بكم راضيةً وأنتم بين سطورها خالدين.
وعذراً عدن حاضرة كل اليمن، حاضرة الفن والأدب والثورة والشعر، وملاذ كل الوجوه الحزانى المتعبين من غبار الأسى والزمن، ولوعة الغربة والبعد. عُذراً، لأنا بتنا بعيدين عنكِ، نسير فيك غرباء نتلفت خائفين، لأنك كنت السواحل والمرافئ والمنتديات، وكنت اللحن والعود والند. كنت البخور والوجوه السمر العمبرية التي تضحك فتضحك معها الشمس والأقحوان.
أواه يا عدن...بتنا يتامى نشكو إليك فقدان ابنائك القادة الذين بكي الناس حزنا عليهم، أينهم ينظرون ماذا جرى بعدهم، ماذا لو أطلّوا عليها، من قبورهم ورأوا واقعها وماذا جرى؟ كل قواميس الاعتذار فقيرة لا تكفي كي ترضون عن بواقي الرجال، عن الأجيال التي كفرت برسالتكم الوطنية، وانساقت تلهث ورى الأجنبي والدخيل. تناست نضالاتكم وتجاهلت خطاباتكم وشعاراتكم التي لن تغيب، تنكرت للخوف والقهر والصبر الذي عانيتموه من أجلهم.
ورغم كل ذلك فاليمن خصبةً وصلبةً وولادةً للرجال، وإن صارت اليوم كل القيم والمبادئ فيها عرضة للبيع دون حساب، وصار العقل يلهث وراء والعنف والانفلات، وهيمنة الغباء الساعي للسيطرة والنفوذ، فعذراً إليك وطنٌ هدّه العابرون الذين ينهشون في عضده بقسوة فجَّةٍ ليل نهار، عذراً ايها الوطن الكبير عقوك عشاق الجهل والفقر والمسيدة بعنفٍ وسخف، لكنَّ الشعب على الوعد، وان تطاول الليل، لأنك باقٍ وهم عابرون.
عناوين ذات صلة: