تقديم كتاب خيوط الظلام
نصر طه مصطفى: تقديم كتاب خيوط الظلام لمؤلفه الراحل عبدالفتاح البتول والصادر في العام 2007 عن مركز نشوان الحميري بمناسبة الطبعة الثانية
ليس هناك ما هو أسوأ من الاستبداد في حياة الإنسانية على مختلف العصور، فهو أصل الداء دائما في حياة الناس فلا سلام ولا استقرار ولا أمن طالما كان الاستبداد يهيمن على حياتهم ويتحكم في مصائرهم.. أما إن كان هذا الاستبداد يبطش بالناس باسم (الدين) فإنه يكون أسوأ أنواعه على الإطلاق - كما صنفه المفكر الراحل عبدالرحمن الكواكبي - لأنه حينئذ يصادم سنن الله في الحياة والإنسان ويَسْلبُ العباد إراداتهم وحياتهم وحريتهم وجوهر إنسانيتهم وهم راضون طائعون يظنون أنهم بذلك يتقربون إلى الله عز وجل بصمتهم وسكوتهم..
ولذلك كان جوهر مقاصد الدين ورسالة الإسلام تتمثل في استعادة الإنسان لكرامته التي أهدرتها الأمم والحضارات السابقة والتي يتلخص مفهومها –هذا الكرامة- في الحرية والمساواة والعدل والشورى فلا يكون الإسلام إسلاما بدون هذه المرتكزات لأنه بدونها سيكون دينا مسخا وسيكون غطاءً لتبرير استبداد الطغاة واضطهاد المسلمين بقيم ومفهومات ما أنزل الله بها من سلطان..
وبالفعل هذا ما حدث منذ أول انحراف حصل بتعطيل مبدأ الشورى على يد الخليفة معاوية بن أبي سفيان لتتو إلى الانتكاسات والانحرافات بصور وأشكال مختلفة عقديا وفكريا وسياسيا من الدول والجماعات فظهرت مبادئ وأفكار تشكل في معظمها محاولات لتأصيل انحرافات الأديان والحضارات السابقة إسلاميا مثل مسائل العنصرية والطبقية وتوارث الحكم في عائلات محددة، وتداول الناس منذ ذلك الحين أحاديث منسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام كلها تتصادم مع نصوص القرآن ومقاصد الشريعة وأركان الإسلام، أراد واضعوها من خلالها أن يؤصلوا لاحتكار الحكم والعلم وللعنصرية وللقبلية وللطبقية وللاستبداد، دون أن يدرك الناس أن من يفعلون كذلك إنما يسلبون من الإنسان كرامته التي أعادها له الإسلام من خلال تعطيلهم لمبادئ الحرية والمساواة والعدل والشورى.
إن الحكمة الربانية أدركت ما يمكن أن يقع فيه البشر من زلات خطيرة ولذلك اقتضت هذه الحكمة أن يأتي القرآن الكريم حاسماً في كل القضايا المتعلقة بتنظيم حياة الناس وعلاقاتهم، باعتباره –أي القرآن الكريم- خاتم الكتب السماوية والأصل الذي ستقاس عليه كل النصوص والاجتهادات البشرية لاحقا.. ولذلك كان القرآن مليئا بالآيات الدالة على سنن الله عز وجل في الكون والإنسان والحياة لتظل نبراساً وهادياً للبشرية إلى يوم الدين،
ومن هذه السنن التي أخذت مدى واسعا في كتابه الجليل ما بينه الله سبحانه وتع إلى من مخاطر ومساوئ أمراض (الكبر) و(الاستعلاء) و(التباهي بالأصل والعِرْق) وما ينتج عنها من سلوكيات وقيم منحرفة ارتبطت (بإبليس) و(بني إسرائيل) فكانت سببا في غضب الله عليهم وسببا في خروجهم عن طاعته عز وجل ومصادمتهم لسنة الله في المساواة والعدل والحرية والشورى.. ومن ثَمّ فقد أصبح نهج (إبليس) و(بني إسرائيل) في الكبر والعنصرية مثلا وعبرة في النهايات المأساوية لكل من يسلك ذلك النهج وكذا في انعكاساته السلبية على القيم والأخلاق الإنسانية، ونتائجه المدمرة على محيطه البشري.
ولذلك عندما دخلت أمتنا مرحلة الانحطاط القيمي برزت الكثير من الأمراض والانحرافات التي جاء الإسلام لينهيها فإذا بالغزو الفكري المبكر منذ القرن الهجري الأول قد سعى لتأصيلها بأدلة وأحاديث وتأويل وتحريف للنصوص والمقاصد والثوابت فأخذت تنتشر هنا وهناك، ووصلت رياحها إلى اليمن عبر نفر من هواة السلطة وعشاق الحكم أواخر القرن الثالث الهجري جاءوا حاملين معهم لواء إخراج اليمنيين من حالة الفتن التي كانوا يعيشونها لكنهم –بقصد أو بدون قصد- أسسوا لمشاريع فتن بفكرهم العنصري عانوا منها هم مثلما عانى منها بقية اليمنيين، لأن العنصرية لا تولّد إلا الكوارث والمصائب..
ولو أن المرض العنصري يقف عند حدٍّ معين لكان يمكن معالجته لكنه يولد من العنصرية عنصريات لا تنتهي عند حد، فواضعو الفكر العنصري في اليمن لم يحصروا حق الإمامة في ذرية الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على إطلاقها بل حصروه في جزء منها أسموه (بالبطنين) قاصدين ذرية الإمامين الحسن والحسين بن علي رضي الله عنهم، فمن كان من نسل غيرهما من أبناء الإمام علي لا تصح ولايته كالعلامة الشهيد أحمد المطاع رحمه الله دينامو ثورة 1948م الذي لم يستطع الأحرار توليته الإمامة لأنه من ذرية العباس بن علي رضي الله عنهم رغم أنه كان الأكفأ والأفضل..
ولم يكتفِ العنصريون بذلك بل أنهم حصروا حق الولاية عملياً في ذرية الإمام الهادي يحيى بن الحسين مؤسس المذهب والدولة الهادوية وهو من ذرية الحسن بن علي، ولم يشذ عن القاعدة سوى خمسة أئمة بينما تم حرمان كل من ينتمي لذرية الحسين بن علي من الحق في الولاية لسبب بسيط هو أنهم في الغالب ينتمون للمذهب الشافعي فكل من كان شافعيا لا يحق له تولي الإمامة.. ثم ازدادت الدائرة ضيقا مع مرور الوقت فانحصرت في ذرية القاسم بن محمد، وكل ذلك كان يؤدي إلى خشية القائمين على الحكم من بقية الأسر الهاشمية الحسنية الهادوية باعتبار أنها الوحيدة التي يحق لها المنافسة بينما لا يحق ذلك لبقية اليمنيين مما يجعل هذه العائلات تتعرض لمضايقات وتصفيات وشتى أنواع الاضطهاد..
وهكذا فلم تنتج العنصرية إلا عنصريات أسوأ وأضيق وأبشع من هذا، ما يجعلنا ندرك لماذا كانت معظم الأسر الهاشمية الحسنية تجد في الانتماء للسنة ملاذا ومنجاة من ابتلاءات العصبية المذهبية والعنصرية ورفضا للتمييز السلالي على بقية الخلق، وإلا ما كان أئمة السنة في اليمن من أبناء كبار تلك الأسر أمثال الإمام محمد بن إبراهيم الوزير صاحب (العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم)، والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير صاحب (سبل السلام)، والحسن الجلال صباح (ضوء النهار) وغيرهم الكثير الكثير..
والصورة نفسها تتكرر في العصر الحديث خلال القرن العشرين فقد كان الهاشميون من ضمن الحَسَنِييّن الأحرار المناهضين لنظام الإمام يحيى حميد الدين وقدموا الكثير من الشهداء عقب فشل ثورة 1948م، وكانوا كذلك في حركة 1955م، وأخيراً شاركوا في تنظيم الضباط الأحرار الذين فجروا ثورة 26 سبتمبر 1962م والتي أعلنت قيام النظام الجمهوري لأول مرة في تاريخ اليمن.. فكيف يمكن بعد ذلك القول إن الأئمة يمثلونهم أو أن النظام الجمهوري اغتصب منهم الحكم الذي هو حق سماوي لهم كما يدعي المتعصبون؟!
هذا كله يدفعنا لإثارة سؤال هام هو: لماذا لم يستقر اليمن طوال عهود الأئمة؟ سؤال تبدو الإجابة عنه مسألة في غاية الأهمية والمرء يتعاطى مع تاريخهم الطويل بالقراءة والتأمل والتحليل.. وأظن أن رحلة بين دفتي هذا الكتاب القيم الذي بين أيدينا ستمكننا من الاقتراب من إجابة هذا السؤال إن لم نجد إجابته كاملة مفصله بين ثنايا هذه الصفحات سواء كانت بشكل مباشر أم غير مباشر، فهذا الكتاب هو الأول من نوعه –حسب علمي- المخصص لتناول سيرة الأئمة في اليمن واحدا واحدا وبالتسلسل مَن حكَم منهم أم مَن لم يحكم باعتبار أن سلسلتهم تمتد لأكثر من ألف سنة لكن مدة حكمهم الفعلية قد لا تزيد عن أربعمائة سنة.. ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يهدف إلى كشف الصورة الحقيقية لأولئك المستبدين –إلا من رحم الله وهم قليل جدا على أي حال- وهي صورة حاول أنصارهم تجميلها وتحسينها عبر التاريخ فانطلت على البعض ولم تنطلِ على الأكثر لأنها من البشاعة بحيث يصعب التغطية عليها، وإذا نجح البعض في ذلك لفترة معينة فإن الصورة الحقيقية سرعان ما تتضح وينكشف للجميع حالة تزييف الوعي التي وقعوا ضحية لها.
أعرف أن هذا الكلام لا يروق للبعض لكني أظن بالمقابل أنه قد آن الأوان لكي نتحدث بصراحة بعيداً عن التنميق والمجاملات وتغطية الحقائق لأننا نحن اليمنيين جميعاً شركاء في هذا الوطن مهما اختلفت أعراقنا ومذاهبنا وانتماءاتنا الجهوية.. فمنذ الفتنة التي أشعلها حسين بدر الدين الحوثي في محافظة صعدة صيف عام 2004م وحاول أن يمدها إلى محافظات أخرى برزت إلى السطح ظواهر سلبية تعكس وجود أمراض كانت مدفونة تحت الرماد، وهي ظواهر لا يمكن الصمت عنها لأن انعكاساتها خطيرة على لحمتنا الوطنية الواحدة الموحدة.. فهناك مَن ناصرَ الحوثي دون قيد أو شرط سوى لاعتقاده أن الرجل وأنصاره يمثلون المذهب الهادوي وأنهم يدافعون عنه دون أن يدري أحد في وجه مَن، ودون أن يدري أحد من هم هؤلاء الذين يريدون استئصال المذهب الهادوي..
وهناك من وقف مع الحوثي لاعتقاده أنه يمثل إخواننا المنتمين للسلالة الهاشمية الذين يتبعون المذهب الهادوي وأنه يدافع عن وجودهم(!) دون أن يدري أحد في وجه من، دون أن يدري أحد من هم هؤلاء الذين يستهدفونهم.. وهناك بالمقابل من استفزه مثل ذلك الخطاب المتعصب فواجهه بتعصب مماثل فأخذ يسيء بلا حساب لكل أتباع المذهب الهاودي ولكل إخواننا الهاشمين الذين يتبعونه، فإذا البلاد ستجد نفسها في لحظة من اللحظات في حالة فتنة مذهبية وسلالية ستدمر كل شيء لو لم ينتبه لها عقلاء القوم ويخمدونها قبل أن تثور، فمثل هذه الإشكاليات موجودة في مجتمعات ليست قليلة إلا أن أساسها ضعيف جداً في بلد كاليمن اندمجت واختلطت أعراقه وأتباع مذاهبه منذ قرون كثيرة ولم تحدث أي مواجهات أو صراعات إلا عندما كان يثيرها الأئمة في بعض مراحل تاريخنا عندما كان بعضهم يسعى لفرض فكره ومذهبه وكل ما ينتج عنهما بالقوة!
إن هناك العديد من الحقائق البديهية –في تصوري- التي إن استوعبناها سندرك كم هم أغبياء أو مغفلين أو متآمرين أولئك الذين يديرون معاركهم الفكرية والسياسية بتلك الطريقة المقززة المدمرة لكل مقاصد الدين ومقومات الوحدة والقيم الوطنية الجميلة.. وهذه الحقائق البديهية يمكننا إجمالها في النقاط التالية:
أولاً: أن التاريخ ملك للجميع وليست ملكيته موزعة على فئات دون فئات أخرى وعلى ذلك فإن تقييم الحوادث التاريخية وتحليلها حق للجميع، فإذا انتقد شخص ما بعض الظواهر السلبية التي صاحبت قيام النظام الجمهوري عام 1962م فلا يعني ذلك أنه أساء له ولا يعني أن ينبري كل محبي الجمهورية للدفاع عن تلك الأخطاء واتهام من انتقدها بأنه ملكي أو أنه لا يحب النظام الجمهوري طالما كان ذلك النقد موضوعيا وقائما على شواهد حقيقية ووثائق صحيحة.. وبالمثل فإن من حق أي باحث أو دارس أن ينتقد تاريخ الأئمة طالما التزم الموضوعية واستند على شواهد وأدلة وثيقة لا يعني ذلك بحال من الأحوال أنه عنصري له موقف سلبي من الهاشميين أو أنه يريد إلغاء المذهب الهادوي، كما لا يعني أن انتقاداته للإمامة هي موجهة ضد الهاشميين ولا يجب كذلك أن يتصور إخواننا الهاشميون أن أي نقد موجه للإمامة أو للعنصرية والسلالية هو نقد موجه لهم، فالقاعدة الشرعية تقول (أنه لا تزر وازرة وزر أخرى) فما ذنب امرئٍ ما أن يكون أبوه أو جده مستبداً أو قاتلا أو مجرما ما دام هو يمضي في حياته بما يرضى الله؟! وهل يعني ذلك أن النقد الموجه لأبيه أو جده هو نقد موجه له؟!
ثانياً: أن الإمامة اضطهدت اليمنيين جميعا ولم تستثنِ أحدا لأسباب مذهبية أو عنصرية فالإمام عبدالله بن حمزة قتل أكثر من مائة ألف من المطرفية رغم أنهم كانوا على نفس المذهب، والأئمة عبر التاريخ خاضوا صراعات دامية مع الأسر الهاشمية التي يعتقدون أنها المنافس الوحيد لهم على الإمامة بموجب شروط الإمامة الأربعة عشر وهم كانوا بالتأكيد أكثر دموية وعنفا تجاه من يخالفهم المذهب والمعتقد، فحتى عهد الإمام يحيى حميد الدين مارسوا حملة اضطهاد كبيرة ضد الطائفة الإسماعيلية واعتبروا الشوافع كفار تأويل.. وهكذا لم يتركوا يمنيا إلا وفي قلبه جرح دامٍ منهم.. ولذلك وجدنا الهاشميين في مقدمة صفوف الثائرين في ثورة 1948م وحركة 1955م وثورة 1962م كدليل لا يقبل الجدل على أن الأئمة أساءوا للناس جميعا دون استثناء.
ثالثاً: لا توجد أي مشكلة في المذهب الهادوي من الناحية الفقهية فهو من هذه الناحية مثله مثل غيره من المذاهب التي اختلفت في كثير من فروع فقهي العبادات والمعاملات فالعبرة أخيراً هي بالدليل الذي استند عليه كل مذهب في كل قضية من القضايا.. لكن المشكلة تكمن باختصار في التأصيل الغريب للعنصرية في المذهب بحصر حق الحكم في البطنين وما بني عليه من تمايز سلالي في أشياء كثيرة أخرى وصلت حتى التمييز في حق العلم.. ومعنى ذلك أن انتزاع العنصرية من المذهب لن تؤثر عليه في شيء، كما أن هذا يؤكد أن مواجهة الدولة لتمرد الحوثي في صيف عام 2004م لم تكن بقصد استئصال المذهب كما زعم أنصاره لكنها كانت لوقف تمرد مسلح ضد الدولة يرتكز على الفكرة العنصرية القائلة بحصر حق الحكم في البطنين والتي على ضوئها تم اعتبار النظام الجمهوري خروجاً واضحا على الدين باعتباره في نظر الحوثي وأنصاره (أوسد الأمر لغير أهله)!
رابعاً: أن المتغيرات الضخمة التي مر بها الفكر الإنساني في العصر الحاضر المرتكز على تجذير وتأصيل مبادئ الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان قد جعلت من مثل تلك الأفكار العنصرية غريبة وشاذة.. فما بالك بمجتمعاتنا المسلمة التي كانت مبادئ الشورى والعدل والمساواة والحرية جزءا أساسياً لا يتجزأ من الدين الذي آمنت به قبل أربعة عشر قرنا، فجاء من شوهه وأساء إليه وحاول أن يصوره بأنه نقيض للشورى وللمساواة وللعدل وللحرية لولا أن النظام الجمهوري –في بلادنا- أعاد الاعتبار للدين وصورته الأصيلة النقية، وأعاد الاعتبار لمجتمعنا اليمني الذي كادت العنصرية أن تمزقه فعاش الجميع في ظله آمنون متحدون نالوا حظهم من كل ما فاتهم من حياة العصر التي حرموا منها على عهد الأئمة دون تفريق بين هاشمي وقحطاني أو بين شافعي وهادوي أو بين حاشدي وبكيلي ومذحجي.. فاندمج اليمانيون وانكسرت العزلة الاجتماعية التي كرسها الأئمة بينهم واختلطت أنسابهم ومصالحهم وذابت الفوارق السلالية والقبلية والمذهبية والمناطقية وأصبحوا جسما واحدا موحداً من المهرة شرقاً حتى الحديدة غرباً ومن صعدة شمالاً حتى عدن جنوباً.. فهل يعقل بعد ذلك أن يأتي بعض المهووسين بالتمييز العنصري فيعيدوا الناس مزقا على خلاف مقاصد الدين الأصيلة ومبادئ العصر الحديث؟! إن حركة عنصرية مثل حركة الحوثيين يجب أن يتصدى لها الهاشميون قبل غيرهم لأنها أرادت الحديث باسمهم وأنها ستعيد لهم الحق المغتصب والملك المفقود بينما غالبيتهم لم يعودوا يؤمنون بمثل ذلك الفكر الذي سيعيدهم إلى عصور تحرروا منها هم قبل غيرهم.
إننا لابد أن نقف جميعاً وقفة واحدة لمواجهة ظواهر التعصب والتطرف التي تدمر المجتمعات والأوطان، والأكيد أن المعالجات الثقافية والفكرية هي الأسلوب الأهم والأجدى والأنفع والأقل ضرراً من أي أساليب أخرى.. ويأتي هذا الكتاب الهام للباحث الدؤوب المتميز المستنير الأستاذ عبدالفتاح البتول كواحد من أهم الإصدارات في السنوات الأخيرة في هذا المجال فالكتاب أخذ من مواصفات صاحبه التميز والاعتدال والإنصاف والموضوعية والحياد والمنهجية العلمية الموثقة فهو بذلك لا يستهدف أحداً ولا يسيء لأحد ولا يتعصب لمذهب ضد مذهب ولا يتميز لسلالة ضد سلالة بل هو ينصف الناس جميعا ويضع كل شيء في موضعه الصحيح فيعيد للتاريخ اعتباره ويزيل عنه ما علق به من قداسات زائفة ويقول لنا إن أولئك الأئمة بشر يصيبون ويخطئون وليس كما ظل أنصارهم يقنعون الناس به عبر التاريخ بأن الله قد اصطفاهم من دون بقية الخلق للحكم والعلم –تع إلى الله عن ذلك علوا كبيراً- فاستبدوا بعامة الناس واستباحوا دماءهم وأموالهم ولم يعيشوا ويحكموا إلا بالفتن والطغيان باسم الدين..
ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي وضع النقاط على الحروف وفصل وأجمل في كثير من الأمور التي كانت محل التباس فأشبعها بحثا حتى خرج بالنتائج التي خرج بها، وهي نتائج أحوج ما تكون إليها أجيالنا الجديدة التي لم تعد تعرف عن تاريخها إلا أقل القليل ولذا فإن هذا الكتاب أحد أهم المراجع التي ستنير الطريق لشبابنا وستبين لهم ما لم يعرفوه ويقرؤوه عن تاريخنا الطويل الملبد بالغيوم والأحزان والمكلل بالانتصارات والأمجاد العظيمة..
نصر طه مصطفى
صنعاء
20 /1/ 2007م
عناوين ذات صلة: